تحديات كبيرة تواجه السيسي في ولايته الجديدة

حرب غزة والوضع الاقتصادي والنمو السكاني من ابرز المشكلات

تحديات كبيرة تواجه السيسي في ولايته الجديدة

خرج عبد الفتاح السيسي، رئيس مصر خلال السنوات العشر الماضية، منتصرا من الانتخابات الرئاسية الأخيرة في بلاده التي أجريت على مدى ثلاثة أيام ابتداء من 10 ديسمبر/كانون الأول.

وحصل السيسي على 89.6 في المئة من الأصوات الصحيحة في الانتخابات ما جعله خارج المنافسة مع ثلاثة سياسيين آخرين أقل شهرة منه.

وستكون الولاية الجديدة هي الثالثة، والأخيرة على الأرجح، للسيسي في منصب الرئيس، ما لم يجر إدخال بعض التعديلات على الدستور المصري في السنوات القليلة المقبلة للسماح له بالترشح لولاية رابعة للمنصب الرئاسي.

ويتعين على الزعيم المصري، خلال السنوات الست المقبلة، أن يواجه مجموعة من التحديات، وستحدد نتائج هذه العملية المسار الذي ستتخذه مصر لسنوات عديدة قادمة، ففي الفترة التي سبقت الانتخابات الأخيرة، لم يطرح السيسي برنامجا انتخابيا رسميا، على الرغم من التعهدات التي أطلقتها حملته بالسعي لتحسين جودة حياة المصريين في حال فوزه. ولكن الزعيم المصري سيواجه كثيرا من التحديات في سعيه لتنفيذ هذا التعهد، من ضمنها الحرب الحالية في غزة، والتهديدات التي تتعرض لها حصة مصر من مياه نهر النيل، وارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع معدلات المواليد.

ويرى مراقبون أن طريقة تعامل السيسي مع بعض هذه التحديات في ولايته الجديدة لن تختلف عن الطريقة التي تعامل بها معها في السنوات العشر الماضية. وفي الوقت نفسه، هناك دعوات لتبني حلول أكثر جذرية لحل هذه المشاكل.

ويعتقد المراقبون أن طريقة تعامل السيسي مع بعض هذه التحديات في فترة ولايته الجديدة لن تختلف كثيرا عن الطريقة التي تعامل بها في السنوات العشر الماضية. ولكن في الوقت نفسه، هناك دعوات لتبني حلول أكثر جوهرية لحل هذه المشاكل.

حرب الجوار

تحولت الحرب في قطاع غزة المجاور إلى تهديد كبير للأمن القومي لمصر في عدة جوانب؛ إذ أدت الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على أجزاء مختلفة من غزة إلى تهجير مئات الآلاف من سكانها وإجبارهم على التوجه جنوبا بالقرب من الحدود المصرية.

في خطاب فوزه بالانتخابات في 18 ديسمبر/كانون الأول، أشار السيسي إلى المخاطر التي تشكلها الحرب الحالية في غزة على القضية الفلسطينية والأمن القومي المصري

ويأتي هذا التهجير وسط دعوات داخل إسرائيل لإعادة توطين سكان غزة في سيناء، المنطقة الشمالية الشرقية من مصر والتي تشترك في الحدود مع غزة وإسرائيل.

AP
معبر رفح مع قطاع غزة

لكن مصر رفضت بشكل قاطع هذا الاقتراح الإسرائيلي، وحذرت من تصفية القضية الفلسطينية من خلال إخلاء قطاع غزة من السكان، الأمر الذي قد يعقبه إجراء مماثل لإخلاء الضفة الغربية المحتلة.

وفي خطاب فوزه بالانتخابات في 18 ديسمبر/كانون الأول، أشار السيسي إلى المخاطر التي تشكلها الحرب الحالية في غزة على القضية الفلسطينية والأمن القومي المصري.

ويقول المحللون إنه في الفترة المقبلة، من المرجح أن يقوم السيسي بحملة لإدخال المزيد من المساعدات إلى غزة لمنع التدفق المتوقع لمئات الآلاف من الجياع واليائسين من سكان الأراضي الفلسطينية إلى الجانب المصري من الحدود.

وقال جمال سلامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، لـ"المجلة" إن "دخول المساعدات له أهمية بالغة لمنع تحول كابوس اقتحام سكان غزة لمنطقة سيناء إلى حقيقة". وأضاف: "هناك أيضا حاجة ملحة للتوصل إلى هدنة أو وقف لإطلاق النار".

