"لاءات ثلاث" تمنع وقف حرب غزة

نداءات المنظمات الإنسانية ستبقى دون استجابة

"لاءات ثلاث" تمنع وقف حرب غزة

على الرغم من فداحة الخسارة الاسرائيلية بمقتل 24 من جنود جيش الاحتلال في غزة، إلا أن الحدث لن يشكل نقطة تحول في مسار الحرب. قد تظهر تغيرات ميدانية وتكتيكية في القتال، بيد ان هذه الخسارة لن تدفع حكومة بنيامين نتنياهو الى التخلي عن تمسكها باجتياح القطاع وتكثيف العمليات العسكرية.

تماما مثلما لن يحدث ضغط عائلات المحتجزين الاسرائيليين بين أيدي "حماس" وغيرها من الفصائل تبدلا عميقا، لا في الرأي العام الاسرائيلي الذي لم يخرج من صدمة السابع من أكتوبر/ تشرين الاول بعد ولا في مجلس الحرب المصغر الذي يستخدم قضية الاسرى لتحقيق أهداف سياسية، بغض النظر عن كل الفيديوهات التي تصدرها الفصائل في سعيها الى رفع مستوى التوتر بين أهل يخشون فقدان ابنائهم واحبتهم نهائيا وبين مجموعة من السياسيين الذين يقودون الاهل تدريجيا الى القبول أن عودة الأسرى او القسم الاكبر منهم، لن تحصل والتسليم بقدرهم هذا.

ذلك ان "لاءات ثلاث" ترسم خريطة الطريق التي تسير الحرب هذه عليها:

- الاولى: لا نهاية منظورة للحرب ما لم يضمن نتنياهو مستقبله السياسي والشخصي بعدها. التحقيق الحتمي بالفشل العسكري والاستخباري وحالة الانهيار التي شهدتها المؤسسات الاسرائيلية يوم شنت "حماس" هجومها، لن ينتهي لمصلحة رئيس الوزراء وقسم كبير من المسؤولين السياسيين والعسكريين الحاليين. إطالة زمن الحرب والرهان على متغير ما، كانفجار جبهات جديدة في لبنان على سبيل المثال، بما يبعد كأس التحقيق المرّ ويدفع بفكرة الانتخابات المبكرة التي تنادي بها المعارضة الاسرائيلية الى مستقبل بعيد، هي الخيار المتاح والمفضل حاليا لمجموعة المتطرفين القوميين والدينيين الممسكين بزمام الحكم في اسرائيل.

إطالة زمن الحرب والرهان على متغير ما يبعد كأس التحقيق المرّ ويدفع بفكرة الانتخابات المبكرة التي تنادي بها المعارضة الاسرائيلية الى مستقبل بعيد، هي الخيار المتاح والمفضل حاليا لمجموعة المتطرفين القوميين والدينيين الممسكين بزمام الحكم في اسرائيل

-    الثانية، لا قبول من "حماس" بانهاء ملف الأسرى في المدى القريب ولا بوقف قريب لاطلاق النار من دون افق سياسي. لقد اعلنت اسرائيل ان مسؤولي الحركة "رجال اموات يسيرون" وبدأت بتصفيتهم باغتيال صالح العاروري في بيروت ما زاد من قيمة الاسرى الباقين في قطاع غزة وصارت حيواتهم مرتبطة بحيوات قادة "حماس" التي فشلت في ادارة حالة الحرب بالنسبة للمدنيين الفلسطينيين من خلال انقطاع الامدادات وانهيار النظام الصحي وتفشي الجوع والامراض. 
وباستثناء بعض المحطات التلفزيونية و"صناع المحتوى" على السوشال ميديا، لا يبدو ان القاعدة الشعبية في القطاع، تؤيد استمرار الحرب بكل ما تجره من دمار على المجتمع الفلسطيني وتحمل من مآس لا تحتمل، الكثير منها لم يخرج الى العلن بعد. عليه، لا تبدو على "حماس" التي يقال انها خسرت ما يتراوح بين 30 و60 في المئة من قوتها المقاتلة، الرغبة في بدء هدنة او عملية تبادل واسعة النطاق للاسرى، بعد الاسلوب غير المحترف الذي جرى فيه الافراج عن الاسرى الاسرائيليين اثناء الهدنة في نوفمبر/ تشرين الثاني حيث لم يُطلق سراح سوى اسرى فلسطينيين بعضهم لم يمض اكثر من اسبوع في السجون الاسرائيلية، مقابل مئة من المحتجزين الاسرائيليين. يضاف الى ذلك، أن "حماس" لا تريد ان تعود بعد كل ما جرى، فصيلا يستجدي شرعيته من منظمة التحرير الفلسطينية او من السلطة في رام الله. بل انها تنظر الى نفسها انها استحقت شرعيتها في الميدان. 

-    الثالثة: لا حل تفرضه الضغوط السياسية الدولية حاليا. غني عن البيان ان احوال الوسطاء والوسائل التي يملكون وشبكات علاقاتهم، لا تؤهلهم لفرض نهايات للموقف الحالي او مخارج منه. وان من يستطيع ذلك (الولايات المتحدة حصرا) لا يريده لأسباب معروفة. يضاف الى ذلك ان الفراغ في قمرة القيادة الدولية والعطالة في القدرة على ابتكار حلول وتسويات، اصبحا ظاهرة تهدد السلام في العالم كله وليس في منطقتنا فحسب.
إذا اخذنا الكيفية التي تصرف بها "الحلفاء الغربيون" في اليمن والبحر الاحمر كعينة على العقل الذي يدير الشأن الدولي، سنجد اننا امام حالة من الجفاف الشديد والقحط الكامل في الخيال. فبدلا من منع استغلال الحرب في غزة لتعزيز اوراق ايران التفاوضية سواء من خلال مبادرة كبيرة حيال اليمن تشمل الحوثيين، ذهب جو بايدن وانصاره الى الاسلوب المتبع منذ نهاية الحرب الباردة: القصف من الجو والبحر لاهداف لا قيمة لها في هجمات تساعد على حشد التأييد المحلي للاطراف التي تتعرض لهجوم من قوى "الاستعمار والاستكبار" العالمية. لم يكلف الاميركيون والحلفاء انفسهم عناء التفكير في ما يمكن ان يقدموه لفك الارتباط بين الحرب في غزة والاستغلال الايراني لها، سواء في اليمن او العراق او غيرهما... 
هذه ثلاثة اسباب تحول دون وقف المجزرة الدائرة في غزة اليوم. نداءات المنظمات الانسانية لمنع حصول مجاعة بين المدنيين المحاصرين او موتهم بأمراض مزمنة سهلة العلاج (في الظروف العادية)، او إعادة الاسرى الاسرائيليين المدنيين الى عائلاتهم، ستبقى دون استجابة.

font change