"الدب الروسي" متفائل بعد عامين على غزو أوكرانيا

العقوبات فشلت والاقتصاد تمكن من احتواء كبوته الأولى ويتجه في مسار تصاعدي

Laura Salafia
Laura Salafia

"الدب الروسي" متفائل بعد عامين على غزو أوكرانيا

قال الرئيس فلاديمير بوتين، في اجتماع لمجلس التنمية الإستراتيجية والمشاريع الوطنية عقد في أغسطس/آب 2023: "دعونا نكون صادقين، على الرغم من التوقعات المتشائمة التي قدمها ولا يزال يقدمها اليوم بعض الخبراء، ومعظمهم من الخبراء الغربيين بطبيعة الحال، أصبحت روسيا الآن في عداد أكبر خمسة اقتصادات في العالم".

وأشار إلى أن روسيا تجاوزت ألمانيا في الناتج المحلي الاجمالي وفقا لتعادل القوة الشرائية. فهل أصبح الاقتصاد الروسي أقوى من أي وقت مضى بعد مرور عامين على الغزو الشامل لأوكرانيا؟

هل العقوبات ناجحة؟

تسعى العقوبات الغربية على روسيا إلى إضعاف قدرة بوتين على مواصلة تمويل جهوده الحربية في أوكرانيا.

ووفقا للبنك الدولي ووزارة الخزانة الأميركية، شهد الاقتصاد الروسي انكماشاً يزيد على من 2.1 في المئة في عام 2022. لكن البيانات الأولية للسنة الفائتة تشير إلى أن سنة 2023 كانت جيدة بالنسبة إلى روسيا، إذ أعلن وزير التنمية الاقتصادية مكسيم رشيتنيكوف توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5 في المئة. وبما أن ذلك يفوق معدلات النمو قبل "كوفيد-19" التي بلغت 2.8 في المئة في سنة 2018 و2.2 في المئة في سنة 2019، فكيف تكون العقوبات ناجحة؟

أعتقد أن العقوبات تعمل بطريقة ما، لكن فشلنا يكمن في أن هناك حاليا كثيرا من التهرب منها في آسيا الوسطى، على سبيل المثل، وقد تمكنت روسيا من إعادة بناء قدرتها الصناعية الدفاعية

أليسيا كيرنز، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني

قالت أليسيا كيرنز رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني في مقابلة مع إذاعة ال "بي بي سي" في يناير/كانون الثاني 2024: "أعتقد أن العقوبات تعمل بطريقة ما، لكن فشلنا يكمن في أن هناك حاليا كثيرا من التهرب من العقوبات في آسيا الوسطى، على سبيل المثل. وقد تمكنت روسيا من إعادة بناء قدرتها الصناعية الدفاعية وهذا هو المجال الذي تبني فيه اقتصادها". وإلى جانب النهوض الذي يقدمه الإنفاق الدفاعي، ظلت أسعار النفط مرتفعة طوال معظم سنة 2023، مما ساهم في النمو الاقتصادي في روسيا.

إقرأ أيضا: بوتين أمام الشاشات الأميركية... العوالم التي لا تلتقي

في الأسابيع والأشهر الأولى من غزو أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، أنهت أكثر من 1000 شركة عالمية متعددة الجنسيات عملياتها في روسيا، وهو ما أثار الاعتقاد بأن العديد من الشركات الأخرى ستحذو حذوها. لكن بعد مرور ما يقرب من عامين على الغزو، لا تزال بعض الأسماء المعروفة جدا تعمل في البلاد، بل إنها توسع أعمالها لسد الفجوة التي خلفتها الشركات المغادرة. وقد نشرت مجلة "فورتشن" قائمة بنحو 400 من هذه الشركات في يوليو/تموز 2023، ضمت أسماء غربية بارزة مثل "بنيتون"، "نستله"، "شل"، و"فيليب موريس"، وغيرها.

وكانت شركة "فيليب موريس" قد تعهدت في البداية ببيع أعمالها في روسيا، لكن الرئيس التنفيذي جيسك أولتشاك اعترف في فبراير/شباط 2023 بأن ذلك كان أكثر تعقيدا مما يتوقعون. وقال، "لو كان لدي مشترٍ يمكنه تنفيذ المعاملات، لفعلنا ذلك - لكنه غير موجود... ولا يوجد امل... لذا أفضل الاحتفاظ بالأمر بأكمله".

Shutterstock
مركز الأعمال الدولي في العاصمة الروسية موسكو أثناء غروب الشمس

ووجد تقرير صادر عن مجموعة المجتمع المدني "بي فور يوكرين" (كونوا مع أوكرانيا) وكلية كييف للاقتصاد أن الشركات العالمية (بما فيها التي خرجت لاحقا) حققت أرباحاً تزيد على 14 مليار دولار أميركي في روسيا في سنة 2022 ودفعت ضرائب لا تقل عن 3.5 مليارات دولار أميركي لحكومة بوتين.

