إيران... أسوأ وضع معيشي منذ 100 سنة

Reuters
Reuters
الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي تعرض لانتقادات قاسية من رجال الدين بسبب سياسته الاقتصادية

إيران... أسوأ وضع معيشي منذ 100 سنة

لندن- يبدو ان الازمة الاقتصادية وتداعياتها المعيشية مستمرة في إيران وسط انتقادات تتعرض لها السلطة التنفيذية واتهامات بعدم اتخاذها الاجراءات الكفيلة بالحد من تصاعد الفقر. وقال محسن بير هادي عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيراني إن "سقوط فئات متوسطة الدخل تحت خط الفقر يدق ناقوس الخطر بشأن استمرار تزايد الفقراء، وأن السياسات الحكومية لم تنجح في القضاء على الفقر في المجتمع".

وأضاف خلال تصريحات نشرها موقع "انتخاب" يوم 11 ديسمبر/كانون الأول: "تواجه الطبقة الوسطى تحديات كبيرة بسبب التضخم وغياب الاستقرار في السوق والارتفاع الكبير لحصة السكن في إنفاق العائلات... وتشير نتائج متابعتنا لآليات تنفيذ وثائق وطنية على غرار برامج التنمية السادسة واستراتيجية الآفاق العشرينية لتنمية البلاد وقوانين الموازنة السنوية والسياسات في قطاع الترفيه الاجتماعي والدعم الاجتماعي إلى أن كل هذه المشاريع انحسرت واختزلت في مساعدات للطبقة الفقيرة التي تحظى بدعم مؤسسات تكافل اجتماعي".

وتابع: "إن دعم الطبقات الفقيرة يجب أن يتواصل، غير أن الحد من سقوط الطبقة الوسطى وفئات متوسطة الدخل يسهم في تراجع نسبة الفقر المتزايد، فعلى سبيل المثال تصاعدت نسبة الفقر بشكل كبير في البلاد من 2017 حتى 2021 بسبب حدة الصدمات الاقتصادية".

وقال البرلماني الإيراني إن عدد ذوي الدخل المتوسط الذين باتوا بحاجة إلى الدعم الحكومي في ازدياد، مضيفا: "وصل عدد الذين يقبعون تحت خط الفقر إلى 16 مليون شخص من 2011 حتى 2017 وأن معدل الفقر بدأ يتصاعد خلال عامي 2018 و2019 مسجلا نموا بنسبة أكثر من 27 في المئة مما أثار المخاوف".

التدهور الاقتصادي في الوقت الراهن غير مسبوق خلال الأعوام الأربعين السابقة، بل وخلال الأعوام المائة الأخيرة.. والمشاكل والتحديات الاقتصادية تسببت في مشكلات اجتماعية وثقافية

وقال بير هادي: "تشير آخر التوقعات إلى أن نسبة الإيرانيين تحت خط الفقر خلال العام الحالي بلغت 28 مليون نسمة، وأن تصاعد نسبة السكان تحت خط الفقر خلال العقد الأخير يشير إلى أن السياسات الحكومية للقضاء على الفقر لم تحد من الفقر بل أنتجت الفقر ولم تنجح في حماية الفقراء". واعتبر أن "الطبقة الوسطى كانت ولا تزال من الفئات الأكثر تأثيرا على الأنظمة الحكومية، وبالتالي يجب أن يكون هدف الحكومة العمل على انتقال الطبقة الفقيرة إلى الطبقة الوسطى... إن إهمال الطبقة الوسطى يؤدي إلى زحف الفقر على المجتمع".

ويبدو أن عجز الحكومة برئاسة إبراهيم رئيسي عن تنفيذ وعودها الاقتصادية، ومنها الحد من التضخم والفقر، أدى إلى وقوع فئات من أصحاب الدخل المتوسط إلى هوة الفقر، بل إن مراجع تقليد في إيران حذروا الرئيس الإيراني من سياساته الاقتصادية والضغوط المعيشية التي أثقلت كاهل المواطن الإيراني، حيث نشرت وكالة أنباء "خبر أونلاين" تقريرا بهذا الشأن قالت فيه إن "حكومة إبراهيم رئيسي من أكثر الحكومات التي تلقت انتقادات وإنذارات من مراجع الدين بشأن تدهور الوضع المعيشي، غير أن آذان الحكومة غير مصغية".

