ليس لدى مصر ما تحتفل به في ذكرى "ثورة يناير"

استغلها إسلاميون لتسوية حساباتهم القديمة مع الدولة

Majalla
Majalla

ليس لدى مصر ما تحتفل به في ذكرى "ثورة يناير"

في مساء يوم 5 مارس/آذار 2011، اقتحم آلاف المتظاهرين الغاضبين في مصر مقر جهاز أمن الدولة (المخابرات الداخلية)، الذي كان في وقت من الأوقات يثير الذعر بين الناس، في مدينة نصر، وهي منطقة شاسعة في شرق القاهرة.

اقتحم المتظاهرون المنشأة وصادروا ما يعتقد أنه آلاف الملفات والوثائق من مكاتب المبنى المختلفة، بما في ذلك تسجيلات الفيديو والكاسيت. وكان ذلك الحدث فاتحة لمصادرة واسعة النطاق للوثائق والملفات من مكاتب أمن الدولة في جميع أنحاء مصر من قبل المتظاهرين.

وكان من بين العناصر المحورية التي تقف وراء هذ العمليات الأعضاء الأصغر سنا في جماعة "الإخوان المسلمين"، وهي منظمة أُسست عام 1928، وشهدت صعودها السياسي الذي طال انتظاره عام 2011، في أعقاب انهيار نظام حسني مبارك، وقبل شهر واحد فقط من استهداف مبنى أمن الدولة بمدينة نصر.

وخارج المنشأة، حاول قاض مخضرم ثني الحشد الهائج. وجلس على قمة دبابة "أبرامز- M1A1" تابعة للجيش المصري، وخاطب المتظاهرين قائلا: "إن نهب هذا المبنى لن يحقق شيئا"، ولكن المتظاهرين رفضوا الإصغاء له، وهتف به أحد المتظاهرين الغاضبين: "أتريدنا أن نعود إلى المنزل؟ لا، لن نفعل ذلك".

وفي نهاية المطاف، تراجع القاضي، وهو الوجه المألوف للمتظاهرين لأنه قضى أغلب أيام المظاهرات المناهضة لحسني مبارك والتي استمرت 18 يوما في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، في ميدان التحرير، مثل آلاف المصريين الآخرين. ونتيجة لذلك، انسحب المتظاهرون غير الإسلاميين أيضا، تاركين وراءهم أتباع الحركات الإسلامية في البلاد، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، خارج مبنى أمن الدولة وداخله.

قبل 37 يوما تقريبا من ذلك الحدث، كان آلاف السجناء الإسلاميين قد هربوا من زنازينهم في جميع أنحاء مصر، بما في ذلك محمد مرسي، أحد كبار قادة الإخوان المسلمين الذي سيفوز بالانتخابات الرئاسية في مصر، بعد عام ونصف تقريبا.

وكانت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، التي أنهت حكم حسني مبارك لمصر الذي دام ثلاثة عقود، كانت قد فتحت الباب أمام التمكين السياسي للإسلاميين في البلاد، وخاصة جماعة "الإخوان المسلمين"، بعد عقود من قمع الدولة.

اضطرابات مكلفة

وكانت الثورة، التي بدأت كحركة سلمية شارك فيها عشرات الآلاف من صغار المصريين غير السياسيين ضد نظام مبارك، بمثابة فرصة أيضا للإسلاميين لتسوية حساباتهم القديمة مع سلطات الدولة، وخاصة الشرطة. ولا ننسَ أن الاحتجاجات المناهضة لمبارك بدأت في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني، وهو يوم الشرطة في مصر، في رسالة واضحة لرفض ممارسات رجال الشرطة في البلاد.

ومع ذلك، فإن أعمال العنف والاضطرابات التي رافقت الاحتجاجات وسقوط مبارك كانت لها عواقب وخيمة على مصر والمنطقة.

كان تأثير مصر واضحا منتصف 2014، عندما تحرك المصريون، بدعم من الجيش، لإسقاط الإسلاميين، حيث ترك زوال المشروع الإسلامي في مصر آثاره على المشاريع المشابهة التي انهارت في شمال أفريقيا

بينما تمر الذكرى الثالثة عشرة لثورتها، لا تجد مصر في واقع الحال ما تحتفل من أجله. ولا تزال البلاد، وهي أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، تعاني من التداعيات السياسية والاقتصادية والأمنية العميقة لهذا الحدث الهائل.
أدت المرحلة الأولى من الانتفاضة، التي اتسمت بالاحتجاجات المناهضة لمبارك والهجمات على مرافق الدولة والشرطة، إلى تفكك جهاز الأمن في البلاد وتفتيت قوات الشرطة. وكان لهذا الانهيار عواقب كارثية على الاقتصاد المصري، حيث توقف الإنتاج الصناعي في جميع أنحاء البلاد، وابتعد السياح، وتسبب الحراك في توقف الاستثمار الأجنبي بشكل مفاجئ. وتقدر السلطات أن هذه الأحداث كلفت الاقتصاد الوطني مئات المليارات من الدولارات، بما في ذلك ضياع فرص اقتصادية محتملة كبيرة.
وأدى انهيار البنية التحتية الأمنية إلى انتشار مخيف للجماعات الإرهابية، لا سيما في سيناء، وانضمت إحدى المجموعات في هذه المنطقة إلى تنظيم "داعش" عام 2014. وقد استغرق الأمر جهودا مشتركة للجيش والشرطة المصرية، وعقدا كاملا من النضال، وخسارة الآلاف من الأرواح، ومليارات الدولارات من الدولة للقضاء على هذه المجموعة.

