مكاسب الشركات العالمية من نقل مقارّها الإقليمية الى الرياض

رفع مساهمة الاستثمار الأجنبي في الناتج المحلي وتعزيز أداء الشركات السعودية الصغيرة والمتوسطة

Shutterstock
Shutterstock

مكاسب الشركات العالمية من نقل مقارّها الإقليمية الى الرياض

باشرت المملكة العربية السعودية من أول السنة تطبيق قرارها القاضي بعدم تعامل القطاعات والجهات والمؤسسات الحكومية مع الشركات العالمية التي لا يوجد لها مقر إقليمي في المملكة؛ وهو قرار كان أعلن منذ 2021، ومنحت الشركات فرصة لنقل مقارّها الإقليمية إلى المملكة، والاستفادة تاليا من الفرص الاستثمارية الهائلة التي يتميز بها الاقتصاد السعودي.

حينما أعلنت السعودية قرارها الذي يقضي بعدم تعامل القطاعات والجهات الحكومية مع الشركات العالمية التي لا يوجد لها مقر إقليمي في المملكة؛ رأى كثيرون أنه صعب التطبيق، أو أن الشركات العالمية قد لا تهتم بالاقتصاد السعودي من حيث الفرص والاستثمارات، أو سيتم التراجع عنه لاحقاً، إلا أن الواقع يثبت اليوم عكس ذلك تماماً، حيث بادرت الشركات العالمية منذ الأشهر الأولى من إعلان القرار إلى تقديم الطلبات لنقل مقارّها الإقليمية إلى المملكة عموما، والرياض خصوصا.

تفعيل القرار اليوم وبشكل جدي للغاية، يبرهن أن السعودية تمضي قدماً إلى تنفيذ كل مستهدفات رؤيتها الوطنية الطموحة "رؤية 2030"، وتحقيق مستهدفات كل البرامج والمبادرات الطموحة المنبثقة من هذه الرؤية من دون تساهل أو تراخٍ، حيث يشهد الاقتصاد السعودي اليوم مرحلة جديدة من شأنها تعظيم الأثر الإيجابي في الناتج المحلي.

السعودية نحو زيادة في مساهمة الشركات الأجنبية واستثماراتها في الناتج المحلي الإجمالي، بما يعني المزيد من النمو للاقتصاد

قبيل إطلاق "رؤية السعودية 2030" كان حجم الاقتصاد السعودي حينها يقدر بنحو 2.5 تريليون ريال تقريباً (666.7 مليار دولار)، إلا أنه اليوم يقفز فوق مستويات أربعة تريليونات ريال (تخطى حاجز 1.1 تريليون دولار)، مسجلاً بذلك نمواً غير مسبوق، وتطوراً لافتاً، الأمر الذي يجعله واحداً من أكثر اقتصادات العالم حيوية ونمواً، كما أنه في الوقت ذاته أكثر اقتصادات المنطقة تأثيراً وحراكاً.

لقطة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار السنوي في الرياض في أكتوبر 2023

أثر القرار... وأربعة مرتكزات 

قد يتساءل البعض لماذا هذا القرار، وما العائد منه؟ ثمة أربعة مرتكزات مهمة، عنوانها الأبرز أن السعودية تستهدف رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي، وهذا الأمر يعني سنّ الكثير من التشريعات والقرارات التنظيمية التي تجذب الاستثمارات وتحقيق هذا الهدف.

الأول هو زيادة مساهمة الشركات الأجنبية واستثماراتها في الناتج المحلي الإجمالي، بما يعني المزيد من النمو للاقتصاد السعودي الذي تشير توقعات بيوت الخبرة العالمية إلى أنه سيكون في 2024 أحد أكثر اقتصادات مجموعة دول العشرين نمواً.

فيما يذهب المرتكز الثاني إلى أن هذا القرار سينعكس بشكل واضح على جذب المزيد من الشركات العالمية التي لم يكن لها مقارّ إقليمية أساساً في المنطقة؛ حيث سيشجع قرار نقل الشركات العالمية الأخرى مراكزها الإقليمية إلى الرياض، الشركات الأخرى على اتخاذ الخطوة نفسها، ذلك لأن المستثمرين حول العالم يراقبون الفرص، ويدركون تماماً أن الفرص الاستثمارية في السعودية كبيرة جداً ومتجددة في الوقت ذاته.