EPA
متسوقون في البازار الكبير في طهران في 30 نوفمبر

وأضاف التقرير أن "آية الله مظاهري، من مراجع التقليد، وجّه انتقادا حادا إلى الأداء الاقتصادي للحكومة، وذلك خلال لقاء بينه وبين إبراهيم رئيسي، حيث قال آية الله مظاهري لرئيسي إن المواطنين يواجهون أوضاعا معيشية صعبة... وأن المواطنين يحق لهم الاستياء من الظروف الراهنة... وأن التدهور الاقتصادي في الوقت الراهن غير مسبوق خلال الأعوام الأربعين السابقة، بل وخلال الأعوام المائة الأخيرة.. وأن المشاكل والتحديات الاقتصادية تسببت في مشكلات اجتماعية وثقافية".

وتابع التقرير أن "الحكومة الراهنة تعرضت لانتقادات عديدة مماثلة في السابق، منها تصريحات آية الله نوري همداني، خلال لقائه مع إبراهيم رئيسي بمدينة قم في أغسطس/آب 2023، حيث قال نوري همداني لرئيسي إنه يجب عليه أن يحرص على حل المشاكل المعيشية، وأنّ استمرار انهيار العملة المحلية يثير القلق".

وأشار التقرير إلى لقاء بين آية الله مكارم شيرازي وإبراهيم رئيسي خلال زيارته إلى مدينة قم، حيث قال مكارم شيرازي لرئيسي إن "التضخم والظروف المعيشية المتدهورة من أسباب قلق المواطنين الرئيسة وأن المواطنين يريدون أن يلمسوا نتائج أداء الحكومة بشكل عملي، حيث إن إيجارات السكن باتت معضلة كبيرة ويجب على الحكومة إيجاد حل لمشكلة ارتفاع الإيجارات وتنفيذ وعودها بشأن إنشاء المباني السكنية".

يعيش المتقاعدون ظروفا أكثر صعوبة؛ لأن تكاليف العلاج أكثر من رواتب التقاعد. وغالبية المتقاعدين- رغم كبر سنهم- يزاولون أعمالا لا تناسب أعمارهم

كما أفاد التقرير بأن هناك مراجع دينية عديدة على غرار آية الله سبحاني، وآية الله جوادي آملي، وآية الله صافي كلبايكاني، ممن وجهوا لإبراهيم رئيسي انتقادات حول التضخم وغياب الثبات في الأسواق وعدم الاهتمام بالاستفادة من الموارد البشرية والقطاع الخاص في إدارة الاقتصاد. ولم يوجه مراجع التقليد العتاب والانتقاد حول الظروف الراهنة إلى الرئيس الإيراني فقط بل قاموا بتحذير وزراء ومسؤولين حكوميين من الوضع الاقتصادي والظروف المعيشية الراهنة.

هذا وقال الأمين العام لنقابات العمال في إيران هادي أبوي، في حوار مع وكالة "تسنيم" للأنباء، يوم 12 ديسمبر/كانون الأول، إن "الهوة أصبحت كبيرة للغاية بين دخل فئة من العمال أصحاب العقود المؤقتة وبقية فئات المجتمع، وأن هؤلاء العمال يتلقون أجرا يوميا ولا يتمتعون بأي شكل من أشكال الدعم... ويواجهون تحديات كبيرة منها غياب الأمن الوظيفي... أكثر من 50 في المئة من العائلات في البلاد هم عائلات العمال... هؤلاء العمال قد يخسرون وظائفهم في أي وقت شاء أرباب العمل ويعيشون على الحد الأدنى من الرواتب ولا يملكون أي ادخار... ويفتقرون للأمل في الحياة ويواجهون شراسة تكاليف السكن والغذاء... هؤلاء العمال الذين لا يتمتعون بالكثير من الحقوق والخدمات على غرار التأمين الاجتماعي هم أول ضحايا العقوبات وكورونا والتضخم... إن أجور العمال من أصحاب العقود المؤقتة تكفي لتأمين نصف مستلزمات معيشة شخص واحد فقط، في الوقت الذي يواجهون فيه ارتفاع نسبة إيجار المنازل... هذه ظروف غير عادية وخطيرة ومثيرة للقلق".

