الأزمة بين مالي والجزائر... مشكلة لقاء مع الإمام محمود ديكو أم مخاوف أمنية؟

توتر سياسي مفاجئ بين البلدين إثر استقبال الرئيس الجزائري شخصية إسلامية مؤثرة في مالي

AFP
AFP
الشيخ محمود ديكو (يسار) يتحدث خلال اجتماع عام في ظهور علني نادر في باماكو في 28 نوفمبر 2021.

الأزمة بين مالي والجزائر... مشكلة لقاء مع الإمام محمود ديكو أم مخاوف أمنية؟

دخلت العلاقات بين الجزائر ومالي أزمة دبلوماسية غير مسبوقة، بسبب حرب التصريحات والتصريحات المضادة والاستدعاء المتبادل لسفيري البلدين، وهو ما وضع اتفاق السلم والمصالحة في مالي الموقع بين أطراف النزاع في 2015 بوساطة جزائرية ورعاية دولية على فوهة بركان.

وبشكل مباغت وغير متوقع، انزلقت العلاقات بين الجزائر ومالي نحو أتون أزمة دبلوماسية حادة صنعت الحدث في النهاية، لا سيما بعد إعلان الخارجية المالية استدعاء سفيرها لدى الجزائر للتشاور، عملا بـ"مبدأ المعاملة بالمثل"، واستبقت هذه الخطوة باستدعائها سفير الجزائر في باماكو لإبلاغه احتجاجا على "أفعال غير ودية" من طرف بلاده، وتدخلها في الشؤون الداخلية لمالي، وهو ما ردت عليه الجزائر بالمثل عبر استدعاء سفير مالي لديها، وجددت تأكيدها لرفضها التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وقد نشبت الأزمة عقب استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، الإمام المالي محمود ديكو، رجل الدين صاحب النفوذ الكبير في مالي، والذي عُرف سابقا بمواقف انتقد فيها المجلس العسكري الحاكم، وهو الأمر الذي استفز مالي واعتبرته تدخلا في شؤونها الداخلية، ووصفت استقبال الجزائر للرجل بـ"العمل غير الودي" وبأنه تدخل في شؤونها تحت غطاء عملية السلام، وحذرت من أن من شأن هذه الأفعال أن تفسد العلاقات التي تربط البلدين.

وترأس الإمام محمود ديكو سابقا المجلس الإسلامي الأعلى في مالي، خلال الفترة الممتدة بين يناير/كانون الثاني 2008 إلى غاية أبريل/نيسان2019. ويعد الإمام ديكو حسبما وصفه موقع "بي بي سي نيوز" العربي، قوة الحشد الحقيقية وراء المظاهرات التي تشهدها الدولة، إذ قاد احتجاجات جماهيرية ضخمة عام 2020 للمطالبة باستقالة إبراهيم بوبكر كايتا بسبب الفساد والمحسوبية وضعف الخدمات العامة والقيادة الوطنية، وسوء الممارسات في الانتخابات وعجز الحكومة عن وضع حد للعنف الطائفي والجهادي إلى حالة من الإحباط الشعبي.

وجددت الجزائر التأكيد على قناعتها العميقة بأن السبل السلمية دون سواها، هي وحدها الكفيلة بضمان السلم والأمن والاستقرار في مالي بشكل ثابت ودائم ومستدام، والحفاظ على الأمن القومي الجزائري، واعتبرت على لسان وزير خارجيتها أن "المصالحة الوطنية- وليس الانقسامات والشقاقات المتكررة بين الإخوة والأشقاء- هي الوسيلة المثلى التي من شأنها تمكين دولة مالي من الانخراط في مسار شامل وجامع لكافة أبنائها دون أي تمييز أو تفضيل أو إقصاء، وهو المسار الذي يضمن في نهاية المطاف ترسيخ سيادة مالي ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها".

واختلفت أراء الخبراء والمتابعين للمشهد الدولي حول آفاق العلاقات بين البلدين الجارين، بين من يرى أن الطريق لن يكون مفروشا بالورود، ومن يرفض أن يصف ما حدث بـ"الأزمة".