AFP
مظاهرة في ميدان التحرير في القاهرة في 11 إبريل 2011

وكانت النتيجة الأكثر أهمية لسقوط حسني مبارك هي صعود الإسلاميين إلى السلطة في مصر. وبرزت جماعة "الإخوان المسلمين"، وهي الجماعة التي كانت تعرضت للقمع لفترة طويلة خلال حكم مبارك الذي دام 30 عاما، إلى الواجهة. وفي عام 2012، حصلوا على الأغلبية في البرلمان المصري، وبعد فترة وجيزة، فاز مرشحهم مرسي بالانتخابات الرئاسية. وكانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يحكم فيها الإسلاميون و"الإخوان" مصر.
وكان ذلك التحول السياسي في مصر سببا في استقطاب مجتمعي عميق أثار مخاوف بشأن التطرف المحتمل. وأشار المراقبون إلى أن صعود جماعة الإخوان المسلمين يفرض خطر قلب الديناميكيات السياسية الإقليمية رأسا على عقب. 
ويرى جمال سلامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة السويس، في حوار مع "المجلة" أن "الإسلاميين حصلوا على تأييد شعبي بشعاراتهم، إلا أن فشلهم في تطبيق هذه الشعارات في الحكم أدى إلى سقوطهم السريع". 
وكان لسيطرة الإسلاميين على السلطة في مصر صدى في شمال أفريقيا وخلق الخوف في أجزاء أخرى من العالم العربي. فقد تشكلت حكومات بقيادة إسلاميين في ليبيا وتونس والمغرب، مما يثبت الطبيعة المعدية لكل ما يحدث في مصر.

عدم وجود البدائل

وكان تأثير مصر واضحا أيضا في منتصف عام 2014، عندما تحرك المصريون، بدعم من الجيش، لإسقاط الإسلاميين، حيث ترك زوال المشروع الإسلامي في مصر آثاره على المشاريع المشابهة التي انهارت في دول شمال أفريقيا المذكورة مثل بيت من ورق.

بعد إخراجها من السلطة، سعت جماعة "الإخوان المسلمين" وغيرها من الحركات الإسلامية المتحالفة معها إلى الانتقام

كان انهيار المشروع الإسلامي في مصر منتصف عام 2013 مكلفا بالنسبة لمصر، تماما كما كان سقوط نظام حسني مبارك في أوائل عام 2011. فبعد إخراجها من السلطة، سعت جماعة "الإخوان المسلمين" وغيرها من الحركات الإسلامية المتحالفة معها إلى الانتقام، الأمر الذي أدى إلى موجة جديدة من العنف والاضطرابات، وهي موجة وقع ضحيتها عدد كبير من الناس، بما في ذلك رجال الشرطة وأفراد الجيش.

AFP
متظاهرون أمام دبابة للجيش في ميدان التحرير

وقد سلطت هذه الاضطرابات الضوء على قضية أساسية في المشهد السياسي المصري، وهي الصراع على السلطة بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية. لقد كان هذان الفصيلان، تاريخيا، ولا يزالان، القوتين المسيطرتين على السياسة المصرية. ويشكل التنافس بينهما حاضر الأمة ومستقبلها، ولكنه غالبا ما يؤدي- لسوء الحظ- إلى استبعاد البدائل العلمانية أو المدنية القابلة للحياة، وفقا للمحللين.
ويرى إيهاب منصور، العضو البارز في الحزب الديمقراطي الاجتماعي المصري الليبرالي، في تصريح لـ"المجلة" أنه "على الرغم من الجهود الجادة، فإن الأحزاب السياسية المصرية تواجه تحديات هائلة، بما في ذلك معارضة سلطات الدولة ووسائل الإعلام"، مشددا على الحاجة الملحة لتحسين الظروف السياسية لتعزيز البديل المدني.
بدأت رحلة القوى السياسية في مصر منذ أوائل القرن العشرين. وفي وقت الإطاحة بمبارك، كان هناك كثير من الأحزاب السياسية التي تعمل تحت قيود مشددة. هذا العدد تضاعف بعد الثورة، حيث تجاوز الآن مئة حزب. ومع ذلك، تفتقر هذه الأحزاب إلى الحضور في الشارع والجاذبية، مما يعيق نجاحها الانتخابي بشكل كبير.
يعزو قادة الأحزاب السياسية عدم قدرتهم على تنظيم الحملات الانتخابية بفعالية وبناء قاعدة شعبية إلى العقبات التي خلقتها السلطات. ويؤدي هذا الضعف في بنية الأحزاب السياسية إلى إدامة التهديد الذي يلوح في الأفق المتمثل في عودة الإسلاميين، وخاصة جماعة "الإخوان المسلمين".
وعلى الرغم من الجهود المكثفة التي تبذلها السلطات المصرية لتحييد الإسلاميين، بما في ذلك سجن بعض القادة ودفع آخرين إلى المنفى، فضلا عن مكافحة الآيديولوجيات المتطرفة فكريا، فإن شبح إحياء جماعة الإخوان المسلمين يظل مصدر قلق بالغ.
وإذا كان ثمة ما يدل عليه ذلك الحال، فهو أن كل التغيرات السياسية التي حدثت في مصر خلال الـ13 عاما الماضية، منذ سقوط نظام مبارك، لم تنجح في إحداث فارق يذكر في المعادلة السياسية للبلاد وطبيعة الصراع السياسي.

والواقع أن هذا الوضع يوضح أن التحولات السياسية العديدة التي شهدتها مصر على مدى الأعوام الثلاثة عشر الماضية، في أعقاب انهيار نظام مبارك، لم تخلف أي تأثير يذكر على الديناميكيات السياسية في البلاد أو طبيعة صراعاتها السياسية. ورغم مرور الوقت والتحولات المختلفة، فإن العناصر الأساسية للمعادلة السياسية في مصر تظل دون تغيير إلى حد كبير.

font change

مقالات ذات صلة