"مجلس الخبراء" الإيراني... مجد "ولاية الفقيه" أُعطي له

وسيلة قانونية لإضفاء الشرعية على النظام

أ ف ب
أ ف ب
أعضاء مجلس الخبراء الإيراني أثناء إحدى الجلسات في طهران

"مجلس الخبراء" الإيراني... مجد "ولاية الفقيه" أُعطي له

يتوجه الناخبون الإيرانيون الجمعة، إلى صناديق الاقتراع، لاختيار ممثليهم في "مجلس الشورى"، في دورته الثانية عشرة، وفي مجلس خبراء القيادة، في دورته السادسة، الأول له مهام تقليدية كأي سلطة تشريعية في الدول الدستورية، ومدته 4 سنوات، أما الثاني، ومدته 8 سنوات، فلا مثيل له في أي دولة أو نظام في العالم، سواء كان دينيا أو علمانيا أو غير ذلك.

وينص قانون الانتخاب الإيراني، على إسناد مهمة الإشراف العام والكامل على اختيار المرشحين لعضوية مجلس الخبراء، التي بدأت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى أعضاء مجلس صيانة الدستور، في جميع المراحل المتعلقة بالانتخابات، بداية من مرحلة دراسة مؤهلات المرشح حتى إعلان نتائج الانتخابات.

وبناء عليه، وافق مجلس صيانة الدستور، على أهلية 510 مرشحين، 52 في المئة منهم أعضاء سابقون، و48 في المئة مرشحون لأول مرة. ومنهم كذلك 34 في المئة تتراوح أعمارهم بين 40 إلى 50 عاما، و30 في المئة بين 50 إلى 60 عاما، و26 في المئة بين 60 إلى 70 عاما، و10 في المئة تزيد أعمارهم على 70 عاما.

تعتبر إيران مجلس الخبراء رمزا لما تسميه ديمقراطيتها الدينية

وسيضم مجلس خبراء القيادة (بالفارسية "مجلس خبرگان رهبرى") المعروف اختصارا باسم مجلس الخبراء، كما الدورة السابقة، 88 مجتهدا (الفقيه الذي يحق له استنباط الحكم الشرعي) ورجل دين، من المعروفين، بحسب مجلس صيانة الدستور، بالتقوى والعدل، وبأنهم يملكون رؤية اجتماعية وسياسية منسجمة مع القيم الإسلامية (الشيعية)، ومستوى تحصيليا دينيا عاليا، وسيرة أخلاقية ومهنية حسنة، ودورا مؤثرا على المستوى الشعبي خاصة لدى جيل الشباب.

وسيتوزعون على الشكل التالي: 16 ممثلا لمحافظة طهران، 6 لمحافظة خراسان الرضوية، 6 لمحافظة خوزستان، 15 لمحافظات أصفهان وأذربيجان الشرقية وفارس 5 لكل منها، 8 لمحافظتي جيلان ومازندران 4 لكل منهما، 3 لمحافظة غرب أذربيجان ومثلهم لمحافظة كرمان، وممثل واحد لكل واحدة من المحافظات المتبقية.

تعتبر إيران مجلس الخبراء رمزا لما تسميه ديمقراطيتها الدينية، القائمة على الانتخاب المباشر من قبل الشعب، باعتباره يقدم تفسيرا معاصرا لطبيعة العلاقة بين العامة والحاكم الشرعي في فقه أهل البيت، وضامنا لشرعية النظام الإسلامي، كونه يتمتع بإجماع عملي (علماء وعامة) ولفظي (علماء فقط) بالاعتراف بالحاكمية المطلقة لمرجع التقليد، منذ عصر الانتظار الذي بدأ بغيبة الإمام المهدي، إلى اليوم.

ويتمتع المجلس ببنية قانونية وفقهية ذات طابع مؤسسي، فيتولى، بحسب الدستور، ثلاث مهام أساسية فيما يتعلق بقيادة النظام، هي: انتخاب قائد الجمهورية الإسلامية (الولي الفقيه)، والإشراف على أدائه، وعزله.