سوء تقدير

يرفض أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشؤون الأفريقية، مبروك كاهي، اعتبار ما حدث أزمة دبلوماسية بين البلدين، ويقول في حوار مع "المجلة" إن "الأمر متعلق بسوء تقدير الموقف نظرا لحساسية المرحلة التي تمر بها دولة مالي التي تربطها حدود مع الجزائر تمتد على طول 1359 كم، فسلطات باماكو تدرك جيدا أن شخصية الشيخ العالم والإمام محمود ديكو تحظى باحترام وتقدير بالغين من قبل السلطات الجزائرية، فقد استقبل مرارا وتكرارا من طرف وزراء جزائريين وكان من بين الحاضرين في احتفالية استقلال الجزائر قبل عامين من هذا التاريخ، وجلس خلف الرئيس تبون مباشرة".

ويبدو أن التصعيد الحاد في لهجة باماكو والذي جاء بعد استقبال محمود ديكو الذي يحظى بمكانة خاصة لدى الماليين، ولديه شعبية كبيرة في الشارع المالي، لم يُفاجئ الطرف الجزائري.

AP
عناصر في المجلس العسكري الحاكم في مالي يلوحون لأنصارهم بعد الإطاحة بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في العاصمة باماكو، مالي، في 21 أغسطس 2020

ويقول كاهي إنه يجب العودة إلى أصل المشكلة، وهي في رأيه تتعلق بالانقلاب العسكري الجديد في مايو/أيار 2021، عندما أطاح الجيش- بقيادة العقيد أسيمي غويتا- بالرئيس الانتقالي وعين نفسه نائبا للرئيس، واعتقل الرئيس الانتقالي ورئيس الوزراء بعد تعديل وزاري أقيل فيه اثنان من القيادات العسكرية.

اقرأ أيضا: أردوغان في الجزائر... علاقة "استراتيجية"؟

ويضيف المحلل السياسي مبروك كاهي أن العقيد غويتا وصل للسلطة بطريقة غير دستورية ولا يزال إلى اليوم لا يملك الشرعية... "الأزمة معقدة من أساسها أي داخل مركز صنع القرار قبل أن تكون مع الفرقاء في الشمال، كما أن المعارضين رفضوا طريقة تسيير المرحلة الانتقالية انطلاقا من تحديد المدة ومسودة الدستور وطريقة الاستفتاء عليه ثم كيفية تنفيذ اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة قبل أن تتعقد أكثر بإنهاء مهام قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة".

نشبت الأزمة عقب استقبال استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، الإمام المالي محمود ديكو، رجل الدين صاحب النفوذ الكبير في مالي

وتعد القوة الأممية هي الراعي الرسمي لاتفاق السلام والمصالحة الذي تم التوقيع عليه عام 2015 في العاصمة المالية بين الحركات المتمردة في إقليم أزواد شمالي البلاد، والحكومة المركزية في باماكو بوساطة جزائرية، ومن بين ما ورد في الاتفاق إجراء انتخابات بين شهري فبراير/شباط 2024 ولكن بعد انسحاب البعثة.

وحول تقييمه لتطور الأزمة والسيناريوهات المرتقبة، يعلق مبروك كاهي قائلا: "أي أزمة ستنتهي بحل، والعمل يجب أن يكون حاليا من أجل التخفيف من التكلفة أو الإضرار قبل الوصول إلى الحل، وإلا فإن الحل سوف يولد مشاكل أخرى لا تختلف عن الأولى".

AFP
جندي سنغالي من بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي اثناء دورية في شوارع غاو، في 24 يوليو 2019.

وتراهن الجزائر على الاستقرار الأمني في المنطقة، لاسيما لإنجاح خطط اقتصادية تنموية، من بينها أنبوب الغاز النيجيري العابر إلى دول الساحل، والطريق التجاري العابر للصحراء الذي يربط كلا من نيجيريا وتونس والنيجر ومالي وتشاد ،بإجمالي طول 1950 كيلومترا. ويعتبر المشروع من بين أهم الممرات العابرة للقارة الأفريقية والذي يحظى باهتمام مفوضية الاتحاد الأفريقي كونه العمود الفقري للتنمية القارية.

الأزمة أعمق من مجرد لقاء

وبالنسبة للأستاذ والباحث بقسم العلوم السياسية بجامعة بسكرة الجزائرية والمهتم بالدراسات الأمنية والسياسة الخارجية، فؤاد جدو، فإن الأزمة أعمق بكثير من استقبال السلطات الجزائرية لمحمد ديكو.

