عشر سنوات على ضم القرم... الطريق إلى الحرب الأوكرانية- الروسية

في بداية العام الثالث للحرب: ما زالت شبه الجزيرة حجر الزاوية لأحلام بوتين الإمبراطورية

AFP
AFP
أسطول البحر الاسود إحدى نقاط الخلاف الرئيسة بين موسكو وكييف في صورة تعود الى 1992

عشر سنوات على ضم القرم... الطريق إلى الحرب الأوكرانية- الروسية

على عكس الصعوبات التي عانتها روسيا في تحقيق أهدافها المعلنة من حربها المستمرة على أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022، كانت عملية احتلال القرم قبل نحو عشر سنوات من أسلس عمليات الاحتلال في التاريخ، ضمن خطة محكمة سرية لم يدرك العالم طبيعتها إلا بعد الانتهاء منها عمليا من دون اللجوء إلى عملية عسكرية واسعة.

وفي ظل انشغال الحكومة المركزية في كييف بترتيب أمورها إثر الإطاحة بحليف الكرملين الرئيس فيكتور يونوكوفيتش أنجز "الرجال الخضر" مهمة احتلال القرم. وبعد أقل من شهر على "الانقلاب" في كييف، كانت الألعاب النارية تدوي في سماء موسكو وسيمفاروبل وسيفاستوبول احتفالا بضم القرم رسميا إلى روسيا.

أهمية القرم

تحظى شبه جزيرة القرم بأهمية جيوستراتيجية كبيرة لموقعها في البحر الأسود وإشرافها على مضيق كيرتش المنفذ إلى بحر آزوف حيث أهم موانئ تصدير المعادن من منطقة دونباس. وإضافة إلى موقعها، فإن شبه الجزيرة لها رمزية تاريخية كبيرة، فقد خاضت الإمبراطورية الروسية حروبا كثيرة بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر مع الإمبراطورية العثمانية للسيطرة عليها، والوصول إلى المياه الدافئة. وتعد شبه جزيرة القرم "واسطة العقد" في نوفوروسيا، وهو المصطلح الذي يطلقه القوميون الروس على جنوب شرقي أوكرانيا في المنطقة على شواطئ البحر الأسود وبحر آزوف الممتدة بين أوديسا مرورا بمقاطعات نيكولاييف وخيرسون وزاباروجيا وصولا إلى دونيتسك ولوهانسك شرقا.

وفي الحقبة السوفياتية كانت جمهورية القرم تتمتع بحكم ذاتي، وعانى سكانها الأصليون من تتار القرم في ظل حكم الزعيم يوسف ستالين الذي شرد مئات الآلاف من التتار إلى سيبيريا وكازخستان وأوزبكستان بعد اتهامهم بالخيانة والتعامل مع النازيين. ومع مرحلة "ذوبان الجليد" قرر الزعيم السوفياتي نيكيتا خوروشوف في 1954 إلحاق القرم إداريا بأوكرانيا مع استمرار تمتعها بالحكم الذاتي. ولم يحمل القرار حينها تغييرا جذريا في الواقع، فالحدود بين جمهوريات الاتحاد السوفياتي كانت مجرد حدود إدارية ضمن سيطرة مباشرة من موسكو، وربما من المنطقي أن تتبع القرم إداريا لكييف نظرا لعدم وجود حدود برية مع جمهورية روسيا الاشتراكية السوفياتية حينها.

رياح التغيير غير المواتية لروسيا هبت للمرة الأولى مع قرب انهيار عقد الاتحاد السوفياتي. ورغم وجود أغلبية من أصول روسية في القرم فقد قرر سكانها في استفتاء 1 ديسمبر/كانون الأول بفارق ضيئل (54 في المئة) الاستقلال مع بقية أوكرانيا، علما أن 92 في المئة في عموم أوكرانيا دعموا الانفصال عن الاتحاد السوفياتي في الاستفتاء المذكور.

