هجمات "الكردستاني" ضدّ الجيش التركي... قضية "انتخابية"

يستخدم أردوغان مكافحة الإرهاب لتعزيز دعم أنصاره

AFP
AFP
جندي تركي خلال المشاركة في عملية عسكرية ضدّ "العمال الكردستاني" في ريف أرزينجان شرقي تركيا في 6 يوليو 2023

هجمات "الكردستاني" ضدّ الجيش التركي... قضية "انتخابية"

كانت مراسم الجنازة الرسمية لتسعة جنود أتراك قتلوا في هجوم شنه حزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيا، شمالي العراق، مفجعة للأمة.

واستهدف الهجوم قاعدة تركية قريبة من منطقة ميتينا، بالقرب من الحدود التركية العراقية، في التضاريس الجبلية المكسوة بالثلوج شمالي العراق. وكان الجيش التركي قد أنشأ عدة قواعد هناك لمنع– أو على الأقل تثبيط– توغل حزب العمال الكردستاني في تركيا.

ويعد هذا الهجوم واحدا من كثير من الهجمات التي وقعت في الأشهر الأخيرة، حيث وقع الهجوم السابق في ديسمبر/كانون الأول الماضي وأسفر عن مقتل 12 جنديا آخرين.

صور الجنود الأتراك التسعة الذين قتلوا في الهجوم على قاعدة الجيش التركي شمالي العراق، كما نشرتها وزارة الدفاع التركية

ومن غير المعتاد أن ينفذ المسلحون هجمات بهذا الحجم خلال أشهر الشتاء. إلا أن الحكومة التركية تعزو هذه التحركات غير العادية والجريئة إلى عوامل خارجية تستخدم المجموعة كمقاولين ثانويين.

وبالتوازي مع سلسلة من الضربات الجوية الانتقامية ضد مواقع "وحدات حماية الشعب/حزب العمال الكردستاني"، شمالي سوريا وشمالي العراق، اجتمع مجلس الوزراء الأمني المصغر برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان. وشدد المجلس في بيان مكتوب على أن تركيا لن تسمح أبدا بإقامة "دولة إرهابية" بجوار حدودها، وأنها- وفي إطار حق الدفاع عن النفس- ستحارب الإرهاب بغض النظر عن هوية الجهة التي تقف وراءه.

أرجعت المعارضة ما تسميه إخفاقات الحكومة إلى السياسات الخارجية السيئة وسوء الإدارة، فضلا عن أوجه القصور والفشل في الجوانب العسكرية

"اتهامات" لأميركا وإسرائيل

تتجه دلالات التدخل الأجنبي المباشر أو غير المباشر نحو الولايات المتحدة وإسرائيل؛ فتركيا على خلاف مع الولايات المتحدة التي تقوم بتدريب وتسليح "وحدات حماية الشعب"، التي تعتبرها تركيا امتدادا لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا. كما أن التعاون بين الولايات المتحدة و"وحدات حماية الشعب" في سياق محاربة "داعش" مستمر منذ ما يقرب من ثماني سنوات.
وفيما يتعلق بالحرب في غزة، اتخذت تركيا موقفا متشددا للغاية ضد إسرائيل. وأعلن أردوغان على نطاق واسع أن بلاده قدمت وثائق إلى محكمة العدل الدولية، ادعى أنها ستستخدم كدليل للمساعدة في إدانة إسرائيل أمام المحكمة.
وفي المقابل، وجه مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى كلمات قاسية لتركيا، مشيرين أيضا إلى تعاملها مع الأكراد.
واحتراما للجنود الذين فقدوا أرواحهم خلال الهجوم، قامت جميع الأحزاب السياسية التركية بتأجيل أنشطتها وتجمعاتها المتعلقة بالانتخابات خلال عطلة نهاية الأسبوع.
ولكن رغم هذه اللفتة، أصبحت القضية جزءا من السياسة الداخلية، المثقلة كالعادة بقضايا متنوعة، وأهمها في الوقت الحالي: الاقتصاد، والخلاف بين المحكمة الدستورية ومحكمة الاستئناف العليا، ركيزتي النظام القضائي التركي، إضافة إلى الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في شهر مارس/آذار المقبل.
أما حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب المعارضة الرئيس، فقد أدان الهجوم، لكنه أصدر أيضا وابلا من الانتقادات ضد أردوغان وحكومته لفشلهما في منعه.

AFP
مقاتلون من "العمال الكردستاني" (PKK) خلال مناورة تدريبية في 20 يونيو 2007 بمنطقة أميديا شمال العراق

وأرجعت المعارضة ما تسميه إخفاقات الحكومة إلى السياسات الخارجية السيئة وسوء الإدارة، فضلا عن أوجه القصور والفشل في الجوانب العسكرية. وشككت المعارضة في أهداف إنشاء قواعد خارج الحدود وما إذا كانت هذه القواعد كافية لحماية من بداخلها.
وبعد فوزه في الانتخابات العامة في مايو/أيار الماضي، وضع الرئيس أردوغان نصب عينيه الانتخابات المحلية.
وكانت إحدى النكسات الكبرى في مسيرته السياسية الطويلة هي خسارة إسطنبول أمام المعارضة في الانتخابات المحلية عام 2019. إذ شكل هذا الموضوع صدمة سياسية له ولحزبه. ولا يهدف أردوغان الآن إلى استعادة إسطنبول فقط، ولكنه يهدف أيضا إلى استعادة أنقرة وأنطاليا وأضنة وغيرها من المدن التي خسرها أمام المعارضة.

من المرجح أن يظل ما يسمى "حزب المساواة وديمقراطية الشعوب" المؤيد للأكراد، هدفا رئيسا لأردوغان في سياسات الانتخابات المحلية

ويستخدم أردوغان مكافحة الإرهاب والمشاعر الوطنية لتعزيز دعم أنصاره، تماما كما يفعل في كثير من الأمور الأخرى. وها هو يتهم المعارضة مرة أخرى بتهاونها وحتى تعاونها مع الإرهابيين وتنظيماتهم، بشكل مباشر أو غير مباشر.
وفي هذا الصدد، من المرجح أن يظل ما يسمى "حزب المساواة وديمقراطية الشعوب" المؤيد للأكراد، والذي يملك القدرة على ترجيح كفة الميزان بأكثر من 4.5 مليون صوت ويتواصل مع حزب المعارضة الرئيس (حزب الشعب الجمهوري) بشأن التعاون المحتمل في الانتخابات، هدفا رئيسا لأردوغان في سياسات الانتخابات المحلية.
وكانت إحدى نتائج هذا الهجوم على السياسة الداخلية هي إجراء أردوغان، للمرة الأولى منذ وقت طويل، اتصالات مع ميرال أكشينار، زعيمة "الحزب الجيد القومي"، والتي وحدت جهودها مع حزب المعارضة الرئيس خلال الانتخابات الوطنية الأخيرة.
ويمكن أن يكون هذا الاتصال خطوة أولى في إعادة "الحزب الجيد" إلى ائتلاف أردوغان للأحزاب القومية المحافظة، وسوف تستمر خيارات السياسة الخارجية والأمنية لتركيا في ترك بصماتها على علاقاتها الخارجية وكذلك على سياساتها الداخلية.

font change

مقالات ذات صلة