غوردون براون يكتب لـ "المجلة": آن الأوان لإبرام اتفاق عالمي لمواجهة الوباء

ينبغي أن يشمل الأمن والمساواة في الوصول إلى المعلومات والتكنولوجيا والمنتجات

Laura Salafia
Laura Salafia

غوردون براون يكتب لـ "المجلة": آن الأوان لإبرام اتفاق عالمي لمواجهة الوباء

يكثر الحديث عن ضرورة تعلم الدروس لئلا نكرر الأخطاء التي كلفت المجتمعات غاليا في العالم بأسره، بعدما انتقلنا إلى مرحلة ما بعد جائحة "كوفيد "19. من الواضح على نحو مؤلم أن العالم، على الرغم من سنوات من التدريبات العملية، ليس مستعدا لمواجهة تفشٍ سريع لمرض معدٍ جديد.

كانت الاستجابة العالمية كارثية وفي الوقت نفسه خذلت البلدان مواطنيها. واتسمت استجابتنا الجماعية بفشل التعاون والتنسيق وبالنزعة القومية المتشددة القبيحة صراحة، وتبدى ذلك في احتكار اللقاحات وجشع الدول الغربية، التي رفضت تبادل المعلومات ودراسات الأسباب المرضية والعلاجات. من وجهة نظري، كان الرد ــ وسأستخدم كلمة قد تبدو قديمة الطراز وغير مرغوب فيها في بعض الأوساط ــ كان الرد آثماً.

إقرأ أيضا: المحافظة على آمالنا في الصحة

لقد أظهر الوباء على نحو دراماتيكي الترابط في ما بيننا: لا أحد آمناً في أي مكان ما لم يصبح الجميع آمناً في كل مكان. ليس في وسعنا أن نتأكد هل كان ممكنا تجنب الموجة الثانية من العدوى الناجمة عن المتحور "أوميكرون" لو أن الجنوب العالمي تلقّى التلقيح بسرعة أكبر، لكننا نعلم أن التعاون الدولي لا يتوافق مع النزعة القومية المتشددة، ولا مع كراهية الأجانب، ولا مع الأشكال الكولونيالية الجديدة. فالعالم في حاجة ماسة إلى العولمة التي تعود بالنفع على الجميع. قد تكون إنسانيتنا العالمية منقسمة على نفسها بشكل حاد، غير أن اعتمادنا المتبادل بعضنا على بعض أمر لا مفر منه.

الجهود للتوصل الى اتفاق عالمي يتهددها سيل من المعلومات الزائفة والتضليل والأكاذيب الصارخة ونظريات المؤامرة المنتشرة

لقد أدركت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية أن التغييرات الجذرية باتت ضرورية. وتتفاوض هذه الدول الآن على اتفاق لمواجهة الوباء، وهو وثيقة قانونية دولية ستوفر إطارا عالميا لضمان الوصول العادل إلى اللقاحات والعلاجات ووسائل التشخيص. وأرى أنه اتفاق لمنع انتشار الأوبئة، يهدف إلى أن يساعد بعضنا بعضا وأن نعمل معا في حالة ظهور تهديد جديد للصحة العامة.

AP
طفل صومالي يتلقى لقاح شلل الأطفال، في مركز المدينة لصحة الأم والطفل في مقديشو، الصومال

لكن هذه الجهد يتهدده سيل من المعلومات الزائفة والتضليل والأكاذيب الصارخة ونظريات المؤامرة المنتشرة. ومن بين هذه الأكاذيب أن منظمة الصحة العالمية ستصبح في حال من فائض القوة، حتى تتمكن من تجريد الدول الأعضاء من سيادتها، ونشر قوات مسلحة لفرض التلقيحات الإلزامية وفرض عمليات الإغلاق، ومراقبة تحركات الناس بواسطة جوازات سفر رقمية. وكل هذه الادعاءات كاذبة تماما.