بعد الثورة البرتقالية في 2004-2005 ازدادت مخاوف موسكو من خسارة أوكرانيا مع التوجهات الغربية لقادتها الجدد

عقدة أسطول البحر الأسود

وأقرت موسكو باستقلال أوكرانيا بحدودها الإدارية التي تضم القرم ذي الغالبية الروسية (حينها 57 في المئة من السكان). في المقابل برزت مشكلات أهمها مصير القواعد العسكرية للبحر الأسود، فميناء سيفاستوبول في القرم يعد قاعدة بحرية مهمة، وكان مقر أسطول البحر الأسود الروسي منذ الحقبة السوفياتية. وتجاوز الجانبان العقدة بحصول روسيا على القسم الأكبر من أسطول البحر الأسود، وحصلت روسيا على عقد إيجار للقاعدة إلى حين إتمام توسيع قاعدة نوفوروسييك وتحويلها إلى المقر الرئيس للأسطول الروسي. وفي ديسمبر/كانون الأول 1994 تعهدت روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا باحترام حدود أوكرانيا ما بعد الاتحاد السوفياتي، مقابل نقل أوكرانيا مخزونها الهائل من الأسلحة النووية من الحقبة السوفياتية إلى روسيا. وفي عام 1997 وقع البلدان معاهدة الصداقة والتعاون والشراكة وفيها تم التأكيد على أن شبه جزيرة القرم مرة أخرى أرض أوكرانية. واتفقت روسيا وأوكرانيا على بقاء الأسطول الروسي في سيفاستوبول حتى عام 2017.
وانصب تركيز موسكو على بقاء قاعدة أسطول البحر الأسود في سيفاستوبول، ولم يشكل هذا الموضوع مشكلة تؤرق موسكو حينها، فمن جهة استطاعت التوصل مع الحكومات المتتالية في كييف إلى حلول مرضية، وفي الوقت ذاته استمرت في دعم نفوذ ذوي الأصول الروسية في القرم. وبعد الثورة البرتقالية في 2004-2005 ازدادت مخاوف موسكو من خسارة أوكرانيا مع التوجهات الغربية لقادتها الجدد، وتعززت المخاوف بعد قمة بوخارست للناتو في 2008 حول ضم أوكرانيا للحلف. ووظفت روسيا كل طاقاتها من أجل منع توجه أوكرانيا نحو الناتو والاتحاد الأوروبي. 

AFP
فتاتان تلوحان لبحارة سفينة من اسطول البحر الأسود في سيفاستبول في أبريل 1992

وفي 2010 وبعد نجاح فيكتور يونوكوفيتش بالرئاسة بفضل أصوات الجنوب والشرق بالدرجة الأولى، مدد الطرفان اتفاق وجود أسطول البحر الأسود الروسي في سيفاستوبول حتى عام 2042، مقابل حصول أوكرانيا على الغاز الروسي بأسعار تفضيلية. كما سمح الاتفاق لروسيا بالاحتفاظ بنحو 25 ألف جندي في قاعدة سيفاستوبول، وكذلك الحفاظ على قاعدتين جويتين في شبه جزيرة القرم.

التوازنات الصعبة

حاول يانوكوفيتش طويلا تحقيق توازن بين روسيا والغرب. ومقابل الغموض الأوروبي في قبول أوكرانيا في حلف الناتو وإهمال مساعدتها ماديا للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة بعد 2008، وفرضها لاحقا شروطا للمضي باتفاق الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي بعدم الدخول في الاتحاد الاقتصادي الأورواسي الذي يقوده الكرملين، كانت موسكو منفتحة بشكل كبير ومستعدة لمد يد المساعدة للحفاظ على مصالحها.

في عام 2013، عانت أوكرانيا من التداعيات العالمية لتشديد السياسة النقدية الأميركية

وفي عام 2013، عانت أوكرانيا من التداعيات العالمية لتشديد السياسة النقدية الأميركية. وقفزت تكاليف الاقتراض لأوكرانيا من 7-8 في المائة إلى أكثر من 11 في المائة. وفي الوقت نفسه عندما لاحظ بوتين أن أوكرانيا تقترب أكثر من الاتحاد الأوروبي، قرر فرض عقوبات على الصادرات الأوكرانية، ما تسبب في مزيد من المشكلات للصناعات الأوكرانية المعتمدة على الصادرات إلى روسيا.
 وفي نوفمبر/تشرين الثاني حسم يانوكوفيتش قراره، وأرجأ التوقيع على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتوجه إلى روسيا التي عرضت على أوكرانيا في وقت لاحق من ذلك العام قرضا بقيمة 15 مليار دولار كمساعدات مالية وحسما بنسبة 33 في المئة على أسعار الغاز الطبيعي، لمساعدتها على تحمل شتاء ذلك العام، فضلا عن أن القرض يجنب كييف التخلف عن سداد ديونها، وقرر بوتين إعادة فتح السوق الروسية أمام المنتجات الأوكرانية.
ورغم "السخاء" الروسي، فقد اندلعت احتجاجات شعبية في العاصمة كييف يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، على خلفية إرجاء يانوكوفيتش توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وبعد مظاهرات استمرت لأسابيع، اضطر يانوكوفيتش لمغادرة البلاد في 22 فبراير/شباط 2014، ليتسلم السلطة من بعده سياسيون موالون للغرب.