هذا وقد نقل موقع "تجارت نيوز" الخبري في الأول من ديسمبر/كانون الأول عن سمية جلبور رئيسة المركز الأعلى لنقابات العمال قولها إن "ارتفاع الأجور حتى بنسبة 30 في المئة لا يكفي لنفقات الأسرة ويبقى أقل من نسبة التضخم".

وأضافت جلبور: "إن الأجور المتدنية للعمال لا تؤمن لهم الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، وبالتالي يضطر العمال إلى اللجوء لعملين أو ثلاثة. كما يعيش المتقاعدون ظروفا أكثر صعوبة لأن تكاليف العلاج أكثر من رواتب التقاعد. وغالبية المتقاعدين- رغم كبر سنهم- يزاولون أعمالا لا تناسب أعمارهم، على غرار قيادة سيارات الأجرة".

وتابعت: "القوة الشرائية للعمال لن تتحسن ما لم يتم احتواء التضخم. والعمال لا يفضلون العمل في المعامل والمصانع رغم حاجة المصانع إلى القوى العاملة لأن الأجور متدنية ولا تكفي لتوفير الحد الأدنى لمستلزمات المعيشة ويتجه الجزء الأكبر من العمال إلى وظائف في السوق الحرة".

الإيرانيون فقدوا القدرة على شراء اللحوم والحليب ومنتجات الألبان وحتى الأرز واتجهوا نحو منتجات رخيصة وعديمة الجودة مما يمثل كارثة صحية خلال الأعوام القليلة القادمة

ونشرت وكالة "إيلنا" العمالية للأنباء حوارا مع علي خدايي عضو المجلس الأعلى للعمل في إيران يوم 13 ديسمبر/كانون الأول حول تصريحات وزیر العمل الذي قال فيها مؤخرا إن زيادة الأجور بنسبة 57 في المئة عام 2022 تسببت في زيادة التضخم. وقال خدايي "إن مثل هذه التصريحات التي بدأت تتزايد في الفترة الأخيرة حول الأجور مثيرة للقلق... والسؤال المهم عن السبب الرئيس في التضخم؟ إن سوق العمل والعمال ليسوا مسؤولين عن التضخم؛ فالحكومة تواجه عجزا في الميزانية ولم تنجح في إدارة مواردها بشكل سليم. وتتعرض البلاد لاضطرابات مالية وتواجه الحكومة تحديات في دفع أجور العمال والموظفين. كما أن طباعة النقود بشكل غير منظم لتغطية عجز الموزانة من أسباب التضخم وليس ارتفاع الأجور".

Reuters
ضباب التلوث يغطي العاصمة الايرانية طهران

وتابع: "نحن مندهشون من الاختلاس الكبير بقيمة 3 مليارات و700 مليون دولار والذي كشف عنه مؤخرا. كيف حصل ذلك؟ لقد حصل الكثير من مثل هذه الاختلاسات الكبيرة في فترة رئاسة أحمدي نجاد ولكن الفارق أن الإيرادات النفطية كانت كبيرة في تلك الفترة، غير أن الوضع تغير الآن والبلاد بحاجة إلى كل قرش. عندما نطالبهم برفع أجور العمال والموظفين يردون علينا بأن الحكومة لا تملك الميزانية الكافية لذلك أو أن زيادة الأجور تؤدي إلى التضخم... إن تعاملهم مع أكثر من نصف سكان المجتمع غير سليم. لقد دمر الفساد المالي وغياب المقررات النقدية والمالية كل شيء. أليست مكافحة الفساد الاقتصادي ومساعدة الفقراء من مهام الحكومات؟".

وأضاف: "لقد ساهم ارتفاع الأجور بنسبة 57 في المئة خلال عام 2023 في تحسين معدلات الوظائف والإنتاج مما أدى إلى خلق سيولة بناءة ساعدت المواطنين في تحسين قدرتهم الشرائية؛ فمستويات التضخم وتدني الأجور لهما تداعيات خطيرة لأن المواطنين فقدوا القدرة على شراء اللحوم والحليب ومنتجات الألبان وحتى الأرز واتجهوا نحو منتجات رخيصة وعديمة الجودة مما يمثل كارثة صحية خلال الأعوام القليلة القادمة... نتوقع من الساسة أن يفكروا في حلول لمنع وقوع هذه المشاكل بدلا من إيجاد طرق لخفض أجور العمال".

font change

مقالات ذات صلة