إقرا أيضا: تيدروس غيبرييسوس وفولكر تورك عبر "المجلة": آن أوان التوقف عن وضع الثروة قبل الصحة

فالبلدان نفسها هي التي اقترحت اتفاق مواجهة الوباء، وهي التي تتفاوض في شأنه وستكون هي وحدها، لا منظمة الصحة العالمية، المسؤولة عن مقتضيات الاتفاق والمسؤولة في النهاية عن نجاحه أو فشله.

ينبغي ألا تهدر الدول الفرصة لتبني ميثاق عالمي يحمي أجيال المستقبل من تكرار الدمار الذي أحدثه كوفيد 19. فالطبيعة غير المسبوقة للوباء تتطلب استجابة غير مسبوقة

ينبغي ألا نقلل من أهمية هذا الاتفاق. فهو فرصة لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر لتحسين العالم الذي نعيش فيه، خصوصا من أجل الشباب والأجيال القادمة. فقد عانى الشباب على وجه الخصوص بشدة خلال الجائحة: تعطل تعليمهم وانقلبت حياتهم رأسا على عقب، وتقلصت الآفاق أمامهم. ونظرا إلى الآثار الجانبية المستمرة لجائحة "كوفيد-19" وتدابير السيطرة عليها، وعلى الأخص تأثيرها السلبي على الصحة العقلية، فمن حق الشباب أن يتوقعوا حماية أفضل لمستقبلهم.

لكن وقت التوصل إلى هذا الاتفاق آخذ في النفاد. وعلى البلدان أن تتحرك الآن لتفي بالموعد النهائي الذي حددته لنفسها في مايو/أيار 2024، حيث من المنتظر أن تقدم اتفاقها إلى جمعية الصحة العالمية السابعة والسبعين (هيئة صنع القرار في منظمة الصحة العالمية). وينبغي ألا تهدر البلدان الفرصة لتبني ميثاق عالمي يحمي أجيال المستقبل من تكرار الدمار الذي أحدثه "كوفيد 19". فالطبيعة غير المسبوقة للوباء تتطلب استجابة غير مسبوقة.

AP
ممرضة تحضر جرعة لقاح للوقاية من "كوفيد-19" في بورتوريكو، 8 يناير 2022

تواجه المفاوضات بعض العقبات: منها ما يتعلق بالملكية الفكرية. ولكن إذا تبنت البلدان روح التعاون العالمي فسيكون في وسعها أن تبتكر حلولا إبداعية تعمل على إيجاد التوازن بين حقوق الملكية الفكرية والحوافز ومواطن المرونة التي يوفرها "اتفاق تريبس"، وهو اتفاق الملكية الفكرية التابع لمنظمة التجارة العالمية. والتسوية هنا تتطلب القبول بأن القطاعين العام والخاص لا بد أن يعملا معا في مكافحة الأمراض المعدية. ولكن قبل كل شيء، ينبغي أن يكون الأمن والعدالة والمساواة في الوصول إلى المعلومات والتكنولوجيا والمنتجات في قلب الاتفاق.

أننا نعيش في عالم مترابط على نحو عميق، حيث ينبغي لنا أن يتقاسم بعضنا أعباء بعض، حتى في الأوقات الصعبة

كما أن على الدول أن تدرك أن اعتماد نهج الأخذ والعطاء في المفاوضات النهائية أمر بالغ الأهمية للتوصل إلى اتفاق مواجهة الوباء، وقد يوفر هذا الاتفاق بدوره شيئا من التفاؤل الذي أصبحت الحاجة ماسة إليه. فالناس في جميع أنحاء العالم يحتاجون إلى الأمل، يريدون أن يعرفوا أن المستقبل سيكون أفضل من الماضي.

بات واضحا على نحو متزايد أننا نعيش في عالم مترابط على نحو عميق، حيث ينبغي لنا أن يتقاسم بعضنا أعباء بعض، حتى في الأوقات الصعبة. وإنشاء نموذج فعال للتعددية المفتوحة والشاملة في المجال الصحي، سوف يوضح، بكلماتنا وأفعالنا، أن التعاون العابر للحدود يمكن أن يقدم حلولا عالمية لمشاكلنا العالمية.

font change

مقالات ذات صلة