غزة وأوكرانيا تزاحم الاقتصاد في الانتخابات الأميركية

تاريخيا كانت السباقات الرئاسية تتركز على شؤون داخلية

غزة وأوكرانيا تزاحم الاقتصاد في الانتخابات الأميركية

الآن، وقد تأكد رسميا أن الانتخابات الرئاسية الأميركية هذا العام ستكون مباراة الثأر بين جو بايدن ودونالد ترمب، في إعادة لمنافسة 2020، فإنه من المتوقع أن تؤدي المخاوف العالمية الكبيرة مثل الأوضاع في أوكرانيا وغزة إلى تحويل تركيز الحملة بعيدا عن القضايا المحلية في المقام الأول.

تاريخيا، كانت السباقات الرئاسية الأميركية تتركز في المقام الأول على شؤون داخلية كبرى، مثل الأوضاع الاقتصادية والهجرة غير الشرعية.

ولعل العبارة الشهيرة: "إنه الاقتصاد يا غبي"، المنسوبة إلى جيمس كارفيل، وهو استراتيجي رئيس للرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون خلال حملته الانتخابية عام 1992، عندما سئل عن القضية الحاسمة في الحملة الانتخابية، قد غدت منذ ذلك الحين مبدأ توجيهيا للسياسة الأميركية.

ونتيجة لذلك، كانت الانتخابات الرئاسية الأميركية تميل إلى التركيز بشكل شبه كامل على حال الاقتصاد الوطني، ونذكر جميعا كيف ساعد التركيز على القضايا الداخلية الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش على تأمين ولاية ثانية لنفسه عام 2004، رغم الجدل الذي كان محتدما في ذلك الوقت حول غزوه المثير للجدل للعراق.

ومع ذلك، ستتخذ المنافسة الرئاسية الأميركية هذا العام، على الأرجح، منحى مختلفا، حيث يرجح أن يحتل النهج الذي يتبناه المرشحان في التعامل مع الصراعات الدائرة حاليا في أوكرانيا وغزة مركز الاهتمام.

القضايا الدولية سوف تكون موضع تركيز كبير في الانتخابات الأميركية هذا العام

طبعا، ستظل القضايا المحلية عاملا مهما في تحديد كيفية إدلاء الأميركيين بأصواتهم في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، حيث يناقش كل من الديمقراطيين والجمهوريين طريقة تعامل إدارة بايدن مع كل من الاقتصاد وقضية الهجرة غير الشرعية التي لا تزال قائمة منذ عهد بعيد، والتي باتت القضية المهيمنة في الحملة الانتخابية لدونالد ترمب.
والواقع أن أحدث البيانات الصادرة عن "وول ستريت" تشير إلى أن أداء الاقتصاد الأميركي أفضل مما كان متوقعا، حيث أظهرت أرقام الناتج المحلي الإجمالي المعدلة حسب التضخم نموا بنسبة 4.9 في المئة في العام الماضي. إلى جانب انخفاض معدلات البطالة، ومن الممكن أن تؤثر هذه التوقعات الاقتصادية القوية بشكل إيجابي على معدلات تأييد بايدن.
إلا أن المشهد الأمني العالمي المتدهور، والذي اتسم بالصراع الأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، والجهود العسكرية المكثفة التي تبذلها إسرائيل ضد "حماس"، كل ذلك يؤكد أن القضايا الدولية سوف تكون موضع تركيز كبير في الحملة الانتخابية هذا العام.
وأصبح الصراع في أوكرانيا، الذي دخل الآن عامه الثالث، قضية محورية في الانتخابات، حيث يتناقض دعم إدارة بايدن الثابت لأوكرانيا مع موقف دونالد ترمب وأنصاره الجمهوريين، الذين يعارضون إلى حد كبير استمرار المساعدات العسكرية والمالية الأميركية للمجهود الحربي في أوكرانيا، وهو موقف كلف دافعي الضرائب الأميركيين ما يقدر بنحو 45 مليار دولار.
وأعلنت إدارة بايدن هذا الأسبوع أنها سترسل مساعدات عسكرية أخرى بقيمة 300 مليون دولار لأوكرانيا رغم محاولات القادة الجمهوريين في الكونغرس منع أي دعم أميركي إضافي للقضية الأوكرانية. على النقيض من ذلك، أوضح ترمب خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء المجري المقرّب من الكرملين، فيكتور أوربان، هذا الأسبوع أنه "لن يتنازل عن سنت واحد في الحرب الأوكرانية الروسية" إذا نجح في محاولة إعادة انتخابه.

إذا عاد ترمب للبيت الأبيض سيتفاوض مع بوتين لإنهاء الحرب بشروط لن تكون في مصلحة أوكرانيا

وقد يبدو موقف ترمب بشأن أوكرانيا أكثر شعبية بين الكثير من الناخبين الأميركيين، حيث تشير استطلاعات الرأي الأخيرة في الولايات المتحدة إلى أن أغلب الناخبين الجمهوريين يعتقدون أن الولايات المتحدة أعطت "أكثر مما ينبغي" لجهود الحرب في أوكرانيا. ولعل هذا هو منشأ التكهنات القائلة بأن واحدا من بين أول الإجراءات التي سيقوم بها ترمب إذا نجح في محاولته لإعادة انتخابه سيكون التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على صفقة لإنهاء الحرب بشروط لن تكون في مصلحة أوكرانيا.
وفيما يخص غزة، نرى ترمب يتبنى خطابا عدائيا بشكل متزايد بشأن الصراع الدائر هناك، وهو يكرر في كل يوم ادعاءه بأن "حماس" لم تكن لتجرؤ أبدا على شن هجومها الذي قامت به ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول لو أنه كان لا يزال في البيت الأبيض.
وبعد أن امتنع في السابق عن تسليط الضوء على هذه القضية بعد أن شنت إسرائيل غزوها العسكري لغزة لتدمير "حماس"، ظهر ترمب مؤخرا على قناة "فوكس نيوز" للتعبير عن دعمه للإسرائيليين، معلنا أن إسرائيل يجب أن "تنهي المشكلة" في حربها ضد "حماس".
وقال ترمب لشبكة "فوكس نيوز" عندما سئل عن الحرب: "عليك إنهاء المشكلة. لقد تعرضتَ لغزو مروع ما كان ليحدث لو كنتُ أنا رئيسا."
ومع ذلك، لم يدل ترمب بدلوه في الطريقة التي سيحاول بها إنهاء الصراع، وتجنب بشدة اتخاذ موقف صريح بشأن الجهد العسكري الإسرائيلي، ولم يقدم موقفه الخاص بشأن استراتيجية الولايات المتحدة أو إسرائيل طوال الأشهر الخمسة للحرب.

يعزو ترمب ظهور الصراعات في كل من أوكرانيا وغزة إلى ما يعتبره تساهل إدارة بايدن

ويختلف افتقار دونالد ترمب إلى التعامل مع القضايا الحاسمة المتعلقة بالصراع في غزة بشكل كبير عن موقف إدارة بايدن الأكثر حزما تجاه العمليات العسكرية المتواصلة التي تشنها الحكومة الإسرائيلية.
وبعد أن انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علنا بسبب طريقة تعامله مع الصراع، الذي أودى حتى الآن، وفقا لوكالات الإغاثة، بحياة ما يقدر بنحو 30 ألف مدني فلسطيني في غزة، يدعم بايدن الآن الجهود الرامية إلى قيام واشنطن بإنشاء عملياتها الخاصة في غزة من خلال تقديم المساعدات مباشرة إلى ضحايا النزاع الفلسطينيين عبر إسقاط الإمدادات جوا إلى غزة والتخطيط لبناء رصيف عائم مؤقت قبالة ساحل غزة لتسهيل توصيل المساعدات المباشرة إلى منظمات الإغاثة الفلسطينية.
ولكن لا يبدو أن لمواقف بايدن ومبادراته تلك كبير أثر على ترمب، الذي يعزو ظهور الصراعات في كل من أوكرانيا وغزة إلى ما يعتبره تساهل إدارة بايدن، بينما يؤكد أن هذه الأعمال العدوانية من قبل خصوم أجانب ما كان لها أن تقع أساسا في ظل رئاسته، مؤكدا أن "ما كان لهذا [حرب غزة] أن يحدث أبدا. وبالمثل، فإن روسيا لم تكن لتهاجم أوكرانيا أبدا"، في إشارة إلى إيمانه بسياسة الردع.
يؤدي النهجان المتفارقان لكل من بايدن وترمب في التعامل مع الأوضاع في أوكرانيا وغزة بشكل صارخ إلى أن القضايا الدولية الرئيسة ستؤثر بشكل كبير على نتائج الانتخابات الرئاسية هذا العام، مما يحدد خيارا واضحا للناخبين بناء على استراتيجيات السياسة الخارجية، في تحديد المرشح الذي سيظهر في نهاية المطاف منتصرا.

font change