بيني غانتس... الجنرال الذي أنقذ نتنياهو وقد يخلفه

وزير حكومة الحرب الإسرائيلية والسير في ألغام السياسة

بيتر ساث/المجلة
بيتر ساث/المجلة

بيني غانتس... الجنرال الذي أنقذ نتنياهو وقد يخلفه

في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل ضغوطا دولية لا هوادة فيها بسبب هجومها العسكري على غزة، يأتي تعيين رئيس الجيش الإسرائيلي السابق بيني غانتس كمتحدث رئيس باسم حكومة الحرب كمؤشر على التحديات الداخلية الكبرى التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فيما يتعلق بطريقة تعامله مع أزمة الصراع في غزة.

ورغم أن نتنياهو يحتفظ لنفسه باليد العليا في المسؤولية النهائية عن إدارة الحرب، فإنه يحتاج مع ذلك إلى الحفاظ على دعم حكومة الطوارئ الحربية التي عينها بعد وقت قصير من شن "حماس" هجومها المدمر ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

ولتعزيز موقفه، قام نتنياهو، الذي يقود الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، بإدخال غانتس، وهو شخصية بارزة من المعارضة ووزير الدفاع السابق، إلى حكومته الحربية، في سعيه لإظهار أن السياسيين من جميع المشارب السياسية يدعمون رده العسكري الصارم على الهجوم.

وبالفعل، حين خرج غانتس، في أول تعليقات علنية له بعد انضمامه إلى حكومة الحرب، ردد الخطاب المتشدد لنتنياهو في التعامل مع "حماس"، وأخبر المواطنين الإسرائيليين بأن حكومة الحرب المشكلة حديثا "موحدة" وهي مستعدة "لمحو هذا الشيء المسمى حماس من وجه الأرض".

ورغم صمود التحالف الإسرائيلي أمام الكثير من العواصف السياسية التي أشعلتها أعماله العسكرية في غزة، بما في ذلك دعوات أعضائه اليمينيين المتطرفين لإخراج الفلسطينيين من القطاع، فقد ظهر خلاف بشأن إدارة نتنياهو للصراع.

وقد تم تسليط الضوء على هذا الخلاف بشكل خاص من خلال الجولة الدبلوماسية غير المصرح بها من قبل نتنياهو والتي قام بها غانتس إلى العواصم الغربية مؤخرا. وأثارت رحلات غانتس إلى واشنطن ولندن هذا الشهر غضب نتنياهو، الذي قال إنه لم يكن على علم بخطط السفر تلك، وأن الرحلة تخطت القنوات الرسمية مثل السفارة الإسرائيلية أو وزارة الخارجية.

جولات غانتس غير المعتمدة من رئيس الوزراء تدل على نفاد صبر الرئيس الأميركي إزاء إدارة نتنياهو للحرب

وقد أبرزت هذه الزيارات نفاد صبر الرئيس الأميركي جو بايدن وحكومة المملكة المتحدة تجاه نهج نتنياهو، وخاصة مقاومته زيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة، وتكتيكاته المماطلة فيما يتعلق بمفاوضات وقف إطلاق النار الدولية، ومعارضته للمقترحات الغربية لحكم غزة في حالة حدوث وقف طويل الأمد لإطلاق النار.

وفوق ذلك، يكتسب تضاؤل شعبية نتنياهو على المستوى الدولي أهمية متزايدة داخل إسرائيل أيضا، حيث أشار استطلاع حديث أجرته القناة "13" الإسرائيلية إلى ارتفاع شعبية غانتس. وشهد غانتس، زعيم حزب الوحدة الوطنية الذي ينتمي إلى يسار الوسط في إسرائيل، زيادة ملحوظة في معدلات تأييده. ويشير الاستطلاع إلى أنه إذا أجريت الانتخابات في إسرائيل اليوم، فإن حزب غانتس سيحصل على 39 مقعدا، في حين سيحصل حزب نتنياهو على 17 مقعدا فقط. وهذا السيناريو يضع غانتس في وضع أفضل لقيادة الحكومة الإسرائيلية المقبلة.

