شركات الطيران الروسية تربط أحزمة الأمان... حتى الآن

كيف تأثرت بالحرب الأوكرانية وماذا قطع الغياروالأسعار فيما "التركية" المستفيد الأكبر

REUTERS
REUTERS
طائرة ركاب تابعة لشركة إيروفلوت - الحطوط الجوية الروسية، تهبط في مطار موسكو الدولي، 12 مارس 2022.

شركات الطيران الروسية تربط أحزمة الأمان... حتى الآن

بعد ثلاثة أيام فقط على غزو روسيا لأوكرانيا، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أن الطائرات الروسية لم تعد موضع ترحيب في أجواء أوروبا. وقالت أورسولا فون دير لاين في 27 فبراير/شباط 2022: "إننا نغلق المجال الجوي للاتحاد الأوروبي أمام الطائرات التي تمتلكها روسيا أو المسجّلة في روسيا أو التي تسيطر عليها روسيا". ومع أن التأثير المباشر اتضح للمسافرين والركاب على المدى القصير، فإن ما لم يكن يتوقّعه الكثيرون هو أن يستمر الحظر، وتستمر الآثار الأخرى الناجمة عن حرب أوكرانيا، لعامين تقريباً. لذا كان عليهم إعادة جدولة سفرهم أو إيجاد خيارات بديلة. فكيف أثّرت عواقب الغزو الروسي لأوكرانيا على شركات الطيران في كل أنحاء العالم؟

المطارات وشركات الطيران الروسية

فور بدء الغزو، اتخذت روسيا قراراً بإغلاق العديد من المطارات في الجنوب الشرقي لقربها من منطقة الحرب. وأعلنت الوكالة الاتحادية للنقل الجوي (روس أفيستيا) في البداية أن الإغلاق سيستمر حتى 2 مارس/آذار 2022 ويشمل المطارات في أنابا، وبيلغورود، وبريانسك، وإليستا، وغيلنجيك، وكراسنودار، وكورسك، وليبتسك، وروستوف أون دون، وسيمفيروبول، وفورونيز. وقد تراجع التفاؤل الأولي قليلاً عندما أرجئ تاريخ انتهاء الإغلاق أسبوعاً، ثم أسبوعين. لكن الواقع فرض نفسه عندما ذكرت الوكالة الاتحادية للنقل الجوي أن المطارات لن تفتح حتى نهاية سنة 2022 على الأقل. وفي آخر تطوّر على هذا الصعيد، قال حاكم إقليم كراسنودار، فينيامين كوندراتييف، إنه سيُعاد فتح المطارات في 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، لكن وزارة الدفاع أوضحت في وقت لاحق أنها نقضت هذا القرار.

مُنحت المطارات مخصّصات حكومية لتغطية التكاليف التشغيلية غير المباشرة، ولكن من الطبيعي بأن ذلك ليس حلاً مستداماً. ويذكر آخرون أن شركات إدارة المطارات تكون عادة جزءاً من شركة قابضة، وأنها عدّلت تكاليفها خلال الأزمة. وقال أوليغ بانتاليف، المدير التنفيذي لمؤسّسة البحوث أفيابورت: "يمكنهم تقليل التأثير السلبي بإجراء مناقلات لموظفيهم، وإرسال العاطلين عن العمل من مطار إلى آخر".

ثمة أثر رئيس آخر للعقوبات على شركات الطيران الروسية هو الحدّ من إمدادات قطع الغيار للطائرات المصنوعة في أوروبا والولايات المتحدة

تمكّنت شركات الطيران الروسية من إنهاء سنة 2022 بنجاح من حيث الأرباح، لكن ذلك يرجع إلى الدعم الحكومي بشكل رئيس. وذكرت وكالة "إنترفاكس" أن إيرادات شركات الطيران الروسية انخفضت بنسبة 13 في المئة على العموم، مع انخفاض في التكاليف بنسبة 3 في المئة فحسب. وقد تدخّلت الحكومة الروسية بتقديم إعانات تبلغ 172.3 مليار روبل روسي، منها نحو 100 مليار مخصّصة لمن يقومون برحلات جوية داخلية. ويعادل ذلك بسعر الصرف في ديسمبر/كانون الأول 2023 نحو 1.6 مليار و900 مليون دولار أميركي على التوالي. وفي الربع الأول من سنة 2023، ارتفع عدد التذاكر المبيعة بنسبة 4.5 في المئة، مقارنة بالربع الأول من سنة 2022، الذي شمل الفترة التي أعقبت بدء الحرب مباشرة.

AFP
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلتقي مع المدير العام لشركة الخطوط الجوية الروسية "إيروفلوت" سيرجي ألكسندروفسكي، في الكرملين في موسكو، 29 ديسمبر 2023.

ثمة أثر رئيس آخر للعقوبات على شركات الطيران الروسية هو الحدّ من إمدادات قطع الغيار للطائرات المصنوعة في أوروبا والولايات المتحدة. ومن الطرق التي وجدتها الحكومة الروسية لتخفيف هذا الخطر - أو تأجيله إلى أقصى حدّ ممكن على الأقل - مصادرة وإعادة تسجيل طائرات الشركات الأخرى التي علقت في روسيا بعد غزو أوكرانيا وما أعقبه من إغلاق للمجالات الجوية. فقد بقي في روسيا في ذلك الوقت أكثر من 400 طائرة من شركات تأجير غربية تبلغ قيمتها نحو 10 مليارات دولار أميركي، واستخدمت روسيا لغة شديدة اللهجة في البداية ثم عرضت استخدام أموال حكومية لشراء الطائرات، ربما لعلمها أن هذه الصفقة لن تحظى بالقبول البتة، في ظل العقوبات.

وقد وردت تقارير لوكالة "رويترز" أيضاً تفيد بأن قطع غيار تفوق قيمتها 1.2 مليار دولار أميركي وصلت إلى روسيا من الدول الغربية عبر وسطاء في دول من بينها طاجيكستان ودولة الإمارات العربية المتحدة وتركيا والصين وقيرغيزستان، بين مايو/أيار 2022 ويونيو/حزيران 2023. ووضعت السلطات المحلية خططاً للإنتاج المحلي للطائرات أيضاً، وتتوقّع أن تتمكّن من الاستغناء عن شركتي "بوينغ" و"إيرباص" بالكامل في حلول سنة 2030. لذا يبدو أن هذا العامل لن يعطّل شركات الطيران الروسية عما قريب.

الخطوط الجوية التركية رفعت عدد مقاعد الطائرات المتوجّهة إلى روسيا بنسبة 300 في المئة في يونيو/حزيران 2023 مقارنة بالشهر نفسه عام 2019

استمرار تحليق الطيران البيلاروسي والتركي والصربي

أوقفت معظم شركات الطيران الأوروبية والأميركية رحلاتها إلى روسيا بعد الغزو والعقوبات التي أعقبته. لكن هناك بعض الاستثناءات. إذ تواصل شركة "بيلافيا" من بيلاروسيا الحليفة رحلاتها المنتظمة. وتسيّر الخطوط الجوية الصربية رحلات إلى أربع وجهات روسية، وتقدّم شركتا طيران تركيتان – الخطوط الجوية التركية و"بيغاسوس" – خدمات لسبع وجهات. بل إن الخطوط الجوية التركية رفعت أخيراً سعة رحلاتها من روسيا وإليها، بإعادة تشكيل طائرات بوينغ 777-300ER لزيادة مقاعد الدرجة الاقتصادية بدلاً من درجة الأعمال. فقد أصبح جلب السيّاح الروس إلى الوجهات التركية نشاطاً تجارياً كبيراً في سنتي 2022 و2023، بعدما لم تعد الوجهات الأوروبية متاحة أمامهم منذ الحرب. وأشارت التقارير إلى أن الخطوط الجوية التركية رفعت عدد مقاعد الطائرات المتوجّهة إلى روسيا بنسبة 300 في المئة في يونيو/حزيران 2023 مقارنة بشهر يونيو/حزيران 2019.

لم تكن شركات الطيران الآسيوية متشدّدة في قيودها المتعلّقة بالسفر من روسيا وإليها. لكن الخطوط الجوية اليابانية استثناء ملحوظ، إذ ألغت رحلاتها إلى موسكو وفلاديفوستوك بعد الغزو مباشرة. وأعلنت الخطوط الجوية السنغافورية تعليق رحلاتها من موسكو وإليها في 28 فبراير/شباط 2022، وأغلقت مكتبها في العاصمة الروسية في مايو/أيار 2023.

إطالة وقت السفر بين دول أخرى

لم يقتصر التأثير على كثير من هذه الشركات على خسارة الأعمال من روسيا وأوكرانيا وإليهما فحسب. فقد اضطرت إلى رسم طرق بديلة لتجنّب المجال الجوي لهذين البلدين، وأدى ذلك في بعض الأحيان إلى التفكير في إطالة وقت السفر. على سبيل المثل، تزيد المدّة التي تستغرقها رحلات الخطوط الجوية البريطانية بين لندن وطوكيو الآن ساعتين عما كانت عليه قبل الحرب، مما أدّى إلى تمديد الرحلة التي كانت تستغرق 12 ساعة في السابق إلى نحو 14 ساعة. وتشعر شركة الطيران الفنلندية والخطوط الجوية اليابانية بوطأة هذا الأمر باضطرارهما إلى الطيران فوق المحيط المتجمّد الشمالي لاجتناب روسيا – تزيد المدّة التي تستغرقها الرحلة من هلسنكي إلى طوكيو الآن 4 ساعات عما كانت عليه قبل غزو أوكرانيا.

إن شركات الطيران الغربية التي لا تحلّق فوق الأراضي الروسية تعاني من وضع مالي غير مؤات. فالمجال الجوي الروسي يشمل معظم القسم الشمالي من العالم

الرئيس التنفيذي لشركة "إيرو كُنسلتِنغ إكسبرتس" روس أيمر

في غضون ذلك، زادت روسيا الرسوم المفروضة على شركات الطيران التي استمرّت في استخدام مجالها الجوي. وأصبح على شركات الطيران مثل طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية والخطوط الجوية التركية والعديد من الشركات الصينية أن تدفع رسماً يزيد 20 في المئة للطيران فوق روسيا منذ يونيو/حزيران 2023، في خطوة اتخذها الكرملين لزيادة الإيرادات. وتفيد التقارير بأن الدولة الروسية كانت تجني نحو 1.7 مليار دولار أمريكي سنوياً من رسوم التحليق فوق أراضيها قبل الحرب، وبأن هذا المبلغ شهد انخفاضاً كبيراً بعد فبراير/شباط 2022.

ارتفاع التكاليف والأسعار وخسائر أميركية

يتحمّل المستهلكون، في معظم الأحيان، ارتفاع أسعار الوقود والتكاليف الأخرى التي تتكبّدها شركات الطيران نتيجة هذه العواقب الناجمة عن حرب أوكرانيا. وقد ذكرت مصادر إخبارية كندية في أوائل سنة 2023 أن سعر تذكرة طيران كندا للذهاب من فانكوفر إلى هونغ كونغ ارتفع بنسبة 41 في المئة بين يناير/كانون الثاني 2019 ويناير/كانون الثاني 2023، في حين ارتفع سعر التذاكر من تورونتو إلى دلهي بنسبة 47 في المئة. من ناحية أخرى، تمكّنت شركات مثل "كاثاي باسيفيك"، والخطوط الجوية الكورية، والخطوط الجوية الهندية - التي تسيّر رحلات من آسيا إلى كندا باستخدام المجال الجوي الروسي - من توفير تذاكر أقل تكلفة خلال هذه الفترة الزمنية. وقال روس أيمر، الرئيس التنفيذي لشركة "إيرو كُنسلتِنغ إكسبرتس"، "إن شركات الطيران الغربية التي لا تحلّق فوق الأراضي الروسية تعاني من وضع مالي غير مؤات. فالمجال الجوي الروسي يشمل معظم القسم الشمالي من العالم".

كان لهذا الوضع أثر سلبي على شركات الطيران الأميركية أيضاً. وقدّرت "إيرلاينز فور أميركا"، وهي مجموعة صناعية تشمل القطاع، أن شركات الطيران الأميركية تخسر نحو 2 مليار دولار أميركي سنوياً منذ بداية الغزو، وأشارت إلى تعليق بعض المسارات المخطّط لها بسبب الحظر.

في غضون ذلك، يبدو أن شركات الطيران الأوروبية قد تكيّفت مع الوضع وحظيت بعام جيد نسبياً. وذكر الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) في ديسمبر/كانون الاول 2023 أن شركات الطيران الأوروبية ستنهي سنة 2023 بأداء مالي أفضل من المتوقّع. وينتظر أن يستمر الطلب القوي على السفر الجوي في سنة 2024 أيضاً. وبالأرقام، يتوقّع "إياتا" أن تحقّق شركات الطيران الأوروبية ربحاً صافياً قدره 7.7 مليارات دولار أميركي في سنة 2023 مقارنة بـ 4.1 مليارات دولار أميركي فقط في سنة 2022، ويتوقّع أن يبلغ صافي الربح 7.9 مليارات دولار أميركي في سنة 2024. وهذا يعادل هامش ربح صافياً قدره 3.5 في المئة في سنة 2023 و3.3 في المئة في سنة 2024.

طائرة تابعة للخطوط الجوية الأوكرانية Embaer ERJ-190LR تقلع من مطار ريجا الدولي لاتفيا، في 15 مارس 2019.

لكن لا يزال من المتعذّر التنبّؤ بالأمور سياسياً، لذا يجب عدم الوثوق تماماً بأي توقّعات في شأن سنة 2024. أما أفضل نصيحة نقدّمها الى شركات الطيران والركاب الذين يرغبون في السفر في السنة الجديدة، فهي ربط أحزمة الأمان والأمل بحدوث الأفضل!

font change

مقالات ذات صلة