هل المخاوف من هجوم روسيا على السويد جدية؟

خطر اندلاع الحرب في المنطقة يرتفع

AFP
AFP
مدربون سويديون يشرفون على تدريبات جنود أوكرانيين في معسكر ستانتا في شرق انكلترا في 29 نوفمبر

هل المخاوف من هجوم روسيا على السويد جدية؟

في محاولة للتخفيف من حالة الذعر والجدل التي أثارتها دعوات مسؤولين سويديين مواطنيهم الى الاستعداد للحرب، وصف رئيس الحكومة السويدية أولاف كريستيرسون يوم الثلاثاء 16 يناير/كانون الثاني، ردود فعل المجتمع على هذه الدعوات بأنها "مبالغ فيها".

ومع تأكيده أن "الحرب ليست على أعتاب السويد"، أشار كريستيرسون إلى أنه "من الواضح أن خطر اندلاع حرب في محيطنا ارتفع بشكل ملحوظ".

ورغم أن السيناريوهات الجدية لاندلاع حرب بين روسيا والغرب لا تنطلق من ترجيح هجوم عسكري روسي مباشر على السويد، فقد أثارت تصريحات وزير الدفاع المدني كارل أوسكار بوهلين، بأن الحرب على الأبواب مخاوف السويديين من تعرض بلادهم لقصف روسي، وزاد الطلب على المعلبات والمياه والمصابيح الكهربائية العاملة بالبطاريات وأجهزة الراديو عشرات المرات.

وزاد القلق الشعبي بعد تصريحات عدد من المسؤولين في مؤتمر الدفاع الوطني السويدي السنوي في سالين وسط السويد، يوم 8 يناير/كانون الثاني، حيث انضم القائد الأعلى لقوات الدفاع ميكائيل بودين إلى وزير الدفاع المدني، ودعا مواطنيه للاستعداد داخليا للحرب، وعلى خلفية صور لبيوت مدمرة في أوكرانيا تساءل بودين: "هل تعتقدون أن هذه يمكن أن تكون السويد؟"، مؤكدا أنه لا يطرح مجرد سؤال بسيط. وخلص إلى أن "حرب روسيا ضد أوكرانيا هي مرحلة وليست هدفا نهائيا، فالهدف هو إنشاء منطقة نفوذ وتدمير النظام العالمي القائم على نظم محددة"، وشدد على أن السويديين "يجب أن يستعدوا نفسيا للحرب".

وفي الشهور الأخيرة تشير تقديرات خبراء استراتيجيين سويديين إلى أن الوضع الأمني في البلاد هو الأكثر جدية وخطورة منذ الحرب العالمية الثانية، وأن الوضع تدهور كثيرا.

ثقل وداع الحياد

مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، ارتفع مستوى المخاوف من اندلاع حرب كبرى في أوروبا مع تقديرات بأن شهية الرئيس فلاديمير بوتين قد تمتد نحو بلدان البلطيق. وسادت قناعة لدى النخب السياسية الحاكمة في السويد وفنلندا على وجه الخصوص بضرورة مغادرة وضعية الحياد، ودعم هذا التوجه تحليلات وتقديرات خبراء في البلدين والغرب عموما، وحدث التحول الكبير بعد نحو شهرين من الحرب في أوكرانيا مع ارتفاع نسبة الدعم الشعبي للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتقدمت فنلندا والسويد بطلبين للانضمام إلى الحلف، وزاد البلدان الاسكندنافيان من التنسيق الدفاعي فيما بينهما، وكذلك مع مجموعة الشمال والاتحاد الأوروبي.

ينطلق صناع القرار الأمني والسياسي في السويد من أن انتصار روسيا أو عدم إلحاق هزيمة بها في حربها ضد أوكرانيا يعني استمرار تهديد الكرملين لجيرانه ومن ضمنهم السويد