 ستستفيد الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية من قرب الشركات العالمية، الأمر الذي يمنحها فرص التواصل والتشاور والاستثمار وتوسيع فرص العمل 

المرتكز الثالث يرى أن الأثر الذي سيتركه هذا القرار على الأداء الاقتصادي المحلي سيكون إيجابياً للغاية، فوجود مقار الشركات العالمية في المملكة يعني مزيدا من استقطاب الموظفين للعمل في السعودية، ومزيدا من الاستثمارات، ومن الشراكات، وهذا يصب في نهاية الأمر في صالح الناتج المحلي، وهو أحد مستهدفات رؤية السعودية 2030.

أما المرتكز الرابع فيتمثل في استفادة الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية من قرب الشركات العالمية، الأمر الذي يمنحها فرص التواصل والتشاور والاستثمار وتوسيع فرص العمل، مما يعني أن لهذا القرار أثرا إيجابيا على صعيد زيادة مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي، الذي من المتوقع أن يبلغ 35 في المئة عام 2030، كما تهدف الرؤية السعودية الوطنية.

الشركات العالمية تتقدم بالتراخيص

ومن المرتقب إعلان عدد الشركات العالمية التي نقلت مقارها الإقليمية إلى الرياض، ونوعيتها وأحجامها، خلال الفترة المقبلة، حيث لا يزال بعضها في طور إصدار التراخيص النظامية اللازمة بعدما تقدمت بها حديثاً. وفي جانب آخر، بدأ الكثير من الشركات العالمية بالعمل فعلياً من مقره الإقليمي في الرياض.

Shutterstock

وبحسب معلومات "المجلة"، فإن لجنة مختصة ستتولى مهمة بتّ طلبات الجهات الحكومية التي ترغب في التعاقد مع شركات عالمية ليس لها مقر إقليمي في البلاد (إن وجد مثل هذا النوع من الطلبات)، حيث ستعمل هذه اللجنة على دراسة ما إذا كان يوجد بديل محلي أو آخر عالمي وله مقر إقليمي في المملكة؛ يمكن أن يستوفي متطلبات الجهة الحكومية التي طرحت المشروع أو المناقصة أو العقد، وهو الأمر الذي يعني أن السعودية جادة جداً في تنفيذ قرارها القاضي بعدم تعامل الحكومة مع الشركات العالمية التي ليس لها مقار إقليمية في المملكة.

لجنة مختصة ستتولى مهمة بتّ طلبات الجهات الحكومية التي قد ترغب في التعاقد مع شركات عالمية ليس لها مقر إقليمي في البلاد، والتأكد من أنه لا يوجد البديل المناسب محليا

وبحسب المعلومات أيضاً؛ فإن "هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية" ستقود هذه اللجنة التي تألفت من قطاعات وجهات ذات علاقة، فيما من المتوقع أن تتجه الجهات الحكومية في الأساس إلى تجنب التعامل مع الشركات العالمية التي ليس لها مقار إقليمية في البلاد، وإن وجدت بعض المشاريع التي تتطلب التعاقد مع مثل هذه الشركات، فإن القرار النهائي لن يكون لدى الجهة التي طرحت المشروع؛ بل للجنة المختصة، التي بدورها قد تجد البديل المناسب من شركات محلية أو أخرى شركات عالمية لها مقر إقليمي في البلاد.

يذكر أن من الأهداف الإستراتيجية للهيئة: "زيادة المحتوى المحلي في المشتريات الحكومية، زيادة المحتوى المحلي في القطاع الخاص، وتعظيم الفائدة التنموية من القوة الشرائية الوطنية".​ اضافة الى "تطوير الأدوات والأساليب النظامية لتنمية المحتوى المحلي والارتقاء بأعمال المشتريات الحكومية، وزيادة الامتثال والالتزام بتطبيق متطلبات المحتوى المحلي".

ختاماً، بدأت المملكة العربية السعودية فعلياً بتطبيق قرارها، مما سيساهم في نهاية المطاف في تحقيق الكثير من الفوائد للاقتصاد المحلي السعودي، الذي يعتبر أحد أكبر اقتصادات العالم، وعضواً فاعلاً في دول مجموعة العشرين، ويسجل معدلات نمو غير مسبوقة، ستدفعه إلى المزيد من التقدم والنمو والتطوير، في ضوء "رؤية 2030" وبرامجها الوطنية ومشاريعها النوعية المنبثقة منها.

font change

مقالات ذات صلة