ومن المرجح أيضا أن يشدد السيسي على تأكيده رفض مصر لتهجير سكان غزة إلى سيناء، وسيمارس الضغط من أجل إنهاء الحرب، كما سيقوم بحملة من أجل تسوية دائمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ويبدو أن الجيش المصري يراقب عن كثب أيضا التطورات على الحدود الشمالية الشرقية لمصر، حيث أشار وزير الدفاع المصري في 4 ديسمبر/كانون الأول إلى ما وصفه بـ"التصعيد غير المحسوب" في الأراضي الفلسطينية.

فوضى اقتصادية

تمثل مصر قصة نجاح اقتصادي تقوضها الصدمات الخارجية، وأبرزها الحربان في أوكرانيا وغزة؛ فإضافة إلى آثار جائحة "كوفيد-19"، تسببت هذه الحروب في خسائر مدمرة للاقتصاد المصري، وأدت إلى إعاقة تدفق الإيرادات من المصادر الهامة للعملات الأجنبية– بما في ذلك السياحة– ورفع أسعار السلع الأساسية في السوق الدولية، ما يفرض ضغوطا هائلة على احتياطيات العملات الأجنبية والجنيه المصري.

في ضوء صفقة مع صندوق النقد للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، يتعين على مصر تشجيع مشاركة القطاع الخاص، وتقليص وجود الدولة في السوق، وبيع عشرات الأصول المملوكة للدولة

وفي ضوء صفقة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، يتعين على مصر تشجيع مشاركة القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية، وتقليص وجود الدولة في السوق إلى الحد الأدنى، وبيع عشرات الأصول المملوكة للدولة.
كما تحتم الصفقة نفسها على المخططين النقديين المصريين اتباع نظام سعر صرف أجنبي مرن، يسمح بتعويم الجنيه المصري. إلا أن مصر لم تقم باتخاذ الكثير من الإجراءات لتنفيذ هذه الإصلاحات منذ توقيع صفقة القرض في ديسمبر/كانون الأول 2022. 
وفي مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية الهائلة للمضي قدما في الإصلاح، من المرجح أن ترضخ الحكومة المصرية لمطالب تعويم الجنيه المصري، حتى مع تعهد السيسي في يونيو/حزيران من هذا العام بعدم السماح بأي تخفيضات إضافية في قيمة العملة الوطنية. 
وستجد الحكومة المصرية أيضا أنه من الضروري الانسحاب من بعض الأنشطة الاقتصادية وتوفير فرص متساوية للقطاع الخاص، بما في ذلك تقليص الأنشطة الاقتصادية للقوات المسلحة المصرية.
ويقول الاقتصاديون إن هذه التحركات ستخفف من الضغوط على الجنيه المصري من خلال السماح بتدفق الاستثمارات الأجنبية، وهو ما سينعكس في النهاية على الظروف الاقتصادية للمواطنين.


النمو السكاني الجامح


يعدّ النمو السكاني الذي لا يمكن السيطرة عليه في مصر أكثر التحديات التي تواجهها هذه الدولة العربية صعوبة؛ إذ يعيش حوالي 104.5 مليون مصري داخل بلادهم، إضافة إلى حوالي ثمانية ملايين مصري يعيشون خارج مصر.
ويبلغ متوسط معدل النمو السكاني في مصر 1.6 في المئة، مما يجعلها واحدة من أسرع الدول نموا في العالم. وإذا استمر النمو السكاني بالوتيرة الحالية، فسيكون هناك 157 مليون مصري بحلول عام 2050 و205 ملايين بحلول عام 2100.

عدم وجود تشريعات إلزامية لتحديد النسل هو السبب وراء فشل مصر في كبح نموها السكاني، وثمة ضرورة لوجود مثل هذه التشريعات إن كانت مصر ترغب في المحافظة على نموها السكاني ضمن الحدود المقبولة

وفي السنوات العشر الأخيرة منذ تولي السيسي السلطة، زاد عدد سكان مصر بمقدار 25 مليون نسمة، أي ما يقرب من حجم سكان الدنمارك وفنلندا وسلوفاكيا والنرويج مجتمعة.