وفي حين استطاعت فنلندا تجاوز الاعتراضات التركية والمجرية وانضمت إلى "الناتو" العام الماضي، وودعت أكثر من سبعة عقود من الحياد، ما زالت السويد تنتظر موافقة أنقرة وبودابست على انضمامها لـلحلف والتمتع بميزات البند الخامس للدفاع عن الأعضاء، مفضلة إياه عن حياد أبعدها منذ حكم الملك كارل الرابع عشر عن كل الحروب في أوروبا منذ حرب نابليون 1812، مرورا بالحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الباردة. 
وفي الحالة السويدية ثمة إجماع  على أن البلاد تمر بأخطر وضع سياسي - أمني منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأن الأوضاع الأمنية عام 2023 تدهورت، وأصبحت عوامل عدم اليقين أكبر بعدما أظهرت روسيا استعدادا لتحمل أي ثمن لتحقيق هدفها الأساسي بالسيطرة على الأجزاء الجنوبية الشرقية من أوكرانيا. 
وزاد القلق السويدي على خلفية الأوضاع الميدانية على خطوط القتال بين روسيا وأوكرانيا، وفشل الهجوم الأوكراني المضاد، والجمود النسبي للحرب، ودخولها في حرب استنزاف يبدو أن الغلبة فيها لروسيا عسكريا بعد زيادة صناعاتها العسكرية لتغطية النقص في الجبهات، مقابل شح في الدعم العسكري الغربي في الشهور الأخيرة، وعدم القدرة على تأمين غطاء جوي يكسر التفوق الروسي في مجال الطائرات والصواريخ، ولا حتى تأمين أنواع الذخائر المطلوبة لاستمرار الجيش الأوكراني في التصدي للجيش الروسي، ناهيك عن إحداث أي تقدم لاستعادة الأراضي التي احتلتها روسيا. 

AP
وزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع الفنلندي أنتي هاكانن ووزيرة خارجية فنلندا إيلينا فالتونين بعد توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي في واشنطن

وكحال معظم البلدان الأوروبية، أثارت الحرب الروسية على أوكرانيا مراجعات كشفت عن عدم استعداد السويد لمواجهة عسكرية مع روسيا. ورغم صناعاتها العسكرية المتطورة نوعا ما، فإن عدد الجيش السويدي قليل جدا ويحتاج إلى مضاعفته عدة مرات وتزويده بأنواع متطورة من الأسلحة. وأظهرت المراجعات وجود ضعف في مواجهة المسيّرات وتراجع القوة البحرية، إضافة إلى عدم قدرة السويد على صد أي هجمات قد تقوم بها روسيا. ومن المفارقات أن السويد وكثيرا من البلدان الاسكندنافية بحاجة ماسة لتطوير ملاجئ لحالات الحرب والهجمات غير التقليدية بأسلحة كيماوية أو نووية. 
وفي تقاريرها الأخيرة، تتفق كل الجهات الحكومية المعنية بالوضع الأمني في السويد على أن الوضع أصبح أسوأ. وإضافة إلى القوات المسلحة وجهاز المخابرات (سابو)، فإن كلا من جهاز المخابرات والمعلومات العسكرية، وقوى الدفاع المدني، وكذلك المستوى السياسي، تقدر أن هناك تدهورا كبيرا في الوضع الأمني منذ الحرب الروسية على أوكرانيا، تؤججه مماطلة تركيا والمجر في التصديق على طلب السويد بالانضمام لحلف "الناتو". 
وينطلق صناع القرار الأمني والسياسي في السويد من أن انتصار روسيا أو عدم إلحاق هزيمة بها في حربها ضد أوكرانيا يعني استمرار تهديد الكرملين لجيرانه ومن ضمنهم السويد، رغم عدم وجود تهديد جدي على المدى المنظور، ناهيك عن أن القوات البرية الروسية تضررت كثيرا نتيجة الحرب، وتحتاج روسيا إلى أكثر من خمس سنوات على أقل تقدير لإعادة ترميم هذه القوات لتصبح قادرة في حال وجود نية سياسية لشن هجوم على بلدان البلطيق. 

الاعتماد على الذات

تزامنا مع أعمال مؤتمر الدفاع السنوي في السويد تجددت الدعوات لإعادة النظر في آليات تنفيذ التوجهات الخاصة بزيادة قدرات الجيش السويدي ووتيرة إعادة تسليحه، وضرورة إعطاء هذه المهمة أولوية قصوى من قبل الحكومة والبرلمان، والوصول إلى هدف تخصيص 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع، حيث من المفترض أن يتم ذلك في العام المقبل 2025، لكن بعض الخبراء والمحللين يحذرون من أن آليات التنفيذ وطريقة الحسابات قد تؤخر الوصول لهذا الهدف عمليا حتى عام 2028.