الأناس المهذبون

كشفت التقارير الأوكرانية اللاحقة كثيرا حول ملابسات احتلال القرم وضمه من دون أي مقاومة تذكر. وأوضحت تقارير أن التحضيرات الروسية لاحتلال شبه الجزيرة بدأت باكرا منذ بداية أحداث ساحة "ميدان" في كييف. وحسب تحقيقات أوكرانية لاحقة زادت روسيا إمدادات الوقود والكيروسين منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2013 إلى القواعد الروسية في القرم بنحو أربعة أضعاف. ومنذ مطلع عام 2014 بدأت الحشد السري للجنود في هذه القواعد. 

في 25 فبراير 2014، بدأ الموالون لروسيا في الضغط على برلمان القرم لضم شبه الجزيرة إلى روسيا

ورفضت سلطات شبه جزيرة القرم المحلية دعم الحراك المعارض، وبدأت وسائل الإعلام الروسية الترويج بأن "الحركات النازية الأوكرانية" تقود أحداث "الميدان الأوروبي" بدعم غربي للإطاحة بيانوكوفيتش، وحذرت من نية "النازيين الجدد" استهداف المواطنين من أصول روسية. وفي 4 فبراير/شباط 2014، قررت هيئة رئاسة المجلس الأعلى في القرم بدء دراسة استقصائية على مستوى شبه جزيرة القرم حول وضع شبه الجزيرة "في ظروف الأزمة السياسية وحماس الجماعات القومية الفاشية للسلطة". 

AFP
"الرجال الخضر الصغار" أثناء تجمع في مدينة سيمفروبول في الأول من مارس 2014

وتسارعت الأحداث بعد الإطاحة بيانوكوفيتش وفراره إلى روسيا في 22 فبراير 2013. 
وكشفت سرعة تطور الأحداث عن حملة منظمة تنظيما دقيقا من موسكو قبل الإطاحة بيانوكوفيتش وفراره إلى روسيا، تحت ذريعة أن شبه جزيرة القرم تشهد انتفاضة داخلية ردا على الانتفاضة التي شهدتها كييف. 
 وفي 23 فبراير بدأ سكان شبه الجزيرة الموالون لروسيا، الذين لا يريدون الاعتراف بالحكومة الأوكرانية الجديدة، احتجاجا مفتوحا بالقرب من مبنى المجلس الأعلى لجمهورية القرم، ورفع المتظاهرون شعار فصل شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا. ونُظمت مسيرة في سيفاستوبول، تم خلالها انتخاب رجل الأعمال المؤيد لروسيا أليكسي تشالي عمدة للمدينة.
في 25 فبراير 2014، بدأ الموالون لروسيا في الضغط على برلمان القرم لضم شبه الجزيرة إلى روسيا. وطالب مئات منهم برلمان القرم، باتخاذ قرار استفتاء لإعلان استقلال القرم.
وفي اليوم التالي اجتمع برلمان الإقليم لبحث إجراء استفتاء على فسخ الروابط مع أوكرانيا، ولكن من دون الوصول إلى نتيجة بسبب عدم وجود النصاب الكافي للتصويت. 
وليلة 27 فبراير 2014، أقال النواب حكومة أناتولي موغيليوف، وعينوا زعيم حركة الوحدة الروسية المحلية، سيرغي أكسينوف، رئيسا جديدا للوزراء لجمهورية القرم المتمتعة بالحكم الذاتي، وقرروا الموافقة على الاستفتاء. وبالتزامن ظهر فجأة في وقت واحد وفي جميع أنحاء شبه الجزيرة أشخاص يرتدون البزات الروسية بلا علامات مميزة على متن عربات روسية بلا لوحات. فاحتلوا مطار سمفروبول أولا، ومطار بيلبِك العسكري ومرفأ العبارات فاي كيرتش.
وفي اليوم ذاته حدد المجلس الأعلى للجمهورية موعدا لإجراء الاستفتاء على وضع شبه جزيرة القرم، 25 مايو/أيار من نفس العام، ولاحقا تم تعجيله إلى 16 مارس/آذار. 
ولعب "الرجال الخضر" أو "الأناس المهذبون" الدور الأساسي في تنظيم احتلال شبه جزيرة القرم، وهم جزء من قوات العمليات الخاصة التي شكلتها روسيا في 2009، وتهدف إلى تحقيق أهداف سياسية واقتصادية، في أي نقطة جغرافية من العالم تهم الاتحاد الروسي. وليس من باب المصادفة إعلان يوم 27 فبراير/شباط من كل عام يوما للقوات الخاصة الروسية، بعدما حسمت الأوضاع بصمت ودقة حتى قبل الإعلان عن تفويض البرلمان الروسي الرئيس فلاديمير بوتين استخدام القوة العسكرية في الخارج مطلع مارس، منذ ذلك العام الذي شهد ضم القرم إلى روسيا.

