غالبية شعراء "الجديد الثاني" تميل إلى اتجاهات سياسية مختلفة: يسارية، اشتراكية، فوضوية، أو إسلامية. وأبرز قاسم مشترك بينهم هو أنهم، على عكس الشعراء "الرسميين" الأوائل للجمهورية، يبتعدون عن الخطاب القومي والشعبي. وقد فتح هؤلاء الشعراء مجرى نهر جديد للشعر التركي من حيث علاقتهم الخاصة بالموسيقى وفنون الرسم، والفهم المختلف للتاريخ، وتجديدهم في الشكل الشعري.
أحد هؤلاء الشعراء إلهان بَرْق، تجوّل في محور الشعر الاجتماعي في الأربعينات، لكنه أصبح من أشدّ المدافعين عن شعر "الجديد الثاني" في الخمسينات، وأخضع شعره للتغيير والتجديد المستمرّين. تأرجحت قصائده بين المعنى واللامعنى، كما أنه يستخدم الطبيعة والأشياء بأشد الطرق إثارة للاهتمام في قصائده، فضلا عن أنه شاعر يفكر في قضايا الشعر ونظريته.
من شعراء التيّار نفسه تورغوت أويار الذي بدأ بكتابة قصائد لها هموم اشتراكية خاصة بالأناضول، أصدر في عام 1959 ديوانا تحت عنوان "أجمل عَرَبِسْتان العالم" كشف فيها عن اضطرابات الإنسان وصراعاته الداخلية، والمد والجزر في العواطف بدقة شعرية عالية، مع استخدام شيء من التهكّم الكامن، حيث يكوّن الشاعر صورا مركّبة من الوجود والعدم والحساسية الاجتماعية.
يحمل الشاعر أديب جانسفير إلى شعره الحالات النفسية للفرد الذي يعيش في المدينة، ويخاف من العالم الخارجي. له لغة سردية مثيرة في معظم قصائده، كما أنه يحاول الابتعاد إلى حد ما من "اللامعنى"، ويستفيد من أساليب النثر والأشكال الفنية الأخرى ليفتح شعره إلى نص متعدّد الأصوات.
أما الشاعر جمال ثُرَيا فقد أتى بآفاق جمالية جديدة لشعر "الجديد الثاني"، وهو معروف بقصائده المثيرة في الحب. وتعتبر هذه القصائد بمثابة أناشيد للجسد ترتقي في أحيان كثيرة إلى درجة الإيروتيزم، يذكّرنا بقصائد الشاعر نزار قبّاني. وقد أصبح ديوانه "أوفيرجينكا" من كلاسيكيات الشعر التركي الحديث.
على عكس شعر جمال ثُريا، يختلف شعر أجة آيهان في كونه يحتوي على صور شعرية غامضة، إذ يحاول الشاعر خلق لغة ضد اللغة من طريق تعطيل تركيب الجملة ونحوها. في إمكاننا أن نقول إنه فتح الشعر التركي من مستوى اللامعنى في شعر إلهان بَرْق إلى تعدد المعاني، إلا أن الغموض يكتنف شعره أيضا إلى أقصى الحدود، الأمر الذي يوجد صعوبات عند ترجمته إلى لغات أخرى.
سيزائي كراكوتش
من أكثر الشعراء إثارة ضمن هذا التيار، الشاعر سيزائي كاراكوتش الذي كتب نوعا من الشعر الميتافيزيقي. وقد تقاطعت في شعره عناصر سوريالية مع تقاليد إسلامية صوفية حديثة. هذه الصنيعة، أي عدم إدارة ظهره للتقاليد الأدبية الإسلامية والعثمانية، أتاحت له إثراء شعره من حيث المضمون والصورة. وله أيضا ترجمة تحت عنوان "من روائع شعر الإسلام" التي نُشرت عام 1967، وهي ترجمة عبر اللغة الفرنسية وعبر شروح قديمة بالتركية العثمانية، تتضمن قصيدة "البردة" لكل من كعب بن زهير والإمام البوصري، والقصيدة البديعية لابن جابر، ومرثية الأندلس لأبي البقاء الرندي، وقصيدة لكل من حسّان بن ثابت، وذي النون المصري، بالإضافة إلى بيت واحد لكل من أبي الطيب المتنبي وأبي نواس.