رغم توقيعها اتفاقا أمنيا مع الولايات المتحدة بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي، تتكرر النداءات في السويد من أجل الاعتماد على الذات في ضمان أمنها وإنجاز المهمات الدفاعية في أسرع وقت

ومعلوم أن لجنة الدفاع السويدية، اقترحت، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، نسخة أولية لخطة الدفاع للفترة الممتدة بين 2025-2030 تضمنت عملية إعادة تسليح مبكرة للجيش السويدي، ومن المفترض أن تصدر اللجنة تقريرها النهائي يوم 26 أبريل/نيسان 2024. لكن خبراء ومحللين سويديين يؤكدون أن عملية إعادة التسلح السويدية لا تسير بالسرعة التي وعد بها السياسيون.
وأقر القائد الأعلى للجيش السويدي ميكائيل بيدين، بداية الشهر الحالي أن الدفاع السويدي لا يستطيع أن يرقى إلى مستوى الأهداف التي حددها البرلمان والحكومة لأن الاستعداد بطيء. واقترح بيدين تأجيل هدف بناء أربعة ألوية عسكرية إلى عام 2035، إذا لم يتم اتخاذ قرارات جديدة بشأن زيادة التمويل من البرلمان. وفي حال أرادت الحكومة حل مشكلة التمويل لتحديث الجيش وإعادة تسليحه يرجح خبراء أن تضطر إلى تأجيل إصلاحات اقتصادية واجتماعية أخرى، أو أن تلجأ إلى الاقتراض. 

AP
مدفع أوكراني من طراز "قيصر" فرنسي الصنع يطلق قذيفة في اتجاه موقع روسي قرب أفديفكا في 26 ديسمبر

ورغم توقيعها اتفاقا أمنيا مع الولايات المتحدة بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي، تتكرر النداءات في السويد من أجل الاعتماد على الذات في ضمان أمنها وإنجاز المهمات الدفاعية في أسرع وقت. وإضافة إلى تأجيل هنغاريا وتركيا عملية المصادقة على انضمامها لـ"الناتو"، والتهديد الذي تمثله روسيا مستقبلا، والحرب المستمرة في أوكرانيا، واحتدام الصراع على ثروات القطب الشمالي والهيمنة على بحر البلطيق، يثير احتمال عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض مخاوف على الأمن الأوروبي وتزداد الدعوات للتركيز على قضايا الأمن والدفاع على المستوى الوطني والتجمعات الإقليمية وبشكل أوسع في الاتحاد الأوروبي وعدم المراهنة بشكل كامل على "الناتو" نظرا لعدم اليقين بشأن مخططات ترمب. 

هل تفعلها روسيا

في ردها على دعوات كبار المسؤولين الأمنيين السويديين الى الاستعداد للحرب، نفت السفارة الروسية في استوكهولم وجود أي نية لدى روسيا بشن حرب على السويد، وسخرت من بعض السياسيين "القلقين والمصابين بالهستيريا". وقالت في بيان على وسائل التواصل الاجتماعي يوم 10 يناير/كانون الثاني: "ننصح أولئك الذين يحرضون على المزاج العسكري والتهديد الروسي الوهمي، بإشباع إدمانهم المرضي للأدرينالين بطرق أقل تكلفة وأكثر سلمية". وزادت: "تعتقد السفارة أن السويد، بدلا من إثارة المشاعر العسكرية، يجب أن تعمل على تحسين الرعاية الطبية والتعليم، ومكافحة التضخم والبطالة، والعمل على توحيد المجتمع وتحسين الأمن في البلاد، ليس نكاية في موسكو، ولكن لأن السويديين العاديين يحتاجون إلى ذلك".

منذ إعلان فنلندا والسويد رغبتهما في الانضمام إلى حلف "الناتو"، بدا واضحا أن الرد الروسي يعتمد على كيفية تصرف الدولتين الجديدتين من ناحية إبراز العداء لروسيا كما هو حال دول البلطيق وبولندا

وعززت التقارير الإعلامية الأخيرة حول وجود مخططات روسية لاجتياح دول البلطيق بعد حسم الأوضاع في أوكرانيا، عززت المخاوف التي أثارتها تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين يوم 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي حول إعادة تشكيل منطقة عسكرية خاصة بمنطقة سانت بطرسبورغ مرة ثانية، بعد فصلها عن المنطقة التي كانت تجمعها مع منطقة موسكو منذ عام 2010، وإشارته إلى أنه "كانت لدينا (روسيا) علاقات ودية مع فنلندا، ومتطورة كثيرا على المستوى الاقتصادي... لم تكن هناك مشاكل، لكنها ظهرت الآن، لأننا شكلنا منطقة سانت بطرسبورغ العسكرية، وننقل بعض الوحدات العسكرية إلى هناك".