انتهت المرحلة الساخنة من الحرب الأولى باتفاق مينسك نهاية 2014 بوساطة ألمانيا وفرنسا

استعصاء دونباس

بعد السيطرة على القرم، توجه كثير من القوميين الروس إلى دونيتسك ولوغانسك بحجة حماية الأقلية الروسية من هجمات "النازيين الجدد" في أوكرانيا، وشكل المواطنون من أصول روسية بدعم مباشر من موسكو "وحدات الحماية الشعبية"، وازدادت النزعات الانفصالية، وأعلن الانفصاليون بشكل أحادي في 11 مايو 2014 استقلال منطقتي لوغانسك ودونيتسك في حوض دونباس الذي تسكنه غالبية تتحدث اللغة الروسية، إثر استفتاء اعتبرته كييف غير قانوني، واندلعت الحرب بين الانفصاليين والجيش الأوكراني، وسيطر فيها الانفصاليون الموالون لروسيا على أكثر من نصف مساحة جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين، وانتهت المرحلة الساخنة من الحرب الأولى باتفاق مينسك نهاية 2014 بوساطة ألمانيا وفرنسا ولكن الجانبين لم يلتزما بها وظلت الحرب مشتعلة تحت الرماد، وأودت بحياة أكثر من 13 ألفا من الجانبين.

صراع مفتوح

بعد احتلال القرم وضمه، واصل الخطاب الرسمي والإعلامي الروسي التركيز على ضرورة دعم أبناء القومية الروسية والناطقين بالروسية في شرق وجنوب أوكرانيا. وفي الوقت ذاته، برزت سردية جديدة تنطلق من نفي وجود الدولة الأوكرانية قبل الحقبة السوفياتية. وعبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوضوح عن هذه الفكرة في خطاباته ومقالاته. 