ولا ريب في أن احتمال ظهور غانتس كزعيم بديل محتمل لنتنياهو المتشدد لم يغب عن بال مضيفيه في واشنطن ولندن. وفي الولايات المتحدة، حظي بمعاملة رسمية، وعقد اجتماعات مع نائبة الرئيس، كامالا هاريس، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، مما يشير إلى ترحيب حار وربما انفتاح على اتجاه قيادي مختلف في إسرائيل.

وفي لندن، أدت أهمية زيارة غانتس إلى انضمام رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إلى اجتماع مع مستشار الأمن القومي البريطاني، السير تيم بارو، أكد خلاله المسؤولون البريطانيون على أهمية وفاء إسرائيل بالتزاماتها الإنسانية الدولية باعتبارها القوة المحتلة في غزة لضمان تسليم كميات كافية من المساعدات للمدنيين الفلسطينيين الذين يعانون من الجوع.

ارتفعت نسبة تأييد غانتس مؤخرا بشكل ملحوظ

وأعرب غانتس عن امتنانه لدعم المملكة المتحدة لأمن إسرائيل، وشدد على الحاجة إلى الضغط الدولي المستمر على "حماس" لإطلاق سراح الرهائن، بحسب ما ذكر مكتبه. وعلى الرغم من الخلافات السياسية مع نتنياهو، أكد غانتس التزامه بهدف الجيش الإسرائيلي المتمثل في هزيمة "حماس" بشكل حاسم في غزة، بما يتماشى مع المعايير القانونية الدولية.

وتشير زيارة غانتس إلى إمكانية اتخاذ موقف إسرائيلي دقيق بشأن الدولة الفلسطينية إذا تغيرت قيادة نتنياهو، وتؤكد– على النقيض من نتنياهو وحلفائه من حركة الاستيطان– انفتاحه على الحوار مع الفلسطينيين. وبينما يشارك غانتس نتنياهو هدف تدمير "حماس"، فإن انفتاحه على النظر في حل سياسي للصراع قد سلط الضوء على الانقسامات الداخلية داخل حكومة الحرب الإسرائيلية وسط تزايد الدعوات الدولية لحل الدولتين.

من المؤكد أن الزيارة رفيعة المستوى التي قام بها غانتس البالغ من العمر 64 عامًا تثير احتمالا مثيرا للاهتمام يشير إلى احتمال أن تتبنى الحكومة الإسرائيلية نهجا أكثر دقة في التعامل مع قضية الدولة الفلسطينية الصعبة، في حال عزل نتنياهو من منصبه.

رويترز
نتنياهو والوزير بيني غانتس يحضران مؤتمرا صحفيا في قاعدة كيريا العسكرية في تل أبيب

وفي حين أن غانتس كان مصرا- مثل أي زعيم آخر في إسرائيل- على أن الحرب لا يمكن أن تنتهي إلا عندما تدمَّر "حماس"، فإنه أبدى انفتاحا على الحوار مع الفلسطينيين أكثر من نتنياهو وحلفائه من حركة الاستيطان، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أو وزير الأمن إيتمار بن غفير.

ولا يبدو أن مسار الحكومة المتمثل في مواصلة الحرب حتى النصر النهائي سيتغير رغم الانزعاج الدولي إزاء ارتفاع عدد القتلى في غزة، ولكن استعداد غانتس للتفكير في نهاية سياسية للصراع قد سلط الضوء على الانقسامات داخل مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي بشكل أكثر وضوحا، وبخاصة في ظل تزايد الضغوط الأميركية والدولية لإحياء الجهود الرامية للتوصل إلى حل الدولتين.

ومن المؤكد أن لقاءي غانتس مع هاريس وبلينكن قد تسببا في هبوب عاصفة في إسرائيل، ما سلط الضوء على توتر علاقات نتنياهو مع الرئيس الأميركي جو بايدن لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يتلق حتى الساعة دعوة لزيارة واشنطن رغم مرور أكثر من عام على توليه منصبه. وأكثر من ذلك، فقد ذكرت وسائل الإعلام الأميركية أن نتنياهو منع سفير إسرائيل في الولايات المتحدة من تقديم الدعم لزيارة غانتس.

غانتس يؤيد نتنياهو في تدمير "حماس"، لكن انفتاحه على حل سياسي يكشف عن انقسامات في حكومة الحرب 

بالمقابل، تزداد الضغوط التي يتعرض لها نتنياهو من جانب الإسرائيليين الساخطين الذين، يدعمون الجهود العسكرية الرامية إلى تدمير "حماس" ولكنهم يلقون عليه اللوم عن الإخفاقات الأمنية التي سمحت أساسا بوقوع هجوم 7 أكتوبر، والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص.

وتظهر الاستطلاعات أن حزب الوحدة الوطنية بزعامة غانتس هو المرشح الأوفر حظا للفوز في الانتخابات المقبلة حسب كثير من الناخبين الإسرائيليين، ما يؤكد أن الدافع الرئيس لنتنياهو لمواصلة الحرب هو في النهاية ليس أكثر من بقائه السياسي. وعلى النقيض من ذلك، اصطدم غانتس، الذي كان عسكريا محترفا متميزا لفترة طويلة قبل دخول السياسة، بشكل متكرر مع شركائه في اليمين المتشدد.

من الحرب إلى معترك السياسة

غانتس، جندي مظلي سابق كان يقود وحدة كوماندوز النخبة "شلداغ" قبل أن يرتقي ليصبح رئيس أركان الجيش عام 2012، حيث أشرف على عملية استمرت ثمانية أيام في قطاع غزة بدأت بمقتل قائد الجناح العسكري لحركة "حماس" آنذاك. وكان هذا الصراع جزءا من سلسلة مواجهات محدودة بين إسرائيل و"حماس"، والتي حددت علاقات إسرائيل مع الفلسطينيين منذ استولى الفصيل الفلسطيني على السلطة في غزة بعد حرب قصيرة بين الفصائل عام 2007.

سوى أن الحرب التي بدأت يوم 7 أكتوبر تنحو نحوا مختلفا تماما عن العمليات التي نفذها غانتس عندما كان عسكريا، حيث ردت إسرائيل بحملة قصف أسفرت عن مقتل أكثر من 30 ألف فلسطيني، وفقا للسلطات الصحية المحلية، ما أثار قلقا متزايدا حتى من حلفائها الأقوياء مثل الولايات المتحدة. وبعد خمسة أشهر من الصراع، تحول الاهتمام بشكل متزايد إلى النظر في حال القطاع عند نهاية الحرب، ما يجعل اعتقاد غانتس بضرورة إيجاد حل سياسي خيارا تجده إدارة بايدن أكثر قبولا لديها للتعامل معه.

يتذكر غانتس أنه قال ذات مرة لمحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية البالغ من العمر 87 عاما، إن كلا منهما كان بلا شك يحلم بأن الآخر سيختفي، مضيفا: "ومع ذلك فإن كلينا هناـ ولن يتغير ذلك".

أ.ب
بيني غانتس يغادر بعد اجتماع في وزارة الخارجية يوم الثلاثاء 5 مارس 2024 في واشنطن

ولد غانتس عام 1959 في كفار أحيم، وهي قرية تعاونية للمزارعين وسط إسرائيل أسسها مهاجرون، وكان والداه، ناحوم وملكا، من الناجين من المحرقة. وفي مطلع شبابه، التحق غانتس بمدرسة داخلية في قرية للشباب بالقرب من تل أبيب. وبعد أن أنهى دراسته عام 1977، انضم إلى إلى لواء المظليين في جيش الدفاع الإسرائيلي.

كان من قدامى المحاربين في حرب لبنان عام 1982، وشارك في عملية سليمان، الجسر الجوي السري الذي أنقذ اليهود الإثيوبيين عام 1991، وقد حصل على عدد من الأوسمة، وأشرف خلال فترة وجوده كقائد للجيش، على عمليتي "عمود السحاب"، و"الجرف الصامد،" ضد "حماس". واتهم المسؤولون الفلسطينيون وجماعات حقوق الإنسان الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب خلال الصراع. لكن غانتس أصر على أن قواته قامت بما في وسعها لتحول دون سقوط ضحايا من المدنيين، وألقى باللوم على "حماس" في زرع البنية التحتية العسكرية داخل المناطق السكنية.

غانتس من قدامى المحاربين في لبنان عام 1982، وأشرف على عمليتي "عمود السحاب"، و"الجرف الصامد" في غزة

عند انتهاء خدمته العسكرية في عام 2015، اعترف نتنياهو بخدمة غانتس الواسعة، وسلط الضوء على قيادته الأخلاقية والمسؤولة والمتوازنة. ومع ذلك، ستشهد الساحة السياسية لاحقا تحولا في لهجة نتنياهو، حين انتقل غانتس من كونه شخصية عسكرية محترمة إلى منافس سياسي، انتقده نتنياهو ووصفه بأنه "يساري ضعيف". ويقول ضابط رفيع عمل تحت إمرة غانتس، إنه "كان سيعتبر المرشح الأقل احتمالا لتحدي قيادة نتنياهو، لكنه، من ناحية أخرى، فاجأنا مرات عديدة في الماضي بالإنجاز الذي حققه". وبالفعل، فإن مسيرة غانتس السياسية تشبه إلى حد كبير مسيرته العسكرية. وعلى الرغم من وجود مرشحين كانوا أكثر احتمالا لبعض المناصب العليا، فقد اختير هو، واستمر في الترقي.

تميز صعود غانتس داخل التسلسل الهرمي للجيش الإسرائيلي بظروف غير متوقعة وأحداث محورية، مثل تولي القيادة في لبنان بعد كمين مأساوي نصبه "حزب الله" واستهدف سلفه. ثم أصبح فيما بعد رئيس فرقة في الضفة الغربية بسبب استقالة سلفه هناك في أعقاب حادثة "نيران صديقة". وتم تعيينه نائبا لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي كمرشح تسوية لأن رئيس الأركان آنذاك غابي أشكنازي ووزير الدفاع إيهود باراك استخدما حق النقض كلّ ضد مرشح الآخر لهذا المنصب. ثم تسلم في النهاية رئاسة الأركان بعد أسبوع من تقاعده رسميا من الخدمة، عندما شابت الفضائح المرشحين اللذين جرى اختيارهما بدلا منه.

لكن هذا المسار لا يقلل من مؤهلات غانتس أو قدراته القيادية. فخلال فترة عمله في لواء المظليين النخبة، أثبت أنه ضابط ذكي ومحبوب وكان شجاعا، ولكنه يحسب الأمور بدقة، ويفتقر إلى الطموح الجارف الذي يتحلى به بعض السياسيين، لا سيما نتنياهو، الذي أصبح أطول رئيس وزراء بقاء في سدة الحكم منذ تأسيس إسرائيل عام 1948. 

في المشهد السياسي الحالي، تكمن الجاذبية الانتخابية الرئيسة لغانتس في صورته كبديل ثابت وكشخص مسؤول لنتنياهو الذي لا يمكن التنبؤ بسلوكه. وفي مواجهة المأزق السياسي الذي تفاقم بسبب نهج نتنياهو في التعامل مع الصراع في غزة، فإن التحدي الذي يواجهه غانتس يتمثل في تجاوز هذا المأزق بفعالية.

وفي هذه المرحلة، يقف بيني غانتس على أهبة الاستعداد لاحتمال أن يصبح رئيس وزراء إسرائيل المقبل.

font change

مقالات ذات صلة