Reuters
متطوعون انضموا إلى قوات "أحمد" الشيشانية ينتظرون في مطار غروزني نقلهم للمشاركة في القتال في أوكرانيا في 17 يناير

ومن المستبعد أن تذهب روسيا إلى خيار الحرب مع جارتيها الاسكندنافيتين رغم أن انضمام فنلندا إلى "الناتو"، وانضمام السويد المنتظر، يعدان أخطر نتيجة عسكرية غير مباشرة للحرب على أوكرانيا، ومع ذلك فقد ارتفعت حدة التصريحات، ومن أخطرها في الآونة الأخيرة ما صرج به المبعوث الروسي الدائم لدى منظمات الأمم المتحدة في فيينا ميخائيل أوليانوف الذي أشار إلى أن الفنلنديين سيدفعون ثمنا كبيرا إذا حصلت مواجهة بين روسيا وحلف "الناتو"؛ وقال في حوار مع وكالة "نوفوستي" يوم 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، إنه لا يفهم سبب انضمام فنلندا إلى حلف "الناتو". وأضاف: "لقد عاشوا حياة هادئة وسلمية، وفجأة وجدوا أنفسهم عالقين بين روسيا وحلف شمال الأطلسي كعضو في الحلف. لكنهم جيراننا، وإذا حدث- لا سمح الله- أي نوع من التصعيد، فسيكونون أول المتضررين".
ومنذ إعلان فنلندا والسويد رغبتهما في الانضمام إلى حلف "الناتو"، بدا واضحا من تصريحات المسؤولين الروس أن الرد الروسي يعتمد أساسا على عدة قضايا، أهمها: كيفية تصرف الدولتين الجديدتين من ناحية إبراز العداء لروسيا كما هو حال دول البلطيق وبولندا، أو المحافظة على مساحة للحوار والتنسيق كحال المجر على سبيل المثال، أو النرويج وفرنسا وألمانيا قبل الحرب. 
إضافة إلى أن الرد سيناسب توسيع البنى التحتية لـ"الناتو" واستضافة قواعد أو صواريخ اعتراضية في هاتين الدولتين. 
ومن المؤكد أن انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف رفع مستوى التهديدات العسكرية في منطقتي بحر البلطيق والقطب الشمالي إلى درجة كبيرة، ولكن الأرجح أن روسيا لن تقدم- طوال السنوات الست المقبلة- على حرب ضد بلد في حلف شمال الأطلسي إلا في حال الضرورة القصوى، كإحكام الحصار على جيب كاليننغراد. والأرجح أن الهدف سيكون ضد إحدى دول البلطيق السوفياتية السابقة (ليتوانيا- ولاتفيا- وأستونيا). ومن غير المستبعد على المديين المتوسط والبعيد أن يفتح الصراع على ثروات القطب الشمالي من الطاقة والمعادن النادرة، إضافة إلى ممرات العبور، يفتح صراعا واسعا بين روسيا وحلفائها ومن أهمهم الصين، وحلف "الناتو" بقيادة الولايات المتحدة.

انضمام السويد وفنلندا إلى "الناتو" يمثل نتيجة معاكسة للتصورات الروسية للأمن في القارة الأوروبية

وأخيرا، يجب الإشارة إلى أن انضمام السويد وفنلندا إلى "الناتو" يمثل نتيجة معاكسة للتصورات الروسية للأمن في القارة الأوروبية، فقد تضمنت رسالة الضمانات التي قدمتها الخارجية الروسية إلى الولايات المتحدة و"الناتو" منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021 بندا حول ضرورة عودة البنى التحتية لـ"الناتو" إلى حدود عام 1997. ولكن ما سبق لا يعني أن روسيا قادرة أو راغبة في الوقت الحالي على خوض حرب ضد أي من البلدين، وبعيدا عن نتائج الحرب في أوكرانيا فإن الأخيرة تمثل قضية وجودية لروسيا التي توجد قناعة بأنها إمبراطورية مع أوكرانيا، ومجرد قوة إقليمية عظمى من دونها.

font change

مقالات ذات صلة