تعطش شي جين بينغ للسلطة يضر بالاقتصاد الصيني

خطة جديدة لن تنهي الانكماش حتى حين يهمّش رئيس وزرائه

أ.ف.ب
أ.ف.ب
الرئيس الصيني شي جين بينغ يلوح بيده، خلال تقديم أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي الجديد لـ"الحزب الشيوعي الصيني"، وهي أعلى هيئات الدولة في عملية صنع القرار، 23 أكتوبر 2022

تعطش شي جين بينغ للسلطة يضر بالاقتصاد الصيني

مع ازدياد انغلاق النظام السياسي في الصين، تشكل بعض المناسبات العامة الثابتة، واحدة من النوافذ القليلة المتبقية لفهم عملية اتخاذ القرارات في البلاد. وأهم اجتماع سنوي من هذا القبيل، وهو اجتماع البرلمان الذي يصادق تلقائياً على ما يرده (عُقِد في بكين بين الرابع والحادي عشر من مارس/آذار). وحضره كبار القادة وآلاف المندوبين خلال أسبوع.

حتى الآن، لا تبدو الإشارات مطمئنة. يشيرون إلى أن الصين تفتقر إلى خطة صلبة للتعامل مع ركودها الاقتصادي، وأن بعض مستهدفات الخطة خيالية. وتتركز السلطة أكثر في يد الرئيس شي جين بينغ.

فلنبدأ بالاقتصاد. ففي خطاب ألقاه أمام الجمعية، كشف رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، عن هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي نحو خمسة في المئة عام 2024. كذلك عرض مخططاً بعيد الأجل تحت شعار "قوى إنتاجية جديدة".

وهذا يؤكد التحول في قطاع العقارات المتضخم، والاستثمار الممول بالديون، والتصنيع الأساسي في اتجاه الصناعات العالية الإنتاجية، مثل الطاقة الخضراء، والذكاء الاصطناعي، والخدمات الرقمية. ويعتقد حكام الصين أنهم صارمون بالشكل المطلوب في التعامل مع أزمة العقارات، ومنضبطون في الاستجابة للتباطؤ، ويملكون رؤية متماسكة.

يجري تهميش التكنوقراط وإخفاء البيانات والمؤشرات غير الجيدة، وكلما صارت الاستراتيجية الاقتصادية الصينية أقل إقناعا، شدد الرئيس شي من إحكام سيطرته

ولكن في نظرة عن كثب، تتداعى الصورة. فالمستهدف يتجاوز متوسط توقعات الاقتصاديين للنمو، البالغ 4.6 في المئة. ولتحقيقه، تحتاج الصين إلى مزيد من التحفيز الاقتصادي. بيد أن العجز المالي العام المستهدف، البالغ ثلاثة في المئة لعام 2024، والذي سيعززه إصدار سندات طويلة الأجل، وغيرها من الأموال الخارجة عن الموازنة، صغير للغاية.

أ.ف.ب.
موظف يعمل في خط إنتاج الجرارت في مصنع في ويفانغ بمقاطعة شاندونغ شرق الصين، 1 مارس

وحدد السيد لي سقفاً فعلياً لمعدل التضخم بنسبة ثلاثة في المئة، بما يتماشى مع المؤشرات السابقة. ولكن على خلاف الماضي، تواجه الصين الآن أزمة انكماش اقتصادي، فقد هبطت أسعار المستهلك بنسبة 0.8 في المئة على أساس سنوي في يناير/كانون الثاني. كذلك اعتادت الصين على تحديد المستهدفات وتجاوزها. أما الآن فمستهدفاتها شبه منفصلة عن الواقع.

ولتنشيط اقتصادها، تحتاج الصين إلى تعبئة القطاع الخاص. فالاستثمارات الخاصة تمثل نصف الإجمالي الوطني، لكنها انخفضت بنسبة 0.4 في المئة عام 2023، ويرجع ذلك في حد كبير، إلى ركود العقارات. ولكن نظراً إلى التنظيم غير المستقر للقطاع وجنون العظمة الرسمي، ليس لدى الحكومة وسيلة جيدة لاستعادة ثقة رجال الأعمال المتشائمين.

ويسجل الاستثمار المتعدد الجنسيات، أدنى مستوى له منذ 30 سنة. ويشعر المستثمرون بخيبة أمل كبيرة إلى درجة أن فارق تقييم المستثمرين بين الأسهم الصينية والأسهم الأميركية، وصل إلى 54 في المئة.

إقرأ أيضا:  أنقذوا الصين... الآن

وسط هذا الضيق، يشير المشهد السياسي إلى أن السيد شي أقل استعداداً لتقاسم السلطة حتى مع مرؤوسيه المختارين بعناية. وذكر السيد لي رئيسه في خطابه، أكثر مما فعل أي من رؤساء الوزراء السابقين. وفي خرق لعادة يعود تاريخها إلى ثمانينات القرن العشرين، لن يُسمَح للسيد لي بعقد لقاء صحافي في المؤتمر (وهذا ما حصل). كانت هذه المناسبة الفرصة الوحيدة للناس العاديين لسماع سياسي بارز مثله، يرد على الأسئلة.

أ.ف.ب.
عمال فوق سقالات في موقع بناء لمحطة سكك حديد في تشونغتشينغ، جنوب غربي الصين، في 18 فبراير

أما الآن فاختفى حتى هذا الإيحاء البسيط بالشفافية. وفي الوقت نفسه، يُهمَّش التكنوقراطيون ويتم إخفاء البيانات والمؤشرات غير الجيدة. وكلما أصبحت استراتيجيا الصين الاقتصادية أقل إقناعاً، شدد السيد شي سيطرته.

يرى النظام الصيني نفسه أنه في حرب باردة طويلة الأجل. ويتوقع أن يرتفع الإنفاق الدفاعي بنسبة 7%، وهو ما يتجاوز معظم التقديرات لنمو الناتج المحلي الإجمالي

وعلى الرغم من أن الاجتماع شأن داخلي، فيمكن أن يؤثر في علاقات الصين مع أميركا. ومع عدم اليقين المحيط بالسباق الرئاسي إلى البيت الأبيض، يحاول حكام الصين عدم إثارة الجدال. وأشار السيد لي في خطابه إلى "التطور السلمي" للعلاقات مع تايوان، وقلل أهمية الصادرات كمحرك للنمو، محاولاً على ما يبدو، تجنب إثارة إجراءات حمائية في الخارج.

ومع ذلك، برزت أدلة كافية على أن النظام الصيني يرى نفسه في حرب باردة طويلة الأجل. سيرتفع الإنفاق على الدفاع بنسبة سبعة في المئة في السنة الجارية، وهي نسبة تفوق معظم التوقعات الخاصة بنمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي.

ويأخذ إنفاق الحكومة المركزية على العلوم في الارتفاع الشديد. ومع بدء الاجتماع، وقعت الصين اتفاق دفاع جديداً مع جزر المالديف، مما زاد التوترات في المحيط الهندي. ويُعَد العمل السياسي الصيني مبهماً أكثر من أي وقت مضى، لكن الرسالة الحقيقية لا لبس فيها، ومفادها أن الاقتصاد يتعثر، والسلطة تتركز، والسيد شي يركز بلا تردد على المنافسة مع الولايات المتحدة.

font change

مقالات ذات صلة