AFP
دورية لجنود روس في سيفاستبول في 5 مارس 2014

وفي يوليو/تموز 2021 أكد بوتين في مقالة باللغتين الروسية والأوكرانية أن "السيادة الحقيقية لأوكرانيا ممكنة فقط بالشراكة مع روسيا"، وأن "أوكرانيا الحديثة هي نتاج خالص للحقبة السوفياتية، ونحن نعلم ونتذكر جيدا أنها قد تشكلت، في معظمها، على أراضي روسيا التاريخية"، وجدد انتقاد الشيوعيين وأكد على تصريحات سابقة في 2016 قال فيها إن أفكار مؤسس الدولة الشيوعية فلاديمير لينين "أدت إلى انهيار الاتحاد السوفياتي، وفعليا زرع هو ورفاقه قنبلة ذرية تحت مبنى يسمى روسيا، ثم فُجِّرَت فيما بعد بسبب هذه الأفكار، ومنها حق تقرير المصير". 
وزاد الحديث عن "نوفوروسيا" التي تضم جنوب وشرق أوكرانيا، وفي نهاية 2021 وبعد حشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا عرضت روسيا على الولايات المتحدة والناتو اتفاقا يتضمن ضمن بنوده انسحاب الحلف إلى حدود 1997، ما نقل الصراع على أوكرانيا إلى صراع مع الغرب. وفي مقدمة للحرب أعلنت روسيا الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانساك الانفصاليتين عن أوكرانيا في 22 فبراير 2022 وعشية الحرب وقعت اتفاقا أمنيا ودفاعيا مع الجمهوريتين، وبعدها بيوم شنت هجوما جويا وبريا شاملا من الشرق والشمال، إضافة إلى عملية إنزال على أحد مطارات مدينة كييف. 
وشهدت الحرب تقلبات كبيرة، فقد استطاعت أوكرانيا التصدي للهجمة الأولى وأحبطت محاولات احتلال كييف، لكن في الجنوب انطلق الجيش الروسي من القرم باتجاه خيرسون وفك الحصار المائي على شبه الجزيرة، وتقدم باتجاه نيكولاييف. وفي مايو أحكمت روسيا سيطرتها على مدينة ماريوبول وأمنت طريقا بريا بين دونباس والقرم. ومن الشمال تقدمت الدبابات الروسية نحو كييف عبر تشرنغهييف، ولكنها اضطرت للانسحاب بسبب الخسائر الكبيرة. واستطاعت روسيا والميليشيات المقربة منها احتلال كامل أراضي جمهورية لوهانسك. واستطاعت أوكرانيا في صيف وخريف 2022 استرجاع جزء من الأراضي التي احتلتها روسيا في خاركيف شرقي أوكرانيا، وفي نوفمبر 2022 اضطرت روسيا إلى الانسحاب من الضفة اليمنى (الغربية) من نهر دنيبر في مقاطعة خيرسون. 
وعلى عكس التغيرات الكبيرة في 2022 لم يشهد 2023 تطورات نوعية كثيرة على الجهات باستثناء احتلال باخموت التي تحولت إلى رمز للصراع بين رغبة روسية في تحقيق انتصار، ورغبة أوكرانية بتمجيدها كرمز للمقاومة والتضحية. 
وأجلت معركة باخموت الهجوم الأوكراني المضاد الذي كان مقررا في الربيع ولكنه تأخر إلى مطلع الصيف. وبعد أكثر من سبعة أشهر لم يحقق هذا الهجوم ما راهن عليه الأوكرانيون والغرب، وتحولت الحرب إلى معارك خنادق وحرب استنزاف بدا أن روسيا تكيفت معها بسرعة أكبر نظرا لفارق القوة البشرية والقدرة على تعويض الخسائر في المعدات العسكرية والذخائر بقدراتها الذاتية ومساعدة الحلفاء. 

بوتين: الحدود التي رُسمت بعد ثورة 1917 يمكن، بل ينبغي، أن يعاد رسمها

وفي المقابل، بات مصير أوكرانيا معلقا بالكامل على المساعدات الاقتصادية والعسكرية الغربية التي لم تعد كافية لتغطية النقص في الذخائر والمعدات. ورغم أن الدول الأوروبية تعهدت بمساعدة أوكرانيا حتى النهاية فإن الخطاب الأميركي تغير إلى دعم أوكرانيا قدر ما تستطيع واشنطن. وفي حال استمرار الأوضاع كما هي عليه حاليا فإن الرئيس بوتين سيكون الرابح الأكبر، فالغرب لم يستطع إلحاق "هزيمة استراتيجية" به، وبات أقرب من استعادة "نوفوروسيا" وتسجيل اسمه إلى جوار كاترينا الثانية التي استعادت المناطق المحاذية للبحر الأسود من الإمبراطورية العثمانية، وكذلك ملهمه الأول بطرس الأكبر. 
واتهم بوتين في خطاب أمام الجمعية البرلمانية في أبريل 2016 البلاشفة برسم حدود اعتباطية بين جمهوريتي أوكرانيا وروسيا السوفياتيتين، ثم إعطاء شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول لأوكرانيا في 1954، وشدد حينها على أن "الحدود التي رُسمت بعد ثورة 1917 يمكن، بل ينبغي، أن يعاد رسمها".

font change

مقالات ذات صلة