الدور الرئيس والأهم لمجلس الخبراء هو الإشراف على شؤون القيادة وتحديد الأشخاص المؤهلين لها

وبرغم أن حضور المجلس غير ملحوظ في اليوميات السياسية، وقليلا ما يجتمع أعضاؤه، لكن هذا لا يمنع أن له دورا فعالا في دعم نظام ولاية الفقيه وإضفاء الشرعية عليه، وهو يحمي موقع القائد–المرجع ومكانته، من دون أن تؤثر هذه المهمة على خططه وقراراته لاختيار القائد المستقبلي، استنادا إلى كونه الهيئة المنتخبة الوحيدة، التي تأخذ على عاتقها مسؤولية عدم حدوث أزمة فراغ في أعلى سلطة في البلاد.

في هيكله الداخلي، يتكون المجلس من هيئتين وعدد من اللجان، هيئة السن، التي يتم تشكيلها في الاجتماع الأول للمجلس المنتخب، برئاسة العضو الأكبر سنا، ومن يليه سنا يُعين نائبا له، إضافة إلى عضوين مراقبين من الأصغر سنا، تنتهي مهام هذه الهيئة، فور انتخاب الرئيس وأداء اليمين وانتخاب هيئة مجلس الإدارة الدائمة، التي تتكون من رئيس ونائبين اثنين وأمين سر وسكرتيرين، ويتم انتخاب الرئيس أولا وبالأغلبية المطلقة للحاضرين، وينتخب نائب الرئيس والأمناء والكتاب بشكل منفصل وبالأغلبية النسبية، وذلك عبر الاقتراع السري.

حدد الدستور الإيراني بمادتيه 107 و108 مهام مجلس الخبراء وواجباته، بأن الدور الرئيس والأهم لهذه المؤسسة هو الإشراف على شؤون القيادة، وتحديد الأشخاص المؤهلين لها، لضمان نجاحها في أداء مهمتها، والمحافظة على سلامة النظام، كما اشترط في المرشح لعضوية المجلس أن يكون متدينا، خلوقا، يملك سمعة اجتماعية ومهنية طيبة، مؤمنا بولاية الفقيه والنظام الإسلامي، حاصلا على درجة الاجتهاد في علوم الفقه الجعفري، مثقفا وصاحب بصيرة سياسية، وليس لديه سوابق أخلاقية أو سلوكية، كما يجب أن تتوفر شروط معينة في الناخبين، منها أن يكون الناخب إيراني الجنسية وأتم الثامنة عشرة من عمره.

أول مجلس خبراء

أنشأ الإمام الخميني أول مجلس خبراء في عام 1979 بعد أشهر من سيطرته على الثورة والسلطة، وتشكل من 70 عضوا، وتعاقب على رئاسته ثمانية من أبرز رجال الدين في إيران، أولهم الشيخ حسين علي منتظري، رفيق درب الخميني ونائبه، الذي عزله وحبسه في الإقامة الجبرية، في منزله بمدينة قم، حتى مماته، لاعتراضه على إعدام الثوريين المعارضين لإقامة الحكم الإسلامي، وتراجعه عن بعض القناعات الدينية من بينها ولاية الفقيه والحجاب الإجباري، بعد مراجعة قام بها، وآخرهم رجل الدين المتشدد أحمد جنتي الرئيس الحالي.

بعد وفاة الخميني، انتخب المجلس السيد علي خامنئي مرشدا وقائدا للجمهورية الإسلامية، ومن المعروف أن رجل الدين الأكثر دهاء في إيران الشيخ هاشمي رفسنجاني، استهلك كل جهوده وحيله، لجعل أعضاء المجلس يوافقون على تعيين خامنئي، حيث إنه جوبه باعتراض شديد، داخل المجلس، وداخل الحوزة العلمية في قم، كون خامنئي فاقدا شرط المرجعية، لكنه في النهاية، استطاع فرضه، ما لبث خامنئي أن كافأ صديقه رفسنجاني، بأن أزاحه رويدا رويدا من المشهد السياسي، وصولا إلى وفاته في ظروف غامضة، كما تزعم عائلته، وبذلك خلت الأجواء لخامنئي وحده، فلم يصبح مرشدا للجمهورية الإسلامية فحسب، بل أصبح مرجعا ووليا وقائدا للأمة الإسلامية (الشيعية) أيضا.

