"إيباك" وحلفاؤها في مواجهة اليسار في أميركا

غضب كثير من الديمقراطيين يتصاعد

Nash Weerasekera
Nash Weerasekera

"إيباك" وحلفاؤها في مواجهة اليسار في أميركا

سنشهد خلال الأشهر القليلة المقبلة اختبارين لنفوذ اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة، وسيكون أولهما في الأسابيع المقبلة ويتمحور حول مصير حزمة المساعدات الأميركية الإضافية لإسرائيل في واشنطن بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، بينما سيحدد الاختبار الثاني مصير أعضاء الكونغرس من الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي الذين ينتقدون التصرفات الإسرائيلية في غزة، والذين يترشحون لإعادة انتخابهم هذا العام.

العقبات أمام المساعدات لإسرائيل

في 22 يناير/كانون الثاني، طلبت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) مرة أخرى من مؤيديها الضغط على مكاتب الكونغرس لتمرير مساعدة جديدة خاصة لإسرائيل. وكان مجلس النواب قد أقر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مشروع قانون لتزويد إسرائيل بمساعدات عسكرية إضافية بقيمة 14 مليار دولار، بالإضافة إلى مساعدات تبلغ حوالي أربعة مليارات دولار من المقرر أن تحصل عليها في الميزانية العادية لعام 2024. ومع ذلك، فإن معظم من صوّت لصالح مشروع قانون المساعدات الخاصة، وعددهم 226 عضوا، كانوا من الجمهوريين الذين مزجوا السم السياسي مع مشروع قانونهم، فضمنوا بندا مثيرا للجدل، ينص على أن تحصّل الحكومة التمويل الإضافي لإسرائيل من مناطق حكومية أخرى، وتحديدا من ميزانية مديرية الضرائب بوزارة الخزانة.

وأثارت إدارة بايدن والمشرعون الديمقراطيون اعتراضات على هذا الشرط، مؤكدين على ضرورة قيام مديرية الضرائب بتعزيز تحصيل الضرائب من الأثرياء لتمويل مبادرات الحزب الديمقراطي المختلفة. ونتيجة لذلك، حولت المفاوضات الحالية بين الحزبين التركيز من المساعدات الإضافية لإسرائيل إلى المناقشات المالية الأوسع. وتشمل هذه مخصصات أمن الحدود، وعمل مديرية الضرائب، ودعم أوكرانيا. وفي خضم هذه المناقشات، كان الرئيس السابق دونالد ترمب صريحا في الضغط على الجمهوريين ليرفضوا التسوية، وبالتالي تبقى المساعدات المقترحة لإسرائيل دون اتفاق.

وعلى أي حال، لو وُجد حل غير متوقع لهذا الجدل بين الطرفين في مجلس النواب، فإن المساعدات المقدمة لإسرائيل لا تزال بحاجة إلى الحصول على موافقة مجلس الشيوخ الذي أصبح نقطة التقاطع بين دعم إسرائيل وانتقاد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. وفي يناير/كانون الثاني، فشل السيناتور بيرني ساندرز، أحد زعماء السياسيين اليساريين في أميركا، في كسب ما يكفي من الدعم لمطالبته بأن تصدر وزارة الخارجية الأميركية تقريرا حول سجل إسرائيل في مجال حقوق الإنسان قبل أن تذهب المساعدات العسكرية إلى إسرائيل.

حولت المفاوضات الحالية بين الحزبين التركيز من المساعدات الإضافية لإسرائيل إلى المناقشات المالية الأوسع

عارضت "إيباك" بشدة اقتراح ساندرز، وخسر مشروعه في التصويت في مجلس الشيوخ، حيث عارضه 72 عضوا مقابل 11 عضوا فقط أيدوا. ومع ذلك، يقترح أعضاء آخرون في مجلس الشيوخ من الجناح اليساري للحزب الديمقراطي فرض قيود جديدة على المساعدات العسكرية لإسرائيل، ومن بين هؤلاء السيناتور فان هولين من ولاية ماريلاند الذي يقترح تعديلا لمشروع القانون يقضي بوقف جميع المساعدات العسكرية لإسرائيل إذا قررت وزارة الخارجية أن إسرائيل تنتهك القانون الأميركي والدولي في ما يتعلق بقوانين الحرب. ويؤيد ثمانية عشر عضوا في مجلس الشيوخ، أي أكثر من ثلث الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، اقتراح فان هولين. وفي الوقت نفسه، اقترح السيناتور تيم كين (الذي كان مرشح هيلاري كلينتون لمنصب نائب الرئيس عام 2016) قرارا يطلب من إدارة بايدن السماح للكونغرس بمراجعة جميع المساعدات العسكرية لإسرائيل، الأمر الذي من شأنه أن يؤخر تسليمها. وتعترض "إيباك" على كلا الإجراءين، اللذَين لن يحصلا على دعم من الجمهوريين إذا وصل مشروع قانون مساعدة إسرائيل إلى مجلس الشيوخ.

"إيباك" تستهدف يسار "الديمقراطي"

تستجيب "إيباك" في الحملات الانتخابية بأن تزيد من تبرعاتها لمرشحي الحزب الديمقراطي الذين سيتنافسون مع مرشحي الحزب الذين ينتقدون إسرائيل. وقبل انتخابات الكونغرس عام 2022، شكلت "إيباك" منظمات جديدة لتوجيه الأموال إلى الحملات السياسية كما يقضي القانون الأميركي. تدعى إحداهما "إيباك باك" والأخرى "مشروع الديمقراطية المتحدة" وهي لجنة عمل سياسية عليا يمكنها قانونا منح مبلغ غير محدود من المال للمرشح. كان "مشروع الديمقراطية المتحدة" أكبر مصدر لتمويل الحملات الانتخابية في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لعام 2022. وتعمل منظمات تمويل الحملات الانتخابية المؤيدة لإسرائيل على تخويف بعض مرشحي الحزب الديمقراطي. ومثال ذلك السيناتور جون فيترمان الذي تفاوض على موقفه من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مع لجنة عمل سياسية أخرى مؤيدة لإسرائيل تعمل مع "إيباك"، في أثناء ترشحه لعضوية مجلس الشيوخ عام 2022. وقد أرضى تعديل فيترمان لموقفه فامتنعوا عن مساعدة خصمه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في مايو/أيار 2022. كما هزم فيترمان لاحقا مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات نوفمبر 2022، وهو الآن أحد أكبر مؤيدي إسرائيل في مجلس الشيوخ.

يريد رجال الأعمال أيضا هزيمة أعضاء الكونغرس اليساريين الذين يؤيدون فرض ضرائب أعلى على الأثرياء

لا شك أن ما تمارسه "إيباك" وحلفاؤها من ضغط وما يقدمانه من مساهمات مالية في الحملات الانتخابية هي أمور قانونية وطبيعية وشفافة نسبيا في الولايات المتحدة. وتقدم المئات من لجان العمل السياسي مساهمات مالية للحملات الانتخابية. ومن بين الذين تبرعوا بالمال عام 2022 لمشروع الديمقراطية المتحدة، جان كوم، مؤسس "واتساب"، وبول سينجر الذي يدير شركة استثمارية ضخمة وبيرني ماركوس، مؤسس "هوم ديبوت"، وهي سلسلة متاجر ضخمة للبيع بالتجزئة. 

AFP
السناتور بيرني ساندرز يتحدث أمام تجمع نقابي في ديترويت في 15 سبتمبر 2023

رجال الأعمال الجمهوريون الأثرياء هؤلاء لن يصوتوا أبدا للمرشحين الديمقراطيين، لكنهم يتدخلون في سياسات الحزب الديمقراطي الداخلية ويساعدون الوسطيين ضد الديمقراطيين اليساريين. وأشار ريان غريم، الصحافي في موقع "ذا إنترست" الإخباري، إلى أن رجال الأعمال الأثرياء يقدمون الأموال لمشروع الديمقراطية المتحدة جزئيا لمساعدة إسرائيل. 
ويريد رجال الأعمال أيضا هزيمة أعضاء الكونغرس اليساريين الذين يؤيدون فرض ضرائب أعلى على الأثرياء وفرض مزيد من التنظيم الحكومي على الشركات الكبرى. كما أن إعلانات التلفاز التي تمولها لجان العمل السياسي، مثل "مشروع الديمقراطية المتحدة"، لا تركز على إسرائيل حيث يغيب تعاطف بعض الناخبين الديمقراطيين معها. وبدلا من ذلك، فإنهم يهاجمون الديمقراطيين اليساريين في القضايا الداخلية مثل تمويل الشرطة والجريمة. وحذر الجناح اليساري للحزب الديمقراطي زعماء حزبه من سعي الجمهوريين الأثرياء إلى فرض مرشحيهم داخل الحزب. واتهم  بيرني ساندرز "إيباك" عام 2022 بأنها تسعى إلى تدمير الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، وهو اتهام ترفضه "إيباك" وبعض الديمقراطيين من ذوي الميول اليسارية المناصرين لإسرائيل. لكن غضب كثير من الديمقراطيين اليساريين يتصاعد على "إيباك".

ثمة انتخابات تمهيدية أخرى مثيرة للاهتمام سيجريها "الحزب الديمقراطي" في نيويورك، حيث سيواجه عضو الكونغرس الأسود جمال بومان منافسه الأبيض جورج لاتيمر

الجدير بالذكر أن عضو الكونغرس سمر لي، وهي المرشحة المفضلة في أوساط الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، كانت من أوائل أعضاء الكونغرس الذين دعموا قرارا في مجلس النواب يطالب بوقف إطلاق النار في غزة. وستواجه هذا العام في مدينتها بيتسبرغ منافسين اثنين من الحزب الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية في 23 أبريل/نيسان. وكانت "إيباك" وحلفاؤها قد أنفقوا مبالغ كبيرة لمواجهة سمر لي عام 2022، وفازت في تلك الانتخابات بفارق أقل من واحد في المئة من الأصوات. وقد شددت لي على أن إيباك غالبا ما تقوم بتمويل منافسي أعضاء الكونغرس السود. وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، وصفت لي "إيباك" بالعنصرية، واتهمتها مع مساهميها من البيض الأثرياء بالسعي إلى منع مجتمعات السود من تقرير مصيرهم. (لا أحد من خصومها في الانتخابات التمهيدية لعام 2024 من السود). 
تقول النائبة كوري بوش عن سانت لويس، وهي عضوة سوداء في الكونغرس عن مدينتها هذه، إن السود لديهم إدراك خاص للاضطهاد، فكانت من رعاة القرار الداعي إلى وقف إطلاق النار في غزة. وجاءت استجابة "إيباك" وحلفائها بأن دعموا ديمقراطيا آخر سينافسها في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي... خصم كوري بيل، ويسلي بيل الأسود أيضا، محام في مقاطعة في سانت لويس. وأكد على دعمه لإسرائيل عندما أعلن ترشحه. وليس مألوفا في الولايات المتحدة أن يركز مدع عام محلي على قضايا السياسة الخارجية بدلا من تركيزه على المشاكل الكبيرة التي تعاني منها مدن مثل مدينة سانت لويس.
ومن الجدير ذكره أن ويسلي زار إسرائيل عام 2017 على نفقة منظمة تابعة لـ"إيباك". وكان "مشروع الديمقراطية المتحد" قد بث إعلانا على موقع "يوتيوب" يهاجم فيه موقف كوري بوش من حرب غزة. كما تواجه كوري مشاكل أخرى في حملتها الانتخابية، مثل فضيحة دفعها مالا لزوجها من أموال حملتها مقابل "خدمات أمنية"، وقد تخسر الانتخابات التمهيدية يوم 6 أغسطس/آب.

AFP
السناتور جون فيترمان مع الحاخام جيفري مايرز في بيتسبورغ في 27 أكتوبر 2023

ثمة انتخابات تمهيدية أخرى مثيرة للاهتمام سيجريها الحزب الديمقراطي في نيويورك، حيث سيواجه عضو الكونغرس الأسود جمال بومان منافسه الأبيض جورج لاتيمر. وكانت "إيباك" قد شجعت لاتيمر على تحدي بومان في الانتخابات التمهيدية يوم 25 يونيو/حزيران، ووعدت بدعمه. وجدير بالذكر أن لاتيمر زار إسرائيل قبل أسبوع من إعلان ترشحه. على النقيض من ذلك، رفض بومان دعم قرار أصدره الكونغرس يشيد باتفاقات أبراهام، كما دعم قرار كوري بوش الداعي لوقف إطلاق النار في غزة. وقال المتحدث باسم بومان في ديسمبر، إنه بات معروفا أن "إيباك" تشجع خصوم أعضاء الكونغرس السود وتعتمد على ممولين محافظين.

ولكن لـ"إيباك" مشاكلها أيضا

فاز معظم المرشحين الذين دعمتهم "إيباك" وحلفاؤها في انتخابات عام 2022، إنما ليس جميعهم، كما يظهر من مثال سمرلي. في عام 2024، خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ الثمانية عشر من الحزب الديمقراطي الداعمين لتعديل السيناتور فان هولين سيترشحون لإعادة انتخابهم هذا العام، ولم يغير الخوف من "إيباك" من مواقفهم. كما وقع 49 من أصل 50 عضوا ديمقراطيا في مجلس الشيوخ على رسالة تدعم حل الدولتين بعد أن رفضها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. بل إن زعيم الحزب الديمقراطي في مجلس النواب، حكيم جيفري، عن مدينة نيويورك، ومع أنه مقرب من "إيباك"، أعلن في يناير/كانون الثاني أنه يدعم إعادة انتخاب سمرلي، وفعل الشيء نفسه بيتر أغيلار من كاليفورنيا، وهو صديق آخر لـ"إيباك".

"إيباك" وحلفاؤها سوف ينفرون قادة الحزب "الديمقراطي المستقبليين" منهم ويفقدون نفوذهم السياسي

وفي مكان آخر، لم يتقدم أي خصم ديمقراطي لتحدي عضو الكونغرس رشيدة طليب، وهي فلسطينية أميركية تنتقد إسرائيل بشدة، في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ميتشيغان يوم 6 أغسطس، على الرغم من محاولة "إيباك" تجنيد مرشح آخر. وأخيرا، من المهم أن نلحظ أنه حتى الحزب الجمهوري الذي يدعم إسرائيل بقوة حتى الآن أعطى الأولوية للحد من الإنفاق الحكومي على المساعدات الطارئة لإسرائيل بعد 7 أكتوبر.

AP
مؤيدون للمرشح الجمهوري دونالد ترمب في مدينة إتكنسون في 16 يناير

والمفارقة أن "إيباك" نفسها دعمت الكثير من هؤلاء الجمهوريين في انتخابات عام 2022. وأيدت 109 من الجمهوريين الذين رفضوا التصديق على انتخاب جو بايدن رئيسا. وحذر كثير من أعضاء الحزب الديمقراطي، بما في ذلك السيناتور بيرني ساندرز، من أن "إيباك" تساعد السياسيين الذين يهددون الديمقراطية في أميركا. وبررت "إيباك" دعمها بالقول إن إسرائيل تحتاج إلى أكبر عدد ممكن من الأصدقاء في الكونغرس الأميركي. إلا أن التحدي الأكبر الذي تواجهه "إيباك" سيكون في أوساط الديمقراطيين الشباب، إذ تظهر استطلاعات رأي كثيرة أن الأميركيين الأصغر سنا هم على العموم أكثر تعاطفا مع الفلسطينيين. ولن تقنع هؤلاء الناخبين الشباب حجة "إيباك" بأن إسرائيل تحتاج إلى المزيد من المؤيدين أيا كانت التكلفة التي تتحملها الديمقراطية الأميركية أو القضايا اليسارية. كما أن الاتهامات الموجه لها بالعنصرية سوف يتردد صداها عاليا بين الديمقراطيين الشباب. 
وفي النهاية، إذا استمرت "إيباك" وحلفاؤها في استخدام رجال الأعمال الأثرياء ضد قادة الحزب الديمقراطي اليساريين الشباب الذين يتمتعون بشعبية، فإن "إيباك" وحلفاءها سوف ينفرون قادة الحزب الديمقراطي المستقبليين منهم ويفقدون نفوذهم السياسي.

font change

مقالات ذات صلة