من هو عوفر كسيف الذي يواجه العزل من الكنيست بسبب موقفه من حرب غزة؟

متضامنون مع النائب يصفون التحرك بـ "المحاكمة السياسية"

AFP
AFP
عوفر كاسيف (وسط) في تظاهرة مع الفلسطينيين احتجاجا على قرار إسرائيلي لإخلاء منزل عائلة فلسطينية في القدس الشرقية المحتلة

من هو عوفر كسيف الذي يواجه العزل من الكنيست بسبب موقفه من حرب غزة؟

رغم الهدوء الجزئي الذي سجله نشاط الكنيست الإسرائيلي خلال الحرب على غزة، ولوحظ على صعيد قلة النقاشات المطروحة ومشاريع القوانين، فإن الهيئة العامة للكنيست على موعد مع جلسة يتوقع لها أن تكون صاخبة في التاسع عشر من فبراير/شباط الحالي، إذ ستناقش قضية عزل النائب اليهودي في "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" عوفر كسيف من الكنيست.

يحتاج قرار العزل إلى تأييد خمسة وسبعين في المئة من النواب (90 من أصل 120) ولا تبدو النتيجة محسومة تماما، خاصة بعد إعلان رئيس المعارضة يائير لابيد أنه لن يدعم القرار لأنه يرى أن الخطوة كلها تهدف في المحصلة إلى تجديد الهجوم على المحكمة العليا التي يتوقع أن تلغي قرار العزل إن تم. لكن لابيد في الجوهر أكد أنه يؤيد عزل كسيف من خلال العمل على رفع حصانته البرلمانية وإتاحة محاكمته.

عوفر كسيف مناهض بارز لسياسة الحكومات الإسرائيلية، وسبق أن وصف نوابا ووزراء إسرائيليين بالنازيين

لماذا شرع أعضاء الكنيست في إجراء العزل؟

تعود قضية عزل عوفر كسيف إلى توقيعه عريضة عامة شارك فيها مئات البرلمانيين والحقوقيين في العالم، وأيدت توجه جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية للمطالبة بوقف الحرب على قطاع غزة بدعوى ارتكاب إسرائيل "إبادة جماعية"، وهو ما أدى إلى موجة تحريض ضد النائب كسيف في الكنيست وخارجه شملت جمع توقيعات خمسة وثمانين نائبا من أحزاب الائتلاف والمعارضة للشروع في إجراءات العزل وفق البند القانوني الذي يتيح الإطاحة بنواب في حال تأييد الكفاح المسلح ضد إسرائيل، وانتهت بتصديق "لجنة الكنيست البرلمانية" على العزل تمهيدا لتصويت الهيئة العامة. ووصفه متضامنون مع النائب التحرك لعزله بـ "المحاكمة السياسية". 

من هو عوفر كسيف؟

كثيرا ما كان في واجهة العناوين، وبرز اسمه بين نواب حزبه على أثر التصادم مع نواب اليمين أو الوزراء والمشاركة في نشاطات مناهضة للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس. قبل أن ينتخب ضمن قائمة الجبهة عام 2019 كان أستاذا للفلسفة السياسية، ومناهضا بارزا لسياسة الحكومات الإسرائيلية، وسبق أن وصف نوابا ووزراء بالنازيين، وواجه إجراءات عقابية في الكنيست.

AFP
النائب عوفر كسيف في "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" بالكنيست

وشارك في الوقفات الاحتجاجية في حي الشيخ جراح بالقدس تنديدا بسياسة تهجير سكان الحي والاستيطان فيه، كما سبق له أن أصيب جراء اعتداء أفراد الشرطة عليه. وصدقت المستشارة القضائية للحكومة على تقديم لائحة اتهام بحقه بدعوى الاعتداء على شرطي.

المسافة بين الموقف السياسي المناهض للحرب، والمؤيد للكفاح المسلح ضد إسرائيل، تبدو كبيرة

التعامل مع إجراء العزل

خلال رده على مسار العزل قال كسيف: "إن الاتهام الأساسي في طلب عزلي المبني على تأييدي كفاح حركة حماس المسلح ضد إسرائيل كاذب وسافر، وتحريف للواقع لا يمت بذرة صلة للحقيقة، وملاحقة سياسية، وإسكات لصوت ناقد بشكل عام ولممثلين عن الجمهور العربي بشكل خاص. لقد نددت بالمذبحة التي ارتكبتها حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول في كل منبر، وبشكل واضح. حماس استهدفت مواطنين أبرياء، لكنني أيدت العريضة من منطلق إيماني بأن وقف إطلاق النار وحده هو ما سيعيد المحتجزين إلى بيوتهم ويمنع قتل الفلسطينيين والإسرائيليين".

ويعول كسيف والأحزاب العربية في الكنيست على موقف المستشارتين القضائيتين للحكومة والكنيست في حال وصلت القضية إلى التماس للمحكمة العليا، إذ عارضت المستشارتان العزل بشكل واضح وأشارتا إلى أن الدوافع عاطفية وتحمل الكثير من المواقف السلبية حيال خطوة التوقيع على العريضة لكنها ضعيفة من الناحية القانونية والمسافة بين الموقف السياسي المناهض للحرب والداعي لوقفها والمؤيد للكفاح المسلح ضد إسرائيل تبدو كبيرة في هذه الحالة.

وفي حديث لـ"المجلة" يقول البروفيسور مردخاي كريمنتسر أستاذ القانون المخضرم في الجامعة العبرية إن حالة كسيف هي توصيف حقيقي لما يجري في الحكومات الشعبوية، حيث تزداد المنافسة على "الوطنية" ويختفي المنطق، ويتساءل عن الوجه الحقيقي لحكومة نتنياهو التي دعمت "حماس" لسنوات من خلال تحويل الأموال، وتؤيد الآن عزل نائب في الكنيست بسبب موقف سياسي لم يعد بأي ضرر حقيقي.

ويواصل كريمنتسر حديثه بالقول: "يصعب علي أن أصدق أن تسعين نائبا (العدد المطلوب قانونيا) سيصوتون للإطاحة بنائب آخر ندد مرارا بهجمات السابع من أكتوبر، وأعتقد أن القرار سيلغى في حال وصل إلى المحكمة العليا وعلى الرغم من أنني كنت سأوصي النائب كسيف بعدم التوقيع على العريضة فإن المسافة كبيرة بين هذه الخطوة غير المحبذة وشرعية العزل. لا ينطبق أي من بنود قانون العزل على حالة كسيف، فهو في هذا التوقيع لم يحرض على العنصرية ولم يدعم الكفاح المسلح ضد إسرائيل وبالتالي من الواضح أن الطاقة السلبية والموقف حيال كسيف هو ما أدى إلى الشروع بإجراءات العزل. في حينه عندما صدق الكنيست على تعديل قانون أساس الكنيست عام 2016 عارضت القانون بشكل واضح لأن عزل نائب من جانب سلطة تشريعية ليست قضائية أمر خطير ويهدف للمس بجمهور معين دون غيره وكان واضحا أنه جزء من أجندة قوى اليمين لعزل ممثلي الجمهور العربي على غرار قوانين أخرى على رأسها قانون القومية".

هناك قوانين تراقب عمل الأحزاب وتعمل على تقويضها قبل وصول تلك الأحزاب إلى الكنيست

يعد مسار عزل النائب عوفر كسيف أول مسار جدي منذ تشريع القانون، خاصة أنه بلغ مرحلة متقدمة بغض النظر عن احتمالاته النهائية في الهيئة العامة، لكن قانون العزل بحد ذاته سبق أن استخدم مرتين، في إحداهما حاول نواب عزل عضوة الكنيست السابقة عن التجمع الوطني الديمقراطي حنين زعبي، لكنهم لم ينجحوا في الحصول على توقيع سبعين نائبا، فيما بدأت خطوات لعزل النائب السابق عن التجمع باسل غطاس عام 2017 على أساس قرار تقديم لائحة اتهام ضده بتهم نقله هواتف لأسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، لكن إجراءات العزل توقفت بعد أن توصل غطاس إلى صفقة ادعاء بموجبها وافق على الاستقالة من الكنيست.

وفي حديث لـ"المجلة" تقول المحامية المختصة في مجال حقوق الإنسان عبير بكر التي ترافعت أمام المحاكم الإسرائيلية في عدد كبير من القضايا المتعلقة بالأحزاب العربية وممثليها في الكنيست: "إن استهداف المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل والأحزاب التي تمثلهم لم يبدأ بالتعديل القانوني الذي حدد عام 2016 شروط الإطاحة بأحد نواب الكنيست، وكان واضحا أنه موجه ضد النواب في الأحزاب العربية، بل قبل ذلك بكثير مع تشريع بند (7-أ) في قانون أساس الكنيست وإجراء تعديلات متواصلة ومتشعبة عليه، إذ يفرض القانون شروطا أساسية يجب على الأحزاب التزامها قبل خوض الانتخابات العامة وهي التزام بكون إسرائيل يهودية وديمقراطية وعدم تأييد الإرهاب".