وذكر التقرير أيضا أن الشركات التي يوجد مقرها الرئيس في دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي كانت الأعلى دفعاً للضرائب على الأرباح بشكل تراكمي بين الشركات العالمية في روسيا في سنة 2022، مستأثرة بـ 16 من أكبر 20 شركة مساهمة في دفع الضرائب. ويقال إن ذلك ساهم في جهود بوتين الحربية ودعم الاقتصاد الروسي.

تمكنت روسيا أيضاً من تعزيز اقتصادها بالتوجه نحو الشرق. فنمت التجارة بين روسيا والصين بنحو 30 في المئة بين سنتي 2021 و2022 وبمقدار 27 في المئة بين سنتي 2022 و2023، لتتجاوز 200 مليار دولار أميركي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

يبدو للوهلة الأولى أن العقوبات قد فشلت. ويبدو أن الاقتصاد الروسي تمكن من النهوض من كبوته الأولية وفي اتجاه العودة إلى مسار تصاعدي

كما استثمرت الصين في مشاريع البنية التحتية الكبرى في روسيا، وأعربت عن اهتمامها بالتطوير المشترك لحقول النفط والغاز. وتضاعفت التجارة بين روسيا والهند بين يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول 2023، لتصل إلى 50 مليار دولار أميركي.

يبدو للوهلة الأولى أن العقوبات قد فشلت. ويبدو أن الحجج المذكورة أعلاه تشير إلى أن الاقتصاد الروسي تمكن من النهوض من كبوته الأولية والعودة إلى مسار تصاعدي.

الاقتصاد غير الظاهر للعيان

غير أن معظم المحللين يواصلون تجنب التوقعات المتفائلة في شأن روسيا. وذكرت وزارة الخزانة الأميركية أن الدول الأخرى المصدرة للنفط حققت نمواً أكبر بكثير مما حققته روسيا، وأن الاقتصاد الروسي تراجع بقدار يزيد على 5 في المئة عما كان ينبغي أن يكون عليه في ضوء توقعات ما قبل الغزو.

REUTERS
محافظة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، تتحدث لوسائل الإعلام في موسكو، 1 سبتمبر 2023

ألقت دراسة حديثة أجراها خبيران اقتصاديان روسيان نظرة أولية على إجمالي التجارة الروسية في سنة 2023. ووجد ألكسندر كنوبل من معهد غايدار للسياسة الاقتصادية وألكسندر فيرانشوك من الأكاديمية الروسية للاقتصاد الوطني، أن من المتوقع أن ينخفض إجمالي صادرات روسيا في سنة 2023 بمقدار 29 في المئة مقارنة بسنة 2022، ليعود إلى مستويات ما قبل كوفيد في سنة 2019. وأن الواردات ارتفعت بنحو 10 في المئة مقارنة بسنة 2022.

إقرأ أيضا: روسيا تخسر معركة البحر الأسود

ومع أن الاقتصاديين أشارا إلى الدور الرئيس الحالي للصين في التجارة الروسية، فإنهما كانا صريحين في شأن مستقبل هذه الشراكة، لأن الدول غير الصديقة لروسيا حالياً مهمة لاقتصاد الصين. وذكر كنوبل وفيرانشوك أن "اعتماد الصين على إمدادات السلع المصنعة من الدول غير الصديقة يفوق إلى حد كبير اعتمادها على واردات المواد الخام الروسية. لذا هناك أخطار من فرض عقوبات ثانوية تؤثر على التجارة المتبادلة بين الصين وروسيا، لا سيما إذا فرضت على شركات فردية".

لا يبدي ييغال شازان من موقع "جيوبوليتكال مونيتور" تفاؤلاً أيضاً في شأن أساس النمو المستقبلي في روسيا. فلا تزال البلاد تعاني من نقص العمالة وارتفاع أسعار الفائدة والتضخم. وهبط الروبل الروسي إلى مستوى متدنٍ بلغ 134 روبلا مقابل الدولار الأميركي في الأسابيع التي أعقبت الغزو في 24 فبراير/شباط 2022 مباشرة. ومع أنه استرد عافيته في وقت لاحق من سنة 2022 وأوائل سنة 2023، فقد انخفض إلى ما دون 100 في مقابل الدولار الأميركي في أكتوبر/تشرين الأول 2023. وفي أعقاب هذا الانخفاض، أمر الكرملين المصدّرين الروس في بعض القطاعات الرئيسة بتحويل معظم إيراداتهم بالعملات الأجنبية إلى الروبل.

300 مليار دولار احتياطات روسية مجمدة

ويبدو أن الضوابط على رأس المال نجحت في الوقت الحالي، إذ عاد الروبل إلى مستوى 89 مقابل الدولار الأميركي في أواخر يناير/كانون الثاني 2024. لكن الثقة في العملة الروسية تضررت بشدة ومن المتوقع حدوث مزيد من الانخفاض في وقت لاحق من هذا العام، لا سيما بعد انتهاء فصل الشتاء وتراجع صادرات الطاقة الروسية.

