خيارات مصر لمنع "نكبة سيناء"... هل ينهار "السلام"؟

هل ستسعى القاهرة لإقامة منطقة عازلة جنوبي القطاع؟

REUTERS
REUTERS
الرئيس المصري خلال تفقده الوحدات العسكرية بالسويس في 25 أكتوبر

خيارات مصر لمنع "نكبة سيناء"... هل ينهار "السلام"؟

سبّب القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة كابوسا لمصر، يتمثل في تدفق هائل للاجئين المذعورين من منطقة منكوبة مزقتها الحرب، وجدوا في سيناء على الحدود المصرية المشتركة مع غزة ملجأهم الوحيد.

ومع قيام الجيش الإسرائيلي بإجبار مئات الآلاف من سكان غزة على الإخلاء، إلى الجزء الجنوبي، والضغط عليهم في مساحة صغيرة من الأرض، على مقربة بضعة كيلومترات من الحدود المصرية، فربما لن يتطلب الأمر سوى بضعة أيام حتى يتحول هذا الكابوس إلى حقيقة.

وتستهدف المرحلة الجديدة من العملية الإسرائيلية الجزء الجنوبي من قطاع غزة، بعد أن حولت معظم الأجزاء الشمالية والوسطى من القطاع الساحلي إلى أنقاض. وتتعرض الآن أجزاء من جنوب غزة لقصف الطائرات المقاتلة الإسرائيلية، مخلفة وراءها خسائر بشرية ومادية فادحة، ومؤكدة عدم وجود مكان آمن في هذا الجزء من الكيان الفلسطيني.

كما تؤدي الهجمات الجوية والبرية القاتلة التي تشنها إسرائيل لتفاقم حرمان السكان المحصورين في جنوب غزة من الغذاء والماء والوقود والمأوى. وكل ذلك يدفعهم للهروب إلى بر أمان في مصر. إلا أن مصر تحذر من هذا السيناريو، منذ بداية الحملة الإسرائيلية على غزة قبل نحو شهرين. ولكن اقتراب السيناريو نفسه من التحقق على أرض الواقع، يفتح الباب أمام التكهنات حول خيارات مصر.

حتى لو امتلك الجيش المصري القوة اللازمة لصد تدفق سكان غزة إلى سيناء، فإنه سيجد صعوبة في استخدامها للقيام بذلك

سيشكل النزوح الجماعي لسكان غزة إلى مصر عبر الحدود المشتركة بينها وبين سيناء المصرية اختبارا صعبا للجيش المصري بوجوده المحدود شمال شرقي مصر على الحدود المشتركة مع فلسطين؛ فمعاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979 لا تسمح بوجود قوات مصرية في سيناء إلا بأعداد محدودة، خاصة في الجزء الشمالي منها حيث يبلغ ذلك الوجود حده الأدنى.

AFP
ضابط شرطة على الجانب المصري من معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة في 22 نوفمبر

وحتى لو امتلك الجيش المصري القوة العسكرية اللازمة لصد تدفق سكان غزة إلى سيناء، فإنه سيجد صعوبة في استخدام القوة للقيام بذلك؛ فمصر التي تستخدم جميع الوسائل المتاحة لوضع حد للهجوم الإسرائيلي الحالي على غزة، لا تريد أن يُنظر إليها على أنها الدولة العربية التي تستخدم القوة ضد مئات الآلاف من أهالي الأراضي الفلسطينية الفارين إليها لإنقاذ حياتهم؛ فحين اقتحم الآلاف من سكان غزة طريقهم إلى سيناء عام 2008، بعد تدمير أجزاء من الجدار الأمني الذي يفصل شبه الجزيرة المصرية عن الأراضي الفلسطينية، لم تلجأ مصر إلى السبل العسكرية والأمنية لمواجهة الأمر.
ويُشير المراقبون في القاهرة إلى أن السلطات المصرية ستفعل الشيء نفسه على الأرجح، إذا قام سكان غزة بكسر السياج الحدودي هذه المرة. وفي حديثه لـ"المجلة"، قال عماد جاد، الباحث في "مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية": "بمجرد حدوث التهجير الفعلي لسكان غزة لن تستطيع مصر إيقافه"، مضيفا: "لا يمكن أن تقوم مصر بقتل الأشخاص الذين يخترقون حدودها".

أعلنت مصر رفضها لتهجير سكان غزة إليها في كافة المحافل الإقليمية والدولية، بما في ذلك قمة القاهرة للسلام

الرفض القاطع

ووفقا لما قاله جاد، على مصر أن تتحرك بحزم لمنع حدوث هذا النزوح، مشيرا إلى أن مصر قوية طالما لم تبدأ عملية إعادة توطين سكان غزة في سيناء. ولمنع تحول عملية إعادة التوطين هذه إلى حقيقة لا رجعة فيها، اتبعت مصر سياسة ذات شقين حققت نجاحا كبيرا حتى الآن؛ إذ ضغطت القاهرة لإدخال مساعدات الإغاثة الإنسانية إلى غزة عبر معبر رفح على حدودها المشتركة مع القطاع الفلسطيني. واستطاعت حتى الآن إدخال مئات الشاحنات المحملة بالغذاء والمياه والمستلزمات الطبية لسكان غزة. كما سمح أسبوع الهدنة الذي توسطت مصر وقطر للتوصل إليها في دخول الوقود إلى القطاع الساحلي لأول مرة منذ اندلاع الأعمال العدائية بين إسرائيل والفصائل في غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

REUTERS
السيسي وسط المشاركين في قمة القاهرة للسلام بالعاصمة الإدارية في 21 أكتوبر

كما أعلنت مصر رفضها لتهجير سكان غزة إليها في كل المحافل الإقليمية والدولية، بما في ذلك "قمة القاهرة للسلام" التي انعقدت في القاهرة في 21 أكتوبر/تشرين الأول، والتي قال خلالها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن بلاده لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية.
وصرّح أيضا رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، القسم الإعلامي للرئاسة المصرية، ضياء رشوان، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، بأن مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية. وبحسب رشوان: "لن تسمح مصر بتهجير سكان غزة إليها أيضا".

تقول مصر إن طرد سكان غزة من أرضهم سيتبعه إجراء آخر: إرسال فلسطينيي الضفة الغربية بعيدا، وربما إلى الأردن

حجة قوية

ولرفض مصر إعادة توطين سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة أسباب قوية؛ إذ تقول مصر، الداعم القوي لحقوق إقامة دولة فلسطينية، إن طرد سكان غزة من أراضيهم سيتبعه إجراء آخر: إرسال فلسطينيي الضفة الغربية بعيدا- ربما إلى الأردن- وهو ما سيضع حدا لحلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.
وفي المؤتمر الصحافي مع المستشار الألماني أولاف شولتز بالقاهرة في 18 أكتوبر/تشرين الأول أشار السيسي إلى هذه النقطة بالقول: "سيعني هذا أنه سيكون هناك شعب، ولكن لن تكون هناك أرض يمكنهم أن يقيموا فيها دولتهم الخاصة".
وبالإضافة إلى ذلك، لدى مصر أسباب أمنية منطقية لرفض إعادة توطين سكان غزة في سيناء، وهي تحذر من آثار ذلك على معاهدة السلام التي وقعتها مع إسرائيل. ففي المؤتمر الصحافي نفسه قال الرئيس السيسي: "بمجرد أن يستقروا في سيناء، فإن الفلسطينيين سيشنون هجمات ضد إسرائيل، الأمر الذي سيعرض السلام بين القاهرة وتل أبيب للخطر".

AFP
فلسطينيون فارون من شمالي غزة يسيرون على طريق صلاح الدين جنوبي مدينة غزة في 26 نوفمبر

وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني، ذكر وزير الخارجية المصري، سامح شكري، سببا إضافيا لرفض مصر نقل سكان غزة إلى سيناء، حيث قال خلال حديثه مع "مركز ويلسون" في العاصمة واشنطن: "إن هذا النقل من شأنه أن يغذي موجات جديدة من الإرهاب الانتقامي"؛ فمن وجهة نظر القاهرة، سيكون لهذه الموجات الإرهابية آثار على الأمن في سيناء التي تقع على مقربة من قناة السويس؛ وهي أهم ممر بحري يربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
وكانت مصر قد أعلنت مؤخرا خلوّ سيناء، التي تبلغ مساحتها نحو 66 ألف كيلومتر مربع، من الإرهاب بعد أن هزمت فرعا لتنظيم داعش، كان يسعى إلى إنشاء إمارة إسلامية في الجزء الشمالي منها.

ينظر البعض إلى خطاب وزير الدفاع المصري على أنه إشارة إلى أن ملف غزة لم يعد في أيدي الرئاسة والمخابرات المصرية وحدهما الآن

بعيدا عن العجز

تستخدم مصر حتى الآن عددا من الأوراق السياسية والدبلوماسية لممارسة الضغط على إسرائيل وداعميها الدوليين لمنع إخلاء غزة من سكانها. وكان شكري قد سافر إلى الولايات المتحدة للضغط ضد هذا الاحتمال في المؤسسات ومراكز الأبحاث الأميركية ذات النفوذ، بالإضافة لأحاديثه مع وسائل الإعلام الأميركية، التي تتمحور حول المخاطر التي ينطوي عليها هذا السيناريو بالنسبة لمصر والمنطقة والعالم.
بدوره، يثير السيسي هذه القضية مع كل مسؤول أجنبي زائر. وعلى ما يبدو، نجح الزعيم المصري في خلق إجماع بين هؤلاء المسؤولين، بعد أن نجح في توضيح الآثار السلبية التي يمكن أن يخلفها هذا النزوح على مصر والمنطقة.

AFP
بنيامين نتنياهو والسيسي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في 27 سبتمبر 2018

ووفقا لمراقبين، فإن الجهود المصرية في هذا الصدد آتت ثمارها، من خلال تغيير مواقف بعض زعماء العالم المؤثرين بشأن القضية نفسها. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة أكرم بدر الدين لـ"المجلة" إن هذا "ينطبق بشكل خاص على القادة الذين تدعم بلدانهم إسرائيل طوال الوقت". وأشار إلى أن "قادة هذه الدول يخرجون للتعبير عن معارضتهم لنقل فلسطينيي غزة خارج أراضيهم".

من جانبه، تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن مرات عدة ضد هذا التهجير في الأسابيع القليلة الماضية. وفي 2 ديسمبر/كانون الأول، قالت نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، للسيسي في دبي، حيث كانا يحضران الاجتماع السنوي الثامن والعشرين للأمم المتحدة بشأن المناخ، إن الولايات المتحدة لن تسمح بنقل الفلسطينيين.

منطقة عازلة؟

مع ذلك، حدث تحول كبير في الخطاب المصري بشأن غزة في 4 ديسمبر/كانون الأول. عندما تحدث وزير الدفاع المصري محمد زكي، لأول مرة، عن الحرب الدائرة في الأراضي الفلسطينية. وأشار إلى ما وصفه "بـالتصعيد غير المحسوب" على الجبهة الفلسطينية. واعتبر أن هذا التصعيد يهدد بتصفية القضية الفلسطينية. وقال زكي خلال افتتاح معرض الدفاع المصري: "في عالم اليوم، لا يوجد مكان للضعفاء".
وينظر البعض إلى خطاب زكي على أنه إشارة إلى أن ملف غزة لم يعد في أيدي الرئاسة والمخابرات المصرية وحدهما الآن، كما كان في الشهرين الماضيين، وأن المؤسسة العسكرية تدرس خياراتها في هذا الشأن.
يأتي ذلك وسط دعوات للقيام بعمل عسكري مصري داخل الأراضي الفلسطينية لإنشاء منطقة عازلة في جنوب غزة، حيث يمكن حماية سكان المنطقة من الهجمات الإسرائيلية.
وهذا بالطبع يمكن أن يضع مصر في مواجهة إسرائيل عسكريا، للمرة الأولى منذ توقيع البلدين على معاهدة السلام عام 1979، ما يفتح الباب أمام انهيار هذا السلام، وهو احتمال حذّر منه الرئيس المصري مرارا في الأسابيع الماضية.

font change

مقالات ذات صلة