إبراهيم عباس: فوجئت بنجاح "حوجن" و"العجائبية" معيار الانتشار

أطلق مشروع "يتخيلون" لنشر ثقافة الخيال العلمي

Getty Images
Getty Images
الروائي السعودي إبراهيم عباس

إبراهيم عباس: فوجئت بنجاح "حوجن" و"العجائبية" معيار الانتشار

بعدما حققت رواية "حوجن" للروائي السعودي إبراهيم عباس انتشارا كبيرا بين القراء، تحولت إلى فيلم سينمائي عرض في دور السينما السعودية في مطلع العام الجاري، وحقق نجاحا كبيرا. وذلك بعدما تجاوز عباس كل ما أثارته الرواية من ضجة وجدال كونها تتناول عالم الجن، وهو يردّ على تلك الانتقادات موضحا أن هدفه من الرواية هو إظهار مدى تحكم العادات والتقاليد في حياة الناس والمجتمعات.

كانت "حوجن" واحدة من الروايات التي استند فيها عباس إلى الخيال العلمي، وبعدها نشر "المتمغنطون" و"بنيامين" و"هناك"، في إصرار منه على أن يكون الخيال الوجه الآخر للواقع، خاصة أن إصدار الرواية قد تزامن مع إطلاقه "رابطة يتخيلون" بالشراكة مع ياسر بهجت. هنا حوار معه.

  • لماذا لجأت إلى الخيال العلمي في روايتك "حوجن"؟

الكتابة في حالتي ليست مشروعا مسبق التخطيط، كي أحدد المجال والنمط وأقتحمهما بناء على الأصداء المتوقعة. الكتابة بالنسبة إلي بمثابة هواية، فعملي في إدارة الإبداع في عالم الدعاية والإعلان لعقود عدة، حوّل ذهني إلى ماكينة أفكار تحدد مخرجاتها متطلبات الحملات الإعلانية، فكان لا بد لذهني من متنفس إبداعي بعيدا من تلك القيود، ووجدت كل ذلك في خلق عوالم وأحداث وشخوص ومشاعر يبحر فيها خيالي، بل يستمتع بالانجراف داخلها دونما حدود، وكان شغفي بالخيال العلمي حاضرا دائما، فانبثقت خلال أحد تلك التجليات الخيالية فكرة تجسيد عالم الجن ولكن من منظورهم هم، تفاقمت الحماسة فكانت "حوجن" التي ظلت حبيسة الأدراج دون نيّة لنشرها، وعندما دفعني شغف الخيال العلمي لإنشاء "يتخيلون" مع شريكي ياسر بهجت كانت الانطلاقة برواية "حوجن".

ربما كان لعجائبية عالم الجن دور في زيادة الإثارة والجدال اللذين أثيرا حول "حوجن"

  • هل كنت تتوقع أن تثير هذه الرواية الضجة لتناولها عالم الجن؟

لم أتوقع لها البتة كل هذين الصيت والانتشار، ربما كان لعجائبية عالم الجن دور في زيادة الإثارة والجدال اللذين أثيرا حول "حوجن"، لكنها ليست العمل الأدبي الوحيد ولا الأول الذي تناول عالم الجن أدبيا، أعتقد (غير جازم) أن سبب الانتشار الرئيس هو الطرح المختلف الذي أقحم القراء في عوالم الجن للمرة الأولى بشكل قد يبدو مقنعا حد الاعتقاد أن القصة واقعية.

  • تحولت "حوجن" إلى عمل سينمائي، هل انسجم الفيلم مع تصوراتك؟ 

نعم، ولا. كان هناك تصور لعالم "حوجن" في مخيلتي، في الواقع ترجمت الكثير من تفاصيله كرسومات وتصاميم تخيلية أصبحت نواة للتصورات والتصاميم النهائية في الفيلم، لكنها في طبيعة الحال غير مطابقة. أحداث "حوجن" تحتاج إلى ست ساعات على الأقل لتغطيتها دراميا، لذا لزمت إعادة معالجة القصة لتصبح قابلة للإنتاج سينمائيا، وهنا ساعدتني خبرتي المسبقة في كتابة النصوص السينمائية بالإضافة إلى الكيمياء العالية بيني وبين المخرج ياسر الياسري والكاتبين سارة طيبة وحسام الحلوة على صياغة نص سينمائي يعيد قولبة الرواية وطرحها كتجربة فيلم متكاملة ومرضية حدّ الدهشة بالذات لقراء الرواية وعشاقها، والنتيجة هي أنني أُنسيت فعليا جميع تخيلاتي وتصوراتي السابقة عن عالم حوجن وحل محلها ما شاهدته وعايشته في الفيلم. أصبح حوجن في مخيلتي هو فريق العمل، براء، سوسن نور، زعنام نايف، جمارى العنود، إياد محسن، وغرمان منصور، وعوالم الإنس والجن هي ما أبدعه الياسري على الشاشة الكبيرة.