يتحدث كثير من السياسيين عن "الإرهاق من أوكرانيا" وتحول الأولويات إلى الصراع بين إسرائيل و"حماس". فهل يتعين على روسيا ركوب العاصفة وانتظار حدوث تغيير في الرئاسة الأميركية 

جُمدت احتياطات البنك المركزي الروسي، التي تفوق 300 مليار دولار أميركي، في الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع الأخرى. وقالت النائبة أليسيا كيرنز في مقابلتها مع الـ"بي بي سي"، "يجب ألا تؤدي الأصول الروسية المجمدة إلى هزيمة روسيا فحسب، وإنما إلى إعادة بناء أوكرانيا أيضاً". ووسط الأحاديث عن احتمال مصادرة الأصول، كانت السلطات الروسية صريحة في كلامها. فقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين في ديسمبر/كانون الأول 2023 إن روسيا ستطعن لدى المحاكم في أي مصادرة وستتخذ إجراءات مماثلة، و"ستقوّض ثقة الدول الأخرى في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضاً بصفتهما ضامنين للاقتصاد. لذا فإن هذه الإجراءات محفوفة بعواقب خطيرة للغاية. وإذا صودر منا شيء فسننظر في ما سنصادره". وزعمت الحكومة الروسية أن لديها مقدارا مماثلا من الأصول الأجنبية في الحسابات الروسية، لكن لم يتم التحقق من ذلك بشكل مستقل.

يقول محللون في الحكومة الأميركية إن التوقعات الخاصة بالاقتصاد الروسي في وضعه الحالي قاتمة على المدى الطويل. فصافي الاستثمار الأجنبي المباشر في روسيا سلبي منذ فبراير/شباط 2022، وفقا لوزارة الخزانة الأميركية، كما أن تزايد هجرة الأدمغة وتراجع إمكان الوصول إلى الابتكارات الجديدة، وهما محركان للنمو على المدى الطويل، يعنيان أن أساس الاقتصاد الروسي يتزايد ضعفا.

الانتخابات والمستقبل؟

في الوقت نفسه، يتحدث كثير من السياسيين عن "الإرهاق من أوكرانيا" وتحول الأولويات إلى الصراع بين إسرائيل و"حماس". فهل يتعين على روسيا ركوب العاصفة وانتظار حدوث تغيير في الرئاسة الأميركية أو مزيد من الحكومات الشعبوية في أوروبا؟

EPA
إعلان الانتخابات الرئاسية الروسية على إحدى البوابات في منطقة يامالو نينيتس، 20 فبراير 2024

لا يتوقع محللو السياسة الخارجية أن تحدث الانتخابات في 2024 في أي اضطرابات في روسيا. ويبدو أن غالبية الروس الذين يعارضون الحرب في أوكرانيا يفضلون مغادرة البلاد، بدلاً من محاولة التحريض على أي تغيير في الداخل. من جهة أخرى، ينظر بعض الأشخاص إلى أن إظهار بوتين للثقة يدل على مدى حاجته إلى استمرار اعتقاد مواطنيه بأن الأمور تسير على ما يرام، على الرغم من احتمال انفجار تلك الفقاعة.

للمزيد إقرأ: روسيا 2024... بوتين لولاية خامسة وآمال بحسم "حرب أوكرانيا"

لا يمكنك مقارنة سعر تذكرة ركوب قطار عالي السرعة ومريح في ألمانيا بسعر السفر في قطاراتنا الكهربائية المتهالكة في روسيا

الاقتصادي فياتشيسلاف شيرياييف

وفي العودة إلى ادعاء بوتين بأن روسيا تفوقت على ألمانيا في الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لتعادل القوة الشرائية، قال الاقتصادي فياتشيسلاف شيرياييف لقناة معارضة روسية على الإنترنت إن هذا المؤشر لا يرمي إلى مقارنة دول مثل روسيا وألمانيا. وأوضح: "لا يمكنك مقارنة سعر تذكرة ركوب قطار عالي السرعة ومريح في ألمانيا بسعر السفر في قطاراتنا الكهربائية المتهالكة في روسيا، ولكن ذلك هو ما يفعله في الأساس الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لتعادل القوة الشرائية".

AP
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الوسط يتحدث إلى جندي أثناء زيارته لمركز تدريب عسكري في المنطقة العسكرية الغربية، بينما يقف وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو على اليمين، 20 أكتوبر 2022

وقال إن أفضل المؤشرات هي الناتج المحلي الإجمالي، حيث ظلت روسيا في المركز الثامن عالمياً، خلف ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا، فضلاً عن نصيب الفرد من إجمالي الناتج، حيث لا يظهر الاتحاد الروسي حتى ضمن الخمسين دولة الأولى. وعقد شيرياييف مقارنة ساخرة، "ذلك شبيه بتصنيع سيارة زاباروجتس ضخمة"، مشيرا إلى طراز سيارة سوفياتية قديمة وغير موثوق بها، "ثم القول 'إن سيارتنا الضخمة من طراز زاباروجتس أفضل من سيارتكم المرسيدس'، مستندا في استنتاجك إلى كمية المعدن في السيارة. هذا ما يفعله بوتين".

font change

مقالات ذات صلة