ويصف في حديثه لـ"المجلة" التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة السياسية في مالي بـ"الخطيرة لا سيما مع تجدد الاشتباكات بين الجيش المالي والجماعات الإرهابية والحركات المتمردة في الشمال المالي والتي بدأت تتفاقم منذ الصيف الماضي، حيث تتهم هذه الجماعات الجيش المالي بأنه يتعاون مع مجموعة فاغنر الروسية لضرب معاقل الجماعات خاصة بعد الاعتداء الذي وقع على وحدات عسكرية للجيش المالي.

تراهن الجزائر على الاستقرار الأمني في المنطقة، لاسيما لإنجاح خطط اقتصادية تنموية، من بينها أنبوب الغاز النيجيري العابر على دول الساحل والطريق التجاري العابر للصحراء

ولا يمكن فصل الوضع الداخلي في المنطقة عن الأوضاع والتحولات التي يمر بها الساحل الأفريقي خاصة مع الترتيبات الجديدة في النيجر وبداية انسحاب فرنسا منها والتي هددت في أكثر من مرة أنها لن تترك إطلاقا المجال هكذا.

ويقول جدو إن الكل يعرف ويدرك مدى أهمية هذه المنطقة بالنسبة لفرنسا، ولذلك لا يمكن أن نعزل الأحداث في النيجر عن التحولات السياسية والأمنية في المنطقة والذي جاء مع بداية انسحاب القوات الأممية أيضا من شمال مالي وبالتالي يعد هذا الأمر دافعا أساسيا للجماعات الإرهابية من أجل تحقيق مكاسب سياسية وأمنية على حساب الوضع العام في المنطقة والعمل بالتنسيق مع المتمردين.

مخاوف جزائرية

يشكل الوضع الراهن في شمال مالي مصدر قلق كبير للجزائر، قياسا بالمخاطر والارتدادات التي يخلفها الشريط الحدودي الرابط بين البلدين، بسبب النشاط المكثف للجماعات الإرهابية في الساحل الصحراوي وهو ما أكده وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، في تصريحات صحافية مؤخرا؛ إذ وصف تلك الجماعات بـ"جيوش إرهابية" وليس مجرد ميليشيات، محذرا من التسليح النوعي والكبير للإرهابيين في منطقة الساحل، عبر التهريب الحدودي، خاصة من ليبيا، بحسب تصريحاته.

وكشف تقرير لمجلس الأمن الدولي صدر في أغسطس/آب الماضي أنه "تقريبا في أقل من عام، ضاعف تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى مناطق سيطرته في مالي"، وبحسب ما نقله المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية فإن "الوضع الأمني في مالي يتدهور بشكل ملحوظ بسبب الصراع الصامت بين المجلس العسكري وبعض الجهات السياسية المحلية، إضافة إلى سحب تعاونه مع الشركاء الأمنيين العالميين".

يشكل الوضع الراهن في شمال مالي مصدر قلق كبير للجزائر، قياسا بالمخاطر والارتدادات التي يخلفها الشريط الحدودي الرابط بين البلدين، بسبب النشاط المكثف للجماعات الإرهابية في الساحل الصحراوي

ومن بين أخطر الجماعات الإرهابية النشطة في المنطقة: جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب والتي صعدت من وتيرة هجماتها منذ أغسطس/آب الماضي، ففي سبتمبر/أيلول الماضي فقط قُتل 60 شخصا في هجومين إرهابيين، ومن بين الضحايا مدنيون وجنود، وأعلن على أثر ذلك الحداد لمدة 3 أيام متتالية.

وتترقب السلطات الجزائرية بحذر شديد، المخطط القائم لإنشاء "خط نار" حول الحدود الجزائرية يشمل دول الشرق والجنوب الغربي، وفي هذا المضمار يقول نور الصباح عكنوش، الباحث في العلوم السياسية بجامعة محمد خيضر-بسكرة الجزائرية، في حديثه لـ"المجلة" إن "هناك أطرافا تسعى للتصعيد وإنتاج بيئة حاضنة للتوتر في الصحراء الكبرى، امتدادا لخط النار من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي لتحقيق أجندة أزمات مفتوحة في المنطقة لإعادة هندسة الإقليم وهو ما تدركه الجزائر وتسعى جاهدة لتأمينه بالتنسيق مع شركائها في السلم والتنمية".

font change

مقالات ذات صلة