AFP
منطقة العتبة في القاهرة في صورة من سنة 2022

ويُعتَبر استمرار النمو السكاني الكبير في مصر انعكاسا لفشل خطط تنظيم الأسرة في الدولة العربية على مر السنين. وكان السيسي اشتكى من هذا النمو السكاني عدة مرات في الماضي، محذرا من أن الزيادة الهائلة في عدد سكان بلاده ستضعف مواردها وتقوض نموها الاقتصادي وتؤدي إلى تآكل جودة الحياة فيها.

وقال في إحدى المناسبات إن المصريين لن يتمتعوا بفوائد نمو اقتصاد بلادهم- بغض النظر عن مدى ارتفاعه- طالما بقي معدل الولادات على حاله.

ويقول الخبراء إن عدم وجود تشريعات إلزامية لتحديد النسل هو السبب وراء فشل مصر في كبح نموها السكاني، ويشيرون إلى ضرورة وجود مثل هذه التشريعات إن كانت مصر ترغب في المحافظة على نموها السكاني ضمن الحدود المقبولة.

وكان من بين الاقتراحات المطروحة في هذا الصدد تبني الحكومة لسياسة الطفلين، بحيث تلتزم الحكومة بدفع إعانات مالية لأول طفلين فقط في كل أسرة.

وقال مكرم رضوان، عضو لجنة الصحة في البرلمان المصري، لـ"لمجلة": "هذه السياسة ضرورية لمنع الآباء من إنجاب أكثر من طفلين". وأضاف قائلا: "يجب أيضا تقديم حوافز أخرى للآباء الملتزمين بالسياسة حتى يكونوا قدوة للآخرين".

تهديد وجودي

وتخوض مصر مفاوضات تهدف إلى تقليل الأضرار الناجمة عن سد الطاقة الكهرومائية الذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات والذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، الرافد الرئيس لنهر النيل، المصدر الرئيس للمياه العذبة في مصر، منذ أكثر من عقد من الزمن.

أنهى المفاوضون المصريون والإثيوبيون جولة جديدة من المفاوضات في أديس أبابا، وكما هو الحال في المفاوضات السابقة التي جرت خلال السنوات العشر الماضية، لم يستطع المفاوضون التوصل إلى أي نتائج مثمرة

لكن المفاوضات لم تسفر عن شيء، حيث اتهمت مصر إثيوبيا بإضاعة الوقت حتى يتحول السد إلى حقيقة. ومن المتوقع أن يؤدي سد النهضة الإثيوبي الكبير إلى تقليل كمية المياه المتدفقة إلى مصر من نهر النيل بشكل كبير، مما سيؤثر سلبا على حصة الدولة العربية السنوية البالغة 55.5 مليار متر مكعب من النهر.

AP
"سد النهضة" الاثيوبي تهديد وجودي لمصر

وتعاني مصر بالفعل من نقص في المياه، ومن المتوقع أن يؤدي السد الإثيوبي إلى تفاقم هذا النقص. وسيتسبب السد في دمار هائل لأراضي مصر الزراعية، وبالتالي فهو يشكل تهديدا على أمنها الغذائي. ووصف الرئيس المصري السد عدة مرات خلال السنوات الماضية بأنه "تهديد وجودي".
وتتمحور المفاوضات بين مصر وإثيوبيا، التي يشارك فيها السودان، حول قواعد ملء خزان السد وتشغيله بعد اكتمال بنائه. وكانت إثيوبيا أكملت بالفعل الملء الرابع لخزان السد من جانب واحد، رغم احتجاجات مصر، وهي اليوم تستعد للملء الخامس.
وكان المفاوضون المصريون والإثيوبيون أنهوا جولة جديدة من المفاوضات في أديس أبابا في 19 ديسمبر/كانون الأول، وكما هو الحال في المفاوضات السابقة التي جرت خلال السنوات العشر الماضية، لم يستطع المفاوضون التوصل إلى أي نتائج مثمرة.
وتعتبر وجهات النظر في القاهرة أن مصر لا تملك أي أوراق في يدها لاستخدامها من أجل حماية حصتها من مياه النيل، خاصة مع اقتراب بناء السد من الانتهاء، وبالتالي فإن الرئيس المصري لا يملك أي خيار.
وقال عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، لـ"المجلة": "أصبح السد حقيقة على الأرض، وتم تخزين كمية كبيرة من المياه في خزانه بالفعل". وأضاف: "لكن هذا لا يعني استبعاد إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الطرفين".

font change

مقالات ذات صلة