سلطان البازعي: "مهرجان الرياض" كشف عن ثقافة مسرحية مهمة في السعودية

عشرة عروض تنافست ضمن مسابقة المهرجان

الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية سلطان البازعي

سلطان البازعي: "مهرجان الرياض" كشف عن ثقافة مسرحية مهمة في السعودية

الرياض: منذ تأسيس هيئة المسرح والفنون الأدائية في المملكة العربية السعودية قبل ثلاث سنوات، يشهد المسرح السعودي انفتاحا جديدا، في إطار عملية إحياء شاملة لعناصره، تتلمس الخبرات القديمة المتوفرة، والمواهب الجديدة صاحبة الرغبة في الإبداع والتعبير عن ذواتها، مستلهمة الموروث الشعبي السعودي، وموظفة الممكنات المادية المتاحة، مع وضعها في الاعتبار أهمية الإفادة من الخبرات الخاصة بالمجال المسرحي العربي، لتتشكل بذلك ديناميكية جديدة للحركة المسرحية، في إطار نشاط ثقافي متنامٍ، يتصدره المسرح بقيمته الروحية البارزة، لما يتضمنه من شمولية فنية تجمع بين عدة فنون مختلفة، مثل التمثيل والإخراج والكتابة والموسيقى والتصميم، ولما له من قدرة عالية على التأثير والإلهام عن طريق خصائصه المميزة في التعبير الفني وتجسيد الحكايات والأفكار.

ومع أول تجربة لمهرجان سعودي خاص بالمسرح، متمثلة في "مهرجان الرياض للمسرح" الذي أقيم على مدى 12 يوما واختتمت فعالياته في 24 ديسمبر/ كانون الأول، التقت"المجلة" الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية سلطان البازعي، وحاورته حول الواقع الحالي للمسرح السعودي، وما تواجهه عملية تطوير القطاع المسرحي من تحديات، وما استطاعت التغلب عليه من عقبات.

ما تقييمك للتجربة الأولى لمهرجان الرياض للمسرح، وما القيمة الفنية التي يضيفها المهرجان لحركة المسرح السعودي، وما تشهده من ديناميكية وتطور؟

هذا المهرجان الذي أقيم تحت رعاية وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، بني على مسرحيات دعمتها الهيئة، وعُرضت في المناطق التي أنتجتها، لتصل من خلال تلك العروض المسرحية إلى عشرة عروض لمسابقة المهرجان.في البدء فتحنا التقديم للأفكار الخاصة بالمسرحيات، وكنا نستهدف 20 عرضا كي ندعمها وننتجها وتُعرض في مناطقها، ثم ننتقي 10 عروض منها، والمفاجأة الأولى التي جاءتنا أن المشاريع التي تقدمت تجاوزت الـ 80 مشروعا، وكانت هناك لجنة لفرز هذه العروض، فرشحت 20 عرضا من بينها، فقُدم لها الدعم وأنتجت فعلا، وعُرضت في 100ليلة عرض، بحضور تجاوز الـ 10آلاف شخص في مناطق المملكة في 8 مدن، وحضرت لجنة المشاهدة كل العروض، ورشحت 10 مسرحيات للوصول إلى مسابقة المهرجان، لذلك كان الهدف الأول إقامة تلك العروض في المناطق، وتقديم هذه العروض أمام الجمهور بعد طرح التذاكر الخاصة بها ثانيا، وذلك بغرض إعادة الصلة بين الجمهور والمسرح، فأحد أهم أهداف الهيئة الإستراتيجية أن يكون المسرح عنصرا جاذبا للجمهور، بصفته أحد الخيارات الثقافية الدائمة للجمهور السعودي، فكان الحضور الجماهيري للعروض المسرحية في المناطق مؤشرا على تحقيق هذا الهدف.

أحد أهم أهداف الهيئة الإستراتيجية أن يكون المسرح عنصرا جاذبا للجمهور، بصفته أحد الخيارات الثقافية الدائمة للجمهور السعودي

وبطبيعة الحال، فإن الهدف من المهرجان هو تشجيع الإنتاج ودعم الفرق المسرحية الناشئة كي تقدم أعمالا متكاملة، ومن المؤكد أن الفرق المسرحية التي قدمت أعمالها في المهرجان أفادت من آراء النقاد الذين شاركوا في المهرجان، إذ ترجم ذلك في الجلسات النقدية التي تلت كل عرض، ونعتقد أننا سنشاهد خلال الدورات المقبلة من المهرجان مستويات أعلى من ناحية مستوى العروض وجودتها وطريقة تقديمها، ومن ناحية التطور في النصوص، وفي الإخراج، وأيضا في أداء الممثلين، هذه كلها عملية مستمرة، ونرجو أن يستفيد جميع النَشِطين في المسرح من الدورات التي تقدمها الهيئة.