رويترز
ملصقات الانتخابات البرلمانية خلال اليوم الأخير قبل الاقتراع في طهران، 28 فبراير 2024

بحسب النصوص الشرعية لنظرية ولاية الفقيه، فإن القائد المنتخب أو المرجع الديني أو حاكم الشرع هو الحاكم الروحي والزمني للأمة، وهو خليفة الأئمة من آل البيت، ونائب الإمام المهدي المنتظر، الذي يهيئ له أرضية الظهور، لذلك يُمنح صلاحيات دينية واجتماعية وسياسية مطلقة.
ويلخص المرجع الشيعي الإيراني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الصلاحيات الممنوحة للولي الفقيه بسبع سلطات- ولايات، هي:

- الولاية على أموال المعوزين، كالغائبين والقاصرين الذين ليس لهم ولي، وبعض أنواع المجانين والسفهاء.
- الولاية على تلقي وإنفاق الموارد الشرعية من الخُمس والزكاة والأوقاف العامة.

- الولاية على تطبيق الحدود الشرعية.

- الولاية على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحالات التي تتطلب الضرب والجرح أو القتل.

- الولاية على الشؤون السياسية والحكم وحماية الحدود والدفاع ضد الأعداء وكل ما يتعلق بالمصلحة العامة.

- الولاية على أرواح الناس وأموالهم.

- الولاية على التشريع وحق التشريع.

بناء على هذا النوع من الفتاوى، وباسم الدين وفقه أهل البيت، يمنح مجلس الخبراء الولي الفقيه، حق الاستيلاء على أرواح الناس وممتلكاتهم، ويسوغ له إلغاء دور مؤسسات الحكم، وحصرها في شخصه فقط.

تعمل ماكينة النظام الدعائية على تأجيج العواطف الوطنية وتصوير الانتخابات بأنها الخيمة التي تحمي إيران

عمليا، هذا ما يحصل في إيران منذ 44 عاما، لكن هذه المرة، يبدو أن الشعب الإيراني أدرك أن الانتخابات هي وسيلة قانونية لإضفاء الشرعية على نظام غير شرعي، وليس لها أي أثر إيجابي في تحسين ظروف حياته واستعادة علاقاته الطبيعية مع محيطه والعالم، إنما آثار سلبية فقط، كالبطالة، والتضخم الاقتصادي، وانهيار العملة الوطنية، وغياب العدالة والمساواة، وقمع الحريات، واضطهاد المرأة، والتمييز الديني والعرقي، والخطف والسجن والإعدام، وانتشار الفساد ونهب البلاد والثروات، وتفاقم الفقر والجوع لصالح صناعة السلاح وتمويل الجماعات الوكيلة، لذلك بلغت نسبة العزوف عن المشاركة في الاستحقاقين الانتخابيين، بحسب الإحصاءات، إلى 70 في المئة وهناك إحصاءات تشير إلى 77 في المئة، لأول مرة في تاريخ الثورة.

في المقابل، تعمل ماكينة النظام الدعائية، على تأجيج العواطف الوطنية، وتصوير الانتخابات بأنها الخيمة التي تحمي إيران من العواصف الخارجية، لاستمالة المترددين، وهم يشكلون نسبة لا بأس بها من عدد الناخبين، ودفعهم بالقوة إلى المشاركة في الانتخابات. ومنذ أيام دعا خامنئي في خطاب له، الناس إلى المشاركة الكثيفة في الانتخابات، ورفع نسبة التصويت، وقال: "أي محاولة لإسقاط صندوق الاقتراع ستؤدي إلى إسقاط النظام. منذ البداية أراد أعداء إيران إسقاط صندوق الاقتراع وديمقراطية النظام، ليفقد النظام دعمه الشعبي وينهار. لذلك فإن مقاطعة الانتخابات هي بمثابة رمي الكرة في ملعب أعداء النظام ومساعدتهم في تحقيق رغباتهم وأهدافهم".

font change

مقالات ذات صلة