الكوليرا مرآةٌ لعالمنا

وقد نضبت إمدادات اللقاحات التي تُعد، إلى جانب تحسين التطهير والنظافة الصحية، أساسية لمنع تفشي الكوليرا والحد من نطاقه. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2022، عمد فريق التنسيق الدولي المعني بإدارة مخزون اللقاحات الاحتياطي للطوارئ إلى تعليق نظام التلقيح المعياري الذي يشتمل على جرعتين وإبداله بجرعة واحدة، من أجل زيادة الاستفادة من الإمدادات المحدودة. وعلى الرغم من هذا الإجراء الجذري، نفد المخزون الاحتياطي في بداية السنة الجارية.

ولم تتبق أي جرعة من اللقاح، في وقت يُبلّغ فيه 23 بلداً عن تفشيات مستمرة للوباء. وفي حين أن هناك أكثر من مليار شخص معرّضون لأخطار الإصابة بالكوليرا، فإن شركات الأدوية لا تزوّد السوق المنتجات الخاصة بالكوليرا لأن ربحيّتها منخفضة – نظراً إلى أن هذا المرض يصيب أفقر الفقراء.

وفي حين أن دوافع تفشي الكوليرا مثل الفقر والنزاع، معروفة جيداً، فإننا نواجه اليوم الخطر المتنامي لأزمة المناخ. فالظواهر المناخية المتطرفة، مثل الفيضانات والأعاصير والجفاف، تحد بدرجة أكبر من إتاحة المياه النظيفة وتهيئ البيئة المثالية لازدهار الكوليرا.

إننا نشعر بقلق بالغ إزاء الوضع الوبائي الحالي، ولا سيما في جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وموزمبيق والصومال والسودان وزامبيا وزيمبابوي، على الرغم من إحراز التقدم في بعض البلدان التي تفشى فيها المرض.

وإلى جانب النقص العالمي في لقاحات الكوليرا الفموية، فإن الإمدادات الحيوية الأخرى في طريقها هي أيضاً إلى النفاد. ولا يزال العاملون الصحيون يعملون فوق طاقتهم، ويجعل العدد المتزايد من الطوارئ الصحية والإنسانية النُظم الصحية على شفا الانهيار.

وتدعم المنظمة وزامبيا معاً فرقة العمل العالمية لمكافحة الكوليرا، التي عملت بدور فعّال مع السلطات الوطنية على وقف تفشيات الوباء، بضمان إتاحة الإمدادات الأساسية، وتعزيز الكشف عن الكوليرا والوقاية منها وعلاجها، وإبقاء الناس على علم باستمرار بكيفية حماية أنفسهم، وتحديد الأولويات لمكافحة الكوليرا على نحو مستدام.

ويُعد ذلك أساساً قوياً، لكن الرياح المعاكسة لا تقل عنه قوة، ولذا يتعيّن القيام بمزيد من العمل من أجل التصدي للكوليرا.

أولاً، تُعد أساسيات الصحة العامة ذات أهمية حاسمة. وكما أشار جون سنو قبل كل تلك السنوات، من الأهمية بمكان ضمان المياه الآمنة والتطهير والنظافة الصحية. ويعني ذلك الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الكبرى والعمل مباشرة مع المجتمعات المتضرّرة كي تشارك في إيجاد الحلول التي تخدم احتياجاتها.

ثانياً، مع انتشار الكوليرا بسرعة كبيرة، يصبح تجهيز نظام الترصّد القادر على اكتشاف تقشيات الوباء بسرعة مهماً للسيطرة عليها. وتمثل المختبرات المجهّزة تجهيزاً جيداً وإتاحة الاختبارات التشخيصية أولى الخطوات لتقديم العلاج الفعّال ونشر اللقاحات حيثما تلزم تحديداً.

ثالثاً، يعوق الافتقار إلى القدرة على إنتاج اللقاحات إمكان الاستجابة لتفشي الأمراض وشن حملات الوقاية. ويظل من الأهمية بمكان، على المديين المتوسط والطويل، زيادة حجم القدرة العالمية على إنتاج اللقاحات. وتنتظر زامبيا حالياً إنتاج اللقاحات من أجل حماية ما لا يقل عن 2,4 مليون شخص معرّضين لأخطار الإصابة بالكوليرا.

وقد استُنفد المخزون العالمي من اللقاحات منذ كانون الثاني/ يناير من هذا العام. وستؤدي أي تفشي جديد للوباء إلى مزيد من الضغط على منظومة الإنتاج الهشة هذه. ويُعد الاستثمار في تصنيع لقاحات الكوليرا - المنتجة محلياً - عنصراً حاسم الأهمية مع استمرار الاتجاه نحو زيادة عدد تفشيات الوباء وحجمها. ويتعيّن على المجتمع العالمي دعم هذه الخطة من طريق الاستثمار في القدرة على التصنيع وضمان طلبات شراء اللقاحات.

وفي العامين الماضيين، صرفت المنظمة 16 مليون دولار من صندوق الطوارئ لدعم 16 بلداً، بما في ذلك ملاوي وسوريا وزامبيا وزيمبابوي وباكستان - من بين بلدان أخرى. وبفضل هذه الأموال، أُتيحت الأدوية والرعاية الصحية للمجتمعات المتضرّرة. وتلقت السلطات الوطنية والشركاء مجموعات لوازم الكوليرا ولوازم المختبرات ونُفِّذت حلول النظافة وأنشطة إشراك المجتمع المحلي. ومع تدهور الوضع العالمي للكوليرا، أصدرت المنظمة نداءً لجمع 50 مليون دولار أميركي في سبيل دعم العمليات الجارية لوضع حد لوفيات الأطفال وتقليص الأثر الاجتماعي والاقتصادي لهذا المرض الذي يمكن الوقاية منه.

ويجسّد الفقر والنزاعات والكوارث المناخية سوء إدارة الموارد على نطاق أوسع وضعف الحوكمة وفشل القيادة، الأوجه الأخرى للمرض. فالكوليرا بمثابة مرآة لعلل العالم التي أوجدتها البشرية وتسعى على ما يبدو إلى تضخيمها.

وكما قال جون سنو، فإن ضمان إتاحة المياه الآمنة والنظافة للجميع - الذي يُعد حقاً من حقوق الإنسان المعترف بها دولياً -، أمرا بالغ الأهمية لوقف تفشي المرض ولإنقاذ الأرواح. لقد كان وضع حد لتفشي الكوليرا ممكناً طوال أكثر من قرن من الزمان، والوفاة الحتمية للأشخاص - وخاصة الأطفال - بسبب الكوليرا يجب أن يوضع لها حد.

* هذا المقال ينشر حصريا باللغة العربية في "المجلة"، وباللغة الانكليزية في صحيفة الـ "غارديان"اللندنية