واس
هيئة المسرح والفنون الأدائية تحتفي باليوم العالمي للمسرح

 نحن الآن في السنة الثالثة، وقدمنا خلال الثلاث سنوات الماضية دورات كثيرة في مختلف المستويات على مختلف المهن المتعلقة بالأداء المسرحي، بما فيها المهن المساندة التي تعمل خلف الكواليس.قدمنا دورات تدريبية مختلفة المستويات حسب خبرة المتدربين، وهذا سيعزز نمو القدرات والمواهب الموجودة في القطاع المسرحي.هذه هي فكرة المهرجان بشكل عام، وأعتقد أننا وصلنا في السنة الثالثة من عمل الهيئة لمستوى نطمئن من خلاله إلى أن ثمة إمكانية لتقديم عروض تتنافس على جوائز المهرجان، كما أن النتائج المتحققة في التجربة الأولى للمهرجان تشجعنا كثيرا على تكرار دوراته في السنوات المقبلة.

بناء المسرح السعودي

ما التحديات التي واجهتكم منذ بدء عملكم وسعيكم لإعادة بناء القطاع المسرحي السعودي، وما العقبات التي تمكنتم من تخطيها؟

التحديات الموجودة كانت دائما تتعلق بتوفر النصوص، وتوفر الكتاب المسرحيين، فالكتابة المسرحية هي الأساس للعمل المسرحي، فالنص لا بد أن يكون حاضرا، وقد شرعنا في معالجة هذه المشكلة من خلال ما نسميه بـ "معتزلات الكتابة المسرحية"، وقد وفرنا أول معتزل في بداية 2023 في منطقة عسير، والعام المقبل سيُنفذ مرة أخرى في منطقة أخرى، والفكرة تقوم على تقديم الكُتّاب المسرحيين لمشاريعهم المسرحية، لننتقي منها المشاريع الأكثر نضجا، ويحضر الكُتّاب للمعتزل برفقة خبراء في الكتابة المسرحية من العالم العربي، من أجل مساعدتهم على تطوير تطوير نصوصهم عبر الورش التدريبية والندوات المتخصصة،حتى تُصبح تلك النصوص قابلة للعرض، وقد أنتجت تجربة المعتزل الأول 10 نصوص مسرحية قابلة للإنتاج، وهذه النصوص تُطرح للمنتجين وللفرق المسرحية للاستفادة منها.  

كانت هناك إشكالية أخرى تتعلق بوجود أماكن العرض في بعض المناطق، وأماكن العرض المتاحة في المملكة غالبا تملكها بعض الجهات المختلفة،من جهات حكومية أو غير حكومية، والهيئة دورها أن تعقد اتفاقات مع هذه الجهات لتوفيرالمسارح من أجل إجراء التدريبات أو تقديم العروض، وعلى سبيل المثال في منطقة حفر الباطن كان لابد من عقد اتفاق مع إدارة التعليم التي تملك مسرحا لإتاحته لنا للاستفادة منه، وقد تم ذلك، والجهات في الغالب تتعاون معنا، هذه هي أهم التحديات التي واجهتنا واستطعنا معالجتها.

القطاع الخاص

ما رؤيتكم لعملية استقطاب المستثمرين لدعم المسرح السعودي، وجعل القطاع الخاص مشاركا في نمو الإنتاج المسرحي؟

 هذا المسار يعدّ مسارا ثانيا في عمل الهيئة، لدينا إدارة عامة لتطوير الأعمال وتطوير القطاع، ومهمتها مساعدة الممارسين في تكوين كياناتهم النظامية،كي تكون كياناتهم مستدامة، وأيضا مهمتها استقدام المستثمرين للقطاع المسرحي، ونعرف أن هناك تحديا لإقناع المستثمرين بالاستثمار في قطاع المسرح، ولكن الدعم سيأتي دون شكّ متى ما اقتنع رجال الأعمال وأصحاب رؤس الأموال بأن ثمة إقبالا من الجماهير على المسرح، نحن لسنا على عجلة في هذا الشأن، لأن الهيئة لديها برامج خاصة لدعم الإنتاج المسرحي، وهذا العام 2023 أول عام نستهلك فيه  الميزانية الخاصة بالدعم قبل نهايته، أيّ أن هناك حركة إنتاج وطلب على الدعم، وهذا مؤشر جيد، ومتى ما تطوّرت ممارسة المسرحيين، سيحل شباك التذاكر بصفته واحدا من مصادر الإيرادات لزيادة الموارد، وهذا يجعلنا نستطيع توزيع حزم الدعم على عدد أكبر من الإنتاجات، وهذه مسألة يجب أن تأخذ وقتها الكافي للنمو،الذي أعتقد أنه حثيث وسريع ومبشر. 

واس
سلطان البازعي

تفاعل الجمهور

كيف ترى تفاعل الجمهور السعودي مع جهودكم، ومع انفتاح النشاط المسرحي؟

في كل عرض مسرحي يفاجئنا الجمهور السعودي بالإقبال عليه، وقد ثبت أن الجمهور في المملكة يبحث عن محتوى جيد للإقبال عليه، وأن لا مانع لديه من شراء التذاكر الخاصة بالعروض إذا كانت جيدة، وهذا الرهان هو الذي أتكلم فيه مع المسرحيين: "قدموا مستويات جيدة في الإنتاج والجمهور سوف يأتي إليكم"، وإذا لاحظنا في المهرجان، صحيح أن هناك عددا كبيرا من المسرحيين الموجودين، لكن حضور الجمهور المحب للمسرح كان طاغيا أيضا،فإقبالهم على العروض طوال أيام المهرجان، والزحام الذي تشهده الجلسات النقدية يعتبر مظهرا لا يُشاهَد في كثير من المهرجانات على مستوى العالم، نحن فوجئنا في اليوم الأول بالإقبال الكبير على الجلسات النقدية، كان هناك عدد محدود من المقاعد في القاعة المخصصة لهذه الجلسات، وكان هناك زحام شديد، فاضطررنا إلى مضاعفة عدد المقاعد حتى يستوعب الجمهور، ومع ذلك ظل عدد من الحضور يقفون لمتابعة الجلسة النقدية، وهذا مؤشر صحي جدا لمستوى الوعي والحرص على المعرفة، فهنالك الكثير من بين الجمهور المتلقيمنيُحب مشاهدة العرض، لكن يحتاج أيضا إلى الاستماع إلى رأي ناقد يفكك له المفاتيح الخاصة به، حتى يصبح تواصله مع العرض أقوى، وهذه ثقافة مسرحية مهمة.

ثبت أن الجمهور في المملكة يبحث عن محتوى جيد للإقبال عليه، وأن لا مانع لديه من شراء التذاكر الخاصة بالعروض إذا كانت جيدة

توسيع المشاركة

هل هناك رؤية لتوسيع دائرة المشاركة في مهرجان الرياض للمسرح، بحيث نرى الحضور المسرحي العربي والعالمي فيه، وألا يقتصر على المسرح السعودي؟

سيبقى مهرجان الرياض مخصصا للمسرح السعودي، فالهدف منه تعزيز الإنتاج، لكننا سعدنا بحضور ومشاركة عدد من المسرحيين العرب في المهرجان، وكان وجودهم مهما لناحية احتكاكهم بالمسرحيين السعوديين، لكن مسار المهرجانات الدولية أو العربية وارد في حسابات الهيئة، ذلك لأننا نحتاج إلى رؤية مسارح العالم عندنا. 

في شهر فبراير المقبل سيُعقد مهرجان المسرح الخليجي للفرق المسرحية الأهلية بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، سيُعقد المهرجان في الرياض لأول مرة بعد توقفه لسنوات طويلة، وسيعود هذه المرة من الرياض حتى ينتظم بدورته المعتادة حيث سيعقد مرة كل سنتين في واحدة من دول مجلس التعاون.

وجود المسرحيين الخليجيين أيضا سيكون إضافة للتجربة المسرحية السعودية، وقد استضفنا هذا العام في مهرجان الرياض للمسرح عرضا من تونس، وكان العرض مميزا برؤيته المختلفة، وننوي في كل دورة من دورات المهرجان استضافة دولة ضيف لتقديم عرضها الخاص، وهذا أيضا فيه إضافة للممارسين المسرحيين السعوديين.

font change

مقالات ذات صلة