حنان بلخي تتحدث لـ "المجلة" عن "وصفة النجاح" ودورها الجديد في "الصحة العالمية"

قالت في أول حوار منذ توليها منصبها الجديد إن "نجاح الفرد لا يتعلق بنوعه بل بالفرد نفسه"

Courtesy of Dr Hanan El Balkhy
Courtesy of Dr Hanan El Balkhy
الدكتورة حنان حسن بلخي

حنان بلخي تتحدث لـ "المجلة" عن "وصفة النجاح" ودورها الجديد في "الصحة العالمية"

في شهر فبراير/ شباط، التقت "المجلة" الدكتورة حنان حسن بلخي، المديرة الإقليمية الجديدة لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، للاستماع إلى مسيرتها المهنية الناجحة وأولويات دورها، مع دخول حرب غزة شهرها الخامس على التوالي.

وشاركت الدكتورة حنان بلخي "المجلة" آراءها حول أخلاقياتها في العمل، وشرحت الفترة التي كانت الأصعب في حياتها المهنية، وتطرقت إلى التوازن بين الحياة والعمل، والصور النمطية عن العالم العربي في الغرب.

الدكتورة حنان بلخي طبيبةٌ سعوديةٌ بالممارسة. وقد نشأت وترعرعت في طفولتها في الولايات المتحدة الأمريكية، وعادت عائلتها إلى المملكة العربية السعودية حيث أكملت تعليمها الابتدائي والثانوي. وتَخَرَّجت في كلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز عام 1992.

وبين عامَي 1993 و1996، عملت الدكتورة حنان بلخي طبيبة أطفال مُقيمة بمستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن. وفي الفترة من 1996 إلى 1999، حصلت على درجة الزمالة في الأمراض المُعدية لدى الأطفال من خلال البرنامج المشترك للأمراض المُعدية لدى الأطفال الذي تقدمه مؤسسة كليفلاند كلينيك ومستشفى رينبو للأطفال والرُّضَّع. ورَكَّزَت أبحاث زمالتها على دراسة الاستجابات المناعية للسموم الداخلية الناجمة عن الإصابة بالسالمونيلافي نماذج الفئران بإشراف البروفيسور فريدريك هاينزل. وعملت الدكتورة حنان مديرةً تنفيذيةً للوقاية من العدوى ومكافحتها في وزارة الحرس الوطني بالمملكة العربية السعودية عشر سنوات.

وتَولَّت الدكتورة حنان قيادة قسم أبحاث الأمراض المُعدية في مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاثالطبيةالتابع لجامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية بالرياض، وعَمِلت أيضًا رئيسة تحرير لمجلة "العدوى والصحة العامة" بين عامَي 2009 و2019.

ومن خلال دورها مع منظمة الصحة العالمية، فإن الدكتورة حنان بلخي عضوة في العديد من اللجان المعنية بمقاومة مضادات الميكروبات، ومنها مجموعة التنسيق المشتركة بين الوكالات التابعة للأمم المتحدة والمعنية بمقاومة مضادات الميكروبات (IACG). كما أن الدكتورة حنان بلخي زميلةٌ مرموقةٌ في الجمعية الأوروبية لعلم الأحياء الدقيقة السريرية والأمراض المُعدية.

الفترةُ الأكثر تحديًا في مسيرتي المهنية كانت في عام 2015، أثناء تفشِّي فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية

  • كيف تميزتِ عن الآخرين فوصلتِ إلى هذه المكانة المرموقة؟

-منظمةُ الصحةِ العالميةِ قِبلةُ معظم العاملين في المجال الصحي، والعمل فيها طموحُ أي منهم. لكن هذا ليس كافيًا وحده. فالعملُ مع منظمة الصحة العالمية يتطلب قدرًا كبيرًا من التفاني، إذ يتجاوز نطاقه مجرد الجوانب التقنية ليشمل التحديات السياسية والتشغيلية. ولعل سبب تقدمي الأكثر سلاسة داخل منظمة الصحة العالمية، مقارنةً ببعض أقراني، إلى حدٍّ كبيرٍ،يرجع إلى مشاركتي العميقة واهتمامي الشديد بعمل المنظمة. فعلى مدى 15 عامًا، عَمِلتُ في 15 لجنة مختلفة على الأقل، وأمضيتُ عقدًا من الزمن في قيادةِ أحد المراكز المتعاونة مع منظمة الصحة العالمية. وكان لذلك المركزمساهماتٌ كبيرة في وضع العديد من المبادئ التوجيهية وتنفيذ حلقات العمل التدريبية التي عقدتها المنظمة. إن هذه المشاركة المبكرة والواسعة النطاق في عمل منظمة الصحة العالمية جعلتني شريكةً لمنظمة الصحة العالمية منذ مرحلةٍ مبكرةٍ جدًّا من مسيرتي المهنية، وهو ما مَهَّدَ الطريقَ لانتقالٍ أكثرَ سلاسة إلى هياكلها الرسمية.

Courtesy of Dr Hanan El Balkhy
الدكتورة حنان حسن بلخي

  • من أجمل ما قرأت عنكِ قولك إن العاملَ الأكثرَ أهميةً في تحديد نجاح الفرد في وظيفته لا يتعلق بالنوع الاجتماعي أو الجنسية، بل بالفرد نفسه أو نفسها.

- بلا ريب. فمن الأهميةِ بمكانٍ أن أقول إن نهجي في حياتي المهنية كان دائمًا محايدًا بين الجنسين. ولا أتوقع أبدًا معاملةً تفضيليةً أو تمييزًا أو فقدانًا للأهلية بسبب نوعي الاجتماعي. إن اهتمامي مُوجَّهٌ بقوةٍ نحو المهمة التي بين يديَّ، وألتزمُ بالعملِ بجدٍّ لبلوغِ أعلى مستويات الجودة. فإذا حققتُ ما أصبو إليه كان كل شيء على ما يُرام، لكنني لا أشعر بالاستياء، ولا أرى نفسي ضحيةً، إذا لم تتوافق النتائج مع توقعاتي. ويكمن الجوهر في الالتزام بالعمل الذي بين أيدينا والسعي لتحقيق الفعالية، بغضِّ النظر عن هوية الفرد أو موقعه.

  •  ما التحدي الأكبر الذي واجهتِهِ في مسيرتِكِ المهنية حتى الآن؟

- أعتقد أن الفترةَ الأكثرَ تحديًا في مسيرتي المهنية كانت في عام 2015، عندما توليت القيادة في مؤسستنا في الرياض بالمملكة العربية السعودية أثناء تفشِّي فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.  ولذلك، وكأيِّ شخصٍ يشغل مثل منصبي الفني في مجال الوقاية من العدوى ومكافحتها، وجدتُ نفسي في طليعة التصدي لتفشي المرض إذ يُنتظَر من عملنا أن يحقق الوقاية من مثل تلك الفاشيات، وأن يحد منها ويقضي عليها. ومما زاد من درجة التحدي طبيعةُ فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وهو فيروس وثيق الصلة بفيروس "كوفيد-19" الذي بات الآن أكثرَ انتشارًا، والمعروفُ بأنماطه السلوكية الفريدة وخصائصه الوبائية. وقد استلزم هذا بذل جهدٍ كبيرٍ من جهتي لضمان وجود استراتيجيات فعالة للقيادة والتدخل لوقف سلسلة انتقال العدوى. لقد شعرتُ بإحساسٍ عميقٍ بالمسؤولية لضمان اتساق استجابتنا  وفعاليتها. وبالنظر إلى أن هذه الفاشية كانت كبيرة وتمثِّل ثانية أكبر فاشية في المملكة العربية السعودية، فقد شعرتُ بإحساسٍ عميقٍ بالفخرِ بالاحتواء الناجح الذي تحقَّقَ من خلال التعاون الاستثنائي والقيادة داخل منظمتنا، مما أدى إلى حلٍّ سريعٍ للأزمة.

التوازن بين العمل والحياة لا يحدث بنسبة 50-50 كل يوم، وكل شهر، بل يتعلق بالتنقل عبر متطلبات الحياة بمرونة

  • ما أخلاقيات العمل الراسخة التي تؤمنين بها شخصيًّا، والتي أدت إلى نجاحك في حياتك المهنية؟

- أعتقدُ أن حجر الزاوية للنجاح يكمن حقًّا في فهم جوهر عملك وتقييمه. فالنجاحُ ليس مجرد انعكاس للرتب القيادية التي  تصل إليها، بل هو تأثيرُ جهودك ونتائجها. وعندما تتفوق في دورك، فمن الطبيعي أن تصبح الشخصَ المناسب لإدارة التحدياتِ الأكثر تعقيدًا. ويدور أساس أخلاقيات العمل القوية حول الفهم العميق لمسؤولياتك، والاهتمام الدقيق بالتفاصيل، والمثابرة. علاوة على ذلك، فإنني أؤكد باستمرار للمتدربين أمرين آخرَين، هما: أهمية التواصل الواضح، سواء كان كتابةً أم شفاهةً، وحتى بلغة الجسد؛ ومهارات الكتابة. لما لهما من أهميةٍ بالغةٍ في نوع عملنا، خاصةً داخل منظمة الصحة العالمية.

  • هناك بعض المفاهيم والصور النمطية في الغرب عن العالم العربي، فما أكبر صورة نمطية عن عالمنا تريدين التخلص منها؟

- توجد صورة نمطية شائعة مفادها أن هناك نقصًا في الأفراد المؤهلين الذين يهتمون بالتفاصيل ولديهم مهارات اتصال قوية، سواء شفهيًا أو كتابةً. وقد يرجع هذا التصور جزئيًّا إلى التقييمات المستندة إلى قدرات الأفراد في التواصل باللغة غير الأساسية.

  •  بوصفك امرأةً ناجحةً، هل يوجد توازن بين العمل والحياة؟

- نعم، هذا سؤال مهمٌّ جدًّا. ويجب أن يكون هناك توازنٌ بين العمل والحياة دائمًا، وينطوي تحقيق هذا التوازن على تحديد الأولويات. فقد كانت في حياتي أوقات كانت الالتزامات المهنية فيها تتطلب الأولوية، وتستلزم جهدًا مُركزًا لإنجاز مهامَّ محددةٍ، تليها مراحل يمكنني فيها تحويل اهتمامي إلى حياتي الشخصية. وهناك أوقات كان عليَّ فيها إعطاء الأولوية لمرض طفلي أو مرض والدتي أو نفسي، على سبيل المثال. لذلك يتعلق الأمر بتحديد الأولويات. إذن، التوازن بين العمل والحياة لا يحدث بنسبة 50-50 كل يوم وكل شهر، بل يتعلق بالتنقل عبر أولويات متطلبات الحياة بمرونة. لذلك، وفي أثناء المضي في الحياة المهنية، يجب أن يكون هناك قدرٌ كبيرٌ من الاستثمار في مكان العمل، ولكن لا يجوز أن يعني ذلك بأي حال من الأحوال عدم اعتنائكِ بنفسكِ أو بأطفالكِ أو بأحبائك.

تلتزم منظمة الصحة العالمية التزامًا عميقًا بتقديم الدعم للفلسطينيين على الأرض، وبذل كل جهد ممكن للوصول إلى المرافق الصحية والمرضى المحتاجين

  • ما أولويات منظمة الصحة العالمية للإقليم في عام 2024؟

-  تتمثل أولويات منظمة الصحة العالمية في تعزيز الصحة وضمان حصول الجميع على الرعاية الصحية في كل مكان. وكانت هذه الرؤية نقطة رئيسة في حملتي. وتتضمن استراتيجية تحقيق هذه الأهداف تحسين إمكانية الحصول على الرعاية الصحية وتعزيز القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية. وينَصَبُّ تركيزي للإقليم في عام 2024على ضمان إنشاء المكونات الضرورية، ومواءمة أفرقة العمل لتحقيق أفضل استفادة من مواردنا الحالية. ويشمل ذلك إقامة تعاون فعَّال مع شركائنا والدول الأعضاء لتحقيق أولوياتنا وهي: تسهيل الحصول على الرعاية الصحية، والحد من حالات الطوارئ الصحية، والنهوض بالصحةِ العامةِ وترصُّد الأمراض والوقاية منها، وتعميق شراكاتنا. وتشكل الحاجة إلى دعم قدرات مكاتبنا الإقليمية والقُطرية وتعزيزها جزءًا لا يتجزأ من هذه الجهود.

  •  الوضع الإنساني في غزة يتدهور يومًا بعد يوم، على سبيل المثال، آلات إنقاذ الحياة لا يمكنها العمل بشكل صحيح بسبب نقص الكهرباء. ويموت السكان المحليون بسبب النقص الحاد في الأدوية، ومنها أدوية الأمراض المزمنة مثل الإنسولين، على سبيل المثال. فما الخطوات الملموسة التي تتخذها منظمة الصحة العالمية لجعل الحياة أسهل قليلًا على الأقل للسكان المحليين في غزة؟

- لمنظمة الصحة العالمية نشاطٌ واضحٌ على الأرض، فنحن نبذل كل جهد ممكن للوصول إلى المرافق الصحية والمرضى المحتاجين. فعلى سبيل المثال، نقلنا بالفعل 790 طنًّا متريًّا من الإمدادات الطارئة الأساسية، ومنها الأدوية والمعدات الطبية، إلى غزة، بالإضافة إلى إيصال الوقود اللازم لمواصلة عمل المستشفيات هناك. وعلى الرغم من هذه الجهود، فإننا نواجه عقبات كبيرة، أبرزها الصراع العنيف الذي يعوق وصولنا. ونحن نتصدى لهذه التحديات، وندعو باستمرار إلى المرور الآمن للعاملين في المجال الإنساني وتقديم إمدادات الرعاية الصحية. علاوة على ذلك، فإننا نؤكد على أهمية حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية ومرافقها. إن تفانينا في هذه الجهود لا يتزعزع، إذ نتمسك بالأمل ونواصل الدعاء من أجل إحلال السلام.

  •  كيف تُسهِّل منظمة الصحة العالمية إيصال المساعدات إلى غزة؟

- حسنًا، ترتبط عملية تسهيل إيصال المساعدات إلى غزة من قِبل منظمة الصحة العالمية ارتباطًا وثيقًا بمفاوضات أوسع نطاقًا، لا تقتصر على المساعدات الصحية فحسب، بل تشمل أيضًا استراتيجية موحدة للأمم المتحدة. وتركز هذه الاستراتيجية على الجهود الدبلوماسية والسياسية لفتح الحدود وتسهيل حركة المبعوثين. كما أن التعامل مع الشركاء على الجانب الفلسطيني أمر ضروري لفعالية العمليات على الأرض. وعلى الرغم من النجاح الذي حققته هذه الجهود، فإن النتائج لم تلبِّ توقعات منظمة الصحة العالمية بشكل كامل. وقد أكدت المنظمة باستمرار على الحاجة المُلحَّة لفتح الحدود أو إنشاء مسارات لتعزيز الوصول إلى الأفراد على الأرض بأكبر قدرٍ مُمكن.

font change

مقالات ذات صلة