الأدب والسينما

  • هل يمكن تحويل أي عمل أدبي إلى عمل درامي أو سينمائي؟

دعيني أجيب عن سؤالك بهذه المعلومة الصادمة: لقد تطلبت مني كتابة النص السينمائي لفيلم "حوجن" وقتا وجهدا أكبر بكثير من كتابة الرواية نفسها. الأدوات الأدبية لا تحتاج إلى أكثر من حروف اللغة الثمانية والعشرين لتصنع العوالم التي يعيشها القارئ بخياله ووجدانه بلا حدود. أما الصناعة السينمائية فهي صناعة مؤطرة بحدود صارمة قاسية متعسفة. الفيلم السينمائي محدود بما يمكن ترجمته بصريا وسمعيا، بميزانية محددة، وفي مدة ساعتين أو تزيد قليلا، وبحالة هلع وتوجس وهوس أحيانا بالمعايير التي تزيد فرصة نجاح العمل تجاريا فوق أي اعتبار آخر، والنتيجة هي أنه قد تكون هناك أعمال أدبية أكثر حظا كونها أسهل من ناحية المعالجة السينمائية دون الاصطدام بشدة بهذه الحدود والمعوقات، فلا يمكن مثلا أن نقارن عملا قائما على الخيال العلمي، بعمل درامي مقتبس من رواية تدور أحداثها بين بضع شخصيات في بيئة واقعية يمكن تجسيدها بسهولة في تجربة سينمائية منصفة ومشبعة دون تنازلات، وبميزانية محدودة يمكن استعادتها وتحقيق الربح بسهولة حتى لو لم "يكسّر" ذلك الفيلم شباك التذاكر. وهذا عكس المغامرة الجنونية التي خضناها في فيلم "حوجن". فتجسيد رواية تدور بين عوالم خيالية عدة، وحشد من الشخصيات والأحداث الممعنة في الخيال، بشكل يرضي المشاهد ويمتعه، وبقدر لا يذكر من الميزانيات الهوليوودية اللازمة لتجسيد خيال كهذا، وفي السنة الأولى (حرفيا) لانطلاق صناعة السينما في السعودية، هو بكل اختصار مجازفة، بل معجزة. لو كنت أعي أبعادها لما خضتها إلا لو كان لديّ ميزانية لا نهائية لإنتاج فيلم بمدة غير محدودة غير آبهٍ بشباك التذاكر.

تطلبت مني كتابة النص السينمائي لفيلم "حوجن" وقتا وجهدا أكبر بكثير من كتابة الرواية

  • كيف وجدت ردود أفعال الجمهور بعد عرض الفيلم في صالات السينما السعودية؟

بعدما شاهدت الفيلم للمرة الأولى تولدت لدي قناعة بأن رد فعل الجمهور سيكون كرد فعلي: السعادة والانبهار، ولكن ردود الأفعال فعلا فاجأتني، إذ تجاوزت كل توقعاتي إلى حالات من الفخر والإعجاب بالفيلم وكأن مشاهديه هم صنّاعه ومالكوه، ولم يقتصر ذلك على عشاق الرواية فقط الذين انتظروا هذا الفيلم لعقدٍ من الزمان، والعجيب هو أن أكثر ردود الأفعال التي وصلتني كانت تعبر وبكل شغف عن مقدار الدهشة بخروج فيلم "حوجن" بهذا المستوى وبإبداع سعودي، وكانت تسأل، بل تطالب بإلحاح، بمشاهدة المزيد من عالم حوجن السينمائي.

روايات مترابطة

  • كيف تصف تجربتك مع ياسر بهجت الذي أسست معه "رابطة يتخيلون" التي تهدف إلى نشر ثقافة الخيال العلمي العربي؟

أسسنا "يتخيلون" تزامنا مع إطلاق "حوجن" بهدف نشر شغف الخيال العلمي وثقافته في عالمنا العربي وتصديرها الى باقي الثقافات. فالضجة التي أثارتها الرواية كان لها التأثير الكبير في دفع حراك الخيال العلمي والفانتازيا وزيادة الإقبال عليها في العالم العربي والسعودية بالذات، بعدما رفضت كبرى دور النشر العربية "حوجن" كونها مخاطرة لاختلافها عن المألوف والسائد تجاريا حينها، واليوم تواصل "يتخيلون" رسالتها بعدما أطلقت عدة روايات خيال علمي عربية تصدرت جميعها قوائم الأعلى مبيعا في دول عدة وترجمت إلى لغات عدة، وانطلق فيلمنا "حوجن" معلنا بداية عالم "يتخيلون" السينمائي، وقد أنهينا كتابة النص السينمائي للفيلم المقبل، ويجري الإعداد لإنتاجه مع مخرجنا ياسر الياسري. إلى جانب ذلك كله، ساهمت "يتخيلون" في ترجمة ونشر أكثر من ثلاثمئة رواية خيال علمي اختيرت من بين أفضل الروايات الحائزة جوائز عالمية وأتاحتها للقراء في العالم العربي عبر منصتها "ذا خيال".

Getty Images
ياسر بهجت، وياسر الياسري، وبراء عالم، وإبراهيم عباس، ونور الخضراء، ونايف الدافيري في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2023

  • ترجم العديد من أعمالك إلى لغات أخرى، ما أهمية هذا بالنسبة الى مشروعكم؟

كما ذكرت، فإن هدفنا الصميم والرئيس في "يتخيلون" هو نشر ثقافة الخيال العلمي العربي للعالم، وبالتالي فإن انتشار أعمالنا بشتى اللغات عالميا لا يقل أهمية لنا عن انتشارها باللغة العربية في بيئتها الأم. لقد تُرجمت أعمالنا إلى الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية، وحاليا في صدد ترجمتها إلى الصينية والروسية والكورية، متخطين عوائق الترجمة التي تصل في بعض الأحيان حدّ إضافة المزيد من التفاصيل لتبيان السياق الثقافي الذي قد يخفى على المتلقي من ثقافات أخرى بلغات أخرى، وهذا ما قام به ياسر بهجت عندما أعاد كتابة رواياتنا باللغة الإنكليزية. منذ أن انطلقت "يتخيلون" ونحن نواظب على حضور مؤتمر الخيال العلمي الذي يتنقل بين مختلف الدول في كل عام، وقد لمسنا دهشة تلك الشعوب من الطابع الخيالي الفريد لأعمالنا كونها تفتح لهم نافذة ماتعة إلى ثقافتنا العربية كما لم يطلعوا عليها من قبل، إلى الحد الذي جعل العديد من كتاب الخيال العلمي الحائزين جوائز "هيوغو" و"نيوبيلا" يمنحون أعمالنا أعلى التقييمات. 

هوس

  • هل هذا هو سبب إصرارك على الخيال العلمي في رواياتك الأخرى؟ 

هي حالة هوس بخلق عوالم خيالية جدا، واقعية جدا جدا، إذ أن الخيال في طياته مسوَّغ ومبرر حد الإقناع والتصديق، وفوق كل هذا الهوس إصراري على أن تكون هذه العوالم منفصلة متصلة، فعلى الرغم  من أن رواية "هناك" لا علاقة لها بـ"حوجن"، إلا أن رواية "بنيامين" جمعت شخصيات الروايتين كونها جميعها تنتمي إلى العالم نفسه، لنتفاجأ بعدها بظهور بنيامين في آخر رواية "المتمغنطون" مع الجاحظ وجحا وأشعب، لذا أنا مصر أن يكون هناك رابط ولو طفيف بين جميع العوالم التي أكتبها.

  أسسنا "يتخيلون" تزامنا مع إطلاق "حوجن" بهدف نشر شغف الخيال العلمي وثقافته في عالمنا العربي

  • هل تلاقي النصوص المستندة إلى الخيال إقبالا أكثر، من تلك المستمدة من الواقع؟

أستطيع أن أدعي بأن العجائبية هي المعيار المسوغ لانتشار القصص، فمن دون أمر مثير لا توجد قصة وإنما سرد فاتر. والنفس تتوق إلى "العجيب الممكن"، لأن الإثارة تتضاعف مع الإسقاط، ومن وجهة نظري فإن الحفاظ على ذلك التباين بين العجائبية والواقعية في القصة دون التفريط في أحدهما، هو ما يرفع قيمة الجذب الإمتاعية لها. هذه هي المعادلة التي أحرص عليها، لإمتاع نفسي أولا ثم لإدهاش من يعيش معي تلك العوالم بين عجائبية الخيال إلى ما يمكن تصديقه من تسويغ واقعي وعلمي.

  • ما الذي ستقدمه سينمائيا بعد "حوجن"؟ 

الدرج مكتظ دائما بأخوات "حوجن"، فأنا لا أتوقف عن هواية خلق المزيد داخل عوالمي، أكثرها معالجات لروايات وأفلام قيد التكوين. أقربها إطلاقا هو رواية وفيلم "نمنم"، إذ أخطط لتجربة إطلاق رواية وفيلم في آن واحد. "نمنم" هو لقب لآكلي لحوم البشر الذين انتشرت قصصهم وأساطيرهم بشكل كبير بالذات في مكة المكرمة خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وعوالم هذه الرواية مرتبطة بعالم "حوجن"، وقد يظهر فيها.

font change

مقالات ذات صلة