الشاعرة الوحيدة بين شعراء "الجديد الثاني" غولتين آكين التي نعرفها بقصائدها الغنائية الفريدة، تتحقق في هوية المرأة داخل المجتمع الذكوري، مع وجود نكهة من إيروتيزم مبطن في قصائدها. مع ذلك يشتمل شعرها على موضوعات عدة من العالم العاطفي للإنسان إلى أحداث اجتماعية أو الطبيعة في الأناضول. تحتل الشاعرة مكانة متميزة في الشعر التركي الحديث من خلال قصائدها العميقة التي تتضمن معاني متعددة الطبقات.
الستينات وما بعدها
بعد النصف الثاني من الستينات برز شعراء مثل حلمي ياووز وأوزديمير إينجة تحت مظلة تيار "الجديد الثاني" لكنهم حافظوا على فرادتهم وأصالتهم. لا بدّ من الإشارة إلى شعراء شباب في تلك الفترة مثل أطاؤول بهرام أوغلو، وعصمت أوزيل، وجاهد ظريف أوغلو، الذين جعلوا من "الجديد الثاني" نقطة انطلاق لقصائدهم. بينما يغلب على شعر أطاؤول بهرام أوغلو جوّ يساري رومانسي، فإن شعر عصمت أوزيل وجاهد ظريف أوغلو يهيمن عليه جوّ "إسلامي" بمستويات مختلفة، مع بروز الفوضوية في شعر عصمت أوزيل الذي تميز باختياره للمفردات وحساسيته الاجتماعية التي تمتد إلى التمرّد في أحيان كثيرة، وسبره لمشاكل الوجود.
أما الشاعر رفيق دورباش فيتقدّم على مسار "الجديد الثاني" مع ميله نحو الخط الاجتماعي المزيّن بمشاكل الناس العاديين وتناقضاتهم في المدينة. يغلب على شعره طابع الحزن والعناصر الغنائية. للشاعرة سَنّور سيزار خط مماثل بلغتها البسيطة وتعبيرها الواعي دون الانفصال عن شعر الواقعية الاشتراكية، الأمر الذي قد يجعل شعرها أحيانا يقترب من الخط الملحمي. ويسير الشاعر حسن حسين كوركمازغيل على الخط نفسه مع ميله الى الشعر الشعبي في الأناضول تحت تأثير ناظم حكمت.
هدفت المذكّرة العسكرية التي أعلنت في 12 مارس/ آذار 1971 إلى منع التقدم في عملية التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان والحريات، وقد اعتُقل بعد إعلانها العديد من المثقفين وتزايدت الضغوط على الساحة الثقافية والفكرية، مما دفع بعض الشعراء الذين كانوا يسيرون في درب "الجديد الثاني"، الى التركيز أكثر على القضايا الاجتماعية، فتطوّر خطاب ثوري في إطار نقاشات دارت حول ثنائية الشعر التقدمي والشعر الرجعي. وأصبحت لغةُ نظريةِ الشعر حادّة إلى حد كبير، الى درجة أن حركة "غريب" و"الجديد الثاني" اتُهمتا بأنهما حركتان رجعيّتان، لأن حركة "غريب" على حدّ زعمهم منقطعة عن الجمهور باعتبارها حركة طليعية. أما تيار "الجديد الثاني" فتحول في رأيهم بصوره الشعرية الغامضة إلى حركة نخبوية وبالتالي منقطعة عن الجمهور أيضا. وهؤلاء "الثوريون" بدورهم كانوا يُتّهَمون بإنتاج شعر "هادف".