Reuters
إحدى جلسات الكنيست بالقدس الغربية

وتقول بكر إن هذه البنود القانونية تعد شروطا للمشاركة في التمثيل البرلماني ورقابة واضحة على الطروحات السياسية للأحزاب قبل وصولها إلى الكنيست. وضمن الأمثلة التي ذكرتها بكر كان الالتماس الذي قدمه مركز "عدالة" الحقوقي عام 2003 ضد قرار إلغاء مشاركة حزب التجمع الوطني الديمقراطي في الانتخابات بحجة طرحه السياسي المبني على أساس أن إسرائيل يجب أن تكون دولة لكل مواطنيها. في حينه واجه فريق المحامين المحكمة بأدلة على أن الحزب لم يسع ضمن عمله البرلماني لسن قوانين تخالف ما ورد في (7-أ).

في المحصلة تقول بكر: "هناك قوانين تراقب عمل الأحزاب وتعمل على تقويضها قبل وصول تلك الأحزاب إلى الكنيست وهذا بحد ذاته يعيق أي تقدم للنواب في إطار تحقيق أجنداتهم السياسية أو السعي لتحقيقها، كما أن الكنيست فيه منظومات وقوانين داخلية تستغل في أحيان كثيرة لمنع طرح النواب العرب قوانين معينة تخص جمهور ناخبيهم وتتماشى مع أفكارهم السياسية وتصل أحيانا إلى منعهم من التعبير عن رأيهم من خلال فرض عقوبات عليهم لمدد متباينة وهذه الخطوات تؤثر في جمهور واسع منح صوته لتلك الأحزاب ونوابها".

برز تشريع القوانين التي تضيق مساحة حرية التعبير خلال العقد الأخير الذي تولى فيه نتنياهو رئاسة معظم الحكومات

أما الوسيلة الأخرى التي يلاحق من خلالها منتخبو الجمهور، خاصة ممثلي الأحزاب العربية، فهي الملاحقة الجنائية التي تصل إلى حد تقديم لائحة اتهام ضد نائب بسبب تصرف له خلال حدث معين أو مظاهرة كما هو الحال مع عوفر كسيف الذي يواجه لائحة اتهام بسبب الاعتداء على شرطي في جنوب جبل الخليل. في هذه الحالة التي بات فيها النائب يواجه المحاكمة أو العقوبات بسبب ما كان يعد ضمن "أداء مهماته"، تقول بكر إن الملاحقة والاستهداف وتجريم العمل السياسي يؤثر بشكل قوي في المواطنين العاديين الذين تزداد تساؤلاتهم عن الجدوى من الاحتجاج أو التعبير عن الرأي.

يتوافق المحاضر كريمنتسر والمحامية بكر على أن القوانين التي تستخدم بشكل أساسي ضد النواب العرب أو ممثلي الأحزاب العربية في الكنيست ترافقها في الأعوام الأخيرة سلسلة من القوانين والإجراءات التي تعزز الرقابة على المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل وتذكر من بينها:

قانون النكبة الذي يتيح للسلطات الرسمية وقف تمويل مؤسسات أو جمعيات تحيي ذكرى إنشاء إسرائيل على أساس أنها ذكرى النكبة الفلسطينية. وتقول بكر إن خطورة القانون لا تكمن في مجرد وقف الموازنة بل في الخطوات التي ترافق مناقصات المشاريع والشروط التي تواجهها المؤسسات من خلال التوقيع على التزام بعدم إحياء ذكرى النكبة.

قانون مقاطعة إسرائيل الذي يتيح فرض عقوبات مدنية ضد من يدعو إلى فرض المقاطعة على دولة إسرائيل والذي قررت المحكمة العليا في ردها على الالتماس المقدم ضده بأنه شرعي واكتفت بإلغاء بند ثانوي فيه.

برز تشريع القوانين التي تضيق مساحة حرية التعبير والتحرك السياسي خلال العقد الأخير الذي تولى فيه بنيامين نتنياهو رئاسة معظم الحكومات وزاد استخدام هذه القوانين في التعاطي مع المواطنين العرب في العامين الماضيين في مناح كثيرة من حياتهم، كما أن الحرب على قطاع غزة خلفت مئات الأمثلة لحالات الملاحقة والتحريض، وهو الأمر الذي من شأنه أن يثير انعكاسات وتداعيات في "تصرف" الأقلية العربية الفلسطينية حتى في أبسط الأحداث السياسية المقبلة كإحياء ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من مارس أو ذكرى النكبة التي تحييها الجماهير العربية في إسرائيل بالتزامن مع احتفال الإسرائيليين بيوم إقامة إسرائيل.

font change

مقالات ذات صلة