أرامكو نموذجاً للتطور ورسم مستقبل القطاع

الأولى على مستوى النفط والثالثة عالميا بين شركات العالم

رويترز
رويترز
شعار شركة أرامكو السعودية، في معرض هايفوليوشن في باريس، 1 فبراير 2024

أرامكو نموذجاً للتطور ورسم مستقبل القطاع

تعتبر أرامكو أهم مرتكزات الاقتصاد السعودي ومنذ زمن طويل. إنتاج النفط في السعودية وتصديره مثل أهم التحولات في الحياة في البلاد. يعود تأسيس الشركة إلى عام 1933 عند التوقيع على اتفاق الامتياز بين المملكة العربية الشعودية وشركة "سوكال" (Standard Oil Company of California). وقد أطلق على الشركة التي تولت تنفيذ اتفاقية الامتياز اسم شركة النفط العربية الأميركيـة "Aramco". هذه الشركة أنيط بها استخراج وتصدير النفط والغاز في الأراضي السعودية.

في عام 2022 أصبحت "أرامكو السعودية" ثاني أكبر شركة نفطية في العالم من حيث الإيرادات، وتمكنت على مدار سنوات عدة من تحقيق أفضل النتائج المالية في الأعمال النفطية على المستوى العالمي. وتقدر المصادر النفطية العالمية بأن الاحتياطي النفطي المؤكد لشركة أرامكو يبلغ 270 مليار برميل. خلال الفترة من 1973 إلى 2024 قدر معدل الإنتاج النفطي في السعودية بنحو 8.3 مليون برميل يومياً. وقد اعتبرت سنة 1973 من السنوات الهامة في تاريخ الاقتصاد النفطي واقتصاديات الطاقة بشكل عام بعد حرب أكتوبر وقيام العديد من الدول بمراجعة علاقاتها مع الشركات النفطية الأجنبية ومقاطعة الدول المنتجة لفترة قصيرة عدد من الدول المستهلكة بسبب الحرب بما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل قياسي بعد ثبات الأسعار لأمد طويل قبل ذلك.

تاريخ العلاقات مع شركات النفط

بقيت أرامكو مملوكة من قبل الدولة منذ اقتناء حصص الشركات الأجنبية في عام 1973، حيث تم إقتناء 25 في المئة ثم زيادة الملكية إلى 60 في المئة في عام 1976 وأخيراً إقتناء الملكية بالكامل في عام 1980. بعد تلك التطورات التي جرت قبل أربعين عاماً أصبحت الحكومة السعودية مهتمة بتحويل جزء من ملكية الدولة إلى القطاع الخاص ولذلك فقد تم طرح إصدار أولي في الأسواق المالية في عام2021 وبنسبة 5 في المئة من أسهم الملكية وقد كانت حصلية ذلك الإصدار 30 مليار دولار.

تقدر قيمة أرامكو بنحو ثلاثة تريليونات دولار، وصارت ملكية الدولة 82.2 في المئة، ويبلغ عدد العاملين فيها 70,000 موظف وموظفة في مختلف المجالات المهنية

هدفت السلطات السعودية إلى تمكين القطاع الخاص السعودي والمستثمرين الأجانب خوض أعمال قطاع النفط، وهو القطاع الأساسي في الاقتصاد الوطني، ولعب دور حيوي في الإدارة والتسويق وتطوير الأعمال ودعم المبادرات الإبداعية لتنويع قاعدة المنتجات. لكن إمكان بيع نسبة أخرى من أسهم الملكية ظل مطروحاً وقد تم الإعلان عن ذلك من قبل الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ورئيس مجلس الوزراء. وقد أكد الإعلان نقل 8 في المئة من ملكية الدولة إلى محافظ استثمارية مملوكة من صندوق الاستثمارات العامة، الصندوق السيادي، وهكذا أصبحت ملكية الدولة من حقوق الملكية في أرامكو 82.2 في المئة.

رويترز
الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، أمين ناصر، يتحدث في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي للتكنولوجيا والبترول (IPTC)، في الرياض، السعودية، 21 فبراير 2022

لا شك أن هناك إمكانات محتملة لتحرير جزء آخر من ملكية الدولة في شركة أرامكو ونقلها إلى الجهات الاستثمارية في المملكة وتمكين المستثمرين الأجانب من تملك جزء من تلك الأسهم. أصبحت أرامكو الأولى على مستوى الشركات النفطية العالمية من حيث القيمة الرأسمالية، أما على مستوى عموم الشركات العالمية فقد حلت أرامكو في المرتبة الثالثة بعد مايكروسوفت وأبل. 

تقدر قيمة أرامكو الآن بنحو 3 تريليونات دولار تقريباً. لا شك أن هذا التطور في القيمة والأداء هو نتاج جهود مضنية على مدى زمني طويل وارتقاء أداء الإدارة الوطنية خلال تلك السنوات. أفلحت إدارات أرامكو المتعاقبة في تطوير برامج التنمية البشرية والهادفة إلى بناء القدرات المهنية وإنجاز نقل المعرفة. خلال السنوات المنصرمة جرى تأهيل الكوادر الشابة من خلال برامج احترافية محلية ودولية.

وقد تأسس مركز تدريب للتميز للعمل على صياغة البرامج وأعمال التدريب المكثفة والطويلة. وتجري أعمال التدريب للكوادر العاملة في الشركة بموجب أحدث الابتكارات العلمية والمهنية والتعامل مع أحدث التطبيقات التقنية التي ترفع من فعالية الإنتاج والارتقاء بالجودة. لا تقتصر برامج التدريب على الكوادر الجديدة ولكن يشمل تدريب كبار المسؤولين والقياديين في الشركة. يشمل التدريب طلبة المدارس الثانوية والمعاهد المهنية لتمكينهم من العمل في مختلف وظائف الشركة. هذا الاهتمام بالتدريب واكتساب المعرفة المهنية على صعيد الإنتاج وتحقيق أفضل النتائج المالية أخذاً في الاعتبار المتغيرات الجارية في أعمال النفط والغاز على المستوى العالمي. يبلغ عدد العاملين في أرامكو 70,000 موظف وموظفة في مختلف المجالات المهنية.

رفعت توزيعات الأرباح بنسبة 30 في المئة عن عام 2022 وقررت توزيع ما يقارب 98 مليار دولار 

كانت شركة أرامكو قد حققت أرباحاً قدرها 161 مليار دولار في عام 2022 لكنها أعلنت أرباحاً أقل في عام 2023 نحو 121 مليار دولار. جاء هذا الانخفاض في الأرباح وبنسبة 24.7 في المئة نتيجة لتراجع أسعار النفط في العام الماضي. لكن الشركة قررت رفع توزيعات الأرباح بنسبة 30 في المئة عن عام 2022 وقررت توزيع ما يقارب 98 مليار دولار. لا شك أن متغيرات السوق وتراجع أو ارتفاع الأسعار تلعب دوراً هاماً في تحديد مستويات أرباح أرامكو وغيرها من الشركات النفطية.

إدارة متوازنة للانتاج

يضاف إلى ذلك أن أرامكو  التزمت بقرارات خفض الإنتاج التي اعتمدها أوبك مع شركائها الست من الدول المنتجة حفاظاً على تماسك أسعار النفط. هذا الخفض، الالزامي والطوعي ، لابد أن يؤثر على الإيرادات. لكن تظل الشركة الأقدر على مواجهة متطلبات السوق النفطية ومتغيرات العرض والطلب.

تنتج السعودية في الوقت الحاضر 9 ملايين برميل يومياً في حين يمكن أن تصل الطاقة الإنتاجية إلى 12 مليون برميل يومياً. يعني ذلك أن بإمكان السعودية أن تتفاعل بحيوية مع أي ارتفاع في الطلب على النفط أو انخفاض امدادات الدول المنتجة الأخرى لأسباب فنية أو أمنية أو عوامل سياسية واقتصادية. مهما يكن من أمر فإن أرامكو تتمتع بامكانيات فنية وإدارية لتعظيم نتائجها المالية وتحقيق أرباحاً تمكن من إنجاز توزيعات جيدة للمساهمين خلال السنوات القادمة.

أ.ب
من الاحتفال بأول طرح عام للشركة أرامكو، في سوق الأوراق المالية في الرياض، 11 ديسمبر 2019

مشاريع المستقبل

قبل سنوات قليلة كان هناك توجهاً لدى أرامكو لرفع مستوى الطاقة الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يومياً، وقد وضعت الخطط للإستثمار في الحقول بما يعزز إمكانات رفع الإنتاج لكن تطورات الاقتصاد العالمي والاهتمام بتطوير مصادر طاقة بديلة وتبني الشركة خطط للحياد الكربوني المقرر في عام 2050 ، دفعت إلى إعادة النظر بخطط الانفاق الرأسمالي الهادف إلى رفع الإنتاج إلى 13 مليون برميل يومياً بحلوم عام 2027.

غني عن البيان أن القرار السعودي يمثل تفهماً موضوعياً للتحولات في صناعة النفط واقتصاديات الطاقة والاهتمامات العالمية بمسائل البيئة والتحرر من التلوث الكربوني. على المدى القصير تلتزم السعودية ، عبر أرامكو بتخفيض الإنتاج بمعدل مليون برميل يومياً . 

يفترض أن يعاد النظر بهذا القرار في نهاية الربع الأول من هذا العام، أي مطلع أبريل/نيسان المقبل. بطبيعة الحال  يمكن تمديد الخفض بناء على الظروف والمستجدات في سوق النفط وأحوال الاقتصاد العالمي. وكالة الطاقة الدولية توقعت أن يرتفع الطلب على النفط عالميا بنحو 1.1 مليون برميل يومياً. بيد أن هذه التوقعات والتي تقل عن توقعات عام 2023 والتي كانت تقدر ارتفاع الطلب بـ 2.3 مليون برميل يومياً تظل افتراضية حيث أن العوامل الاقتصادية في الدول المستهلكة تمثل أهم العوامل المؤثرة في السوق. هناك عوامل أخرى جيوسياسية وأمنية قد تؤثر على مستويات العرض أو الامدادات مثل اعتداءات الحوثيين في اليمن على السفن والناقلات في البحر الأحمر بما يعطل وصول النفط إلى البلدان المستهلكة، خصوصاً البلدان الأوروبية.

صارت أرامكو من أهم الشركات النفطية في العالم، عززت قيمتها الرأسمالية في الأسواق المالية وأتاحت إمكان تملك أسهم حقوق الملكية للأفراد والمؤسسات المحلية والأجنبية

الغاز والمنتجات الأخرى

أرامكو، أيضا، فعلت قدرتها الإنتاجية في الغاز حيث ارتفع إجمالي إنتاج الغاز، الطبيعي والايثان، إلى 10.67 مليار قدم مكعبة يومياً في حين كان الإنتاج 10.61 مليار قدم مكعبة يومياً في عام 2022. أيضا هناك تحسناً في إنتاج المواد الكيميائية والتي بلغت 59.6 مليون طن سنوياً في عام 2023 حيث ارتفعت عن مستواها في عام 2022 الذي بلغ 56.3 مليون طن. 

أما في مجال التكرير فإن المستوى لا يزال 4.1 ملايين برميل يومياً. الطاقة المتجددة من الأهداف التي تسعى أرامكو لتحقيقها وقد حددت إنتاج 12 غيغا واط بحلول عام 2030. هذا يأتي في سياق استيعاب الشركة لمتطلبات المستقبل والتطورات في البلدان المستهلكة الرئيسية.

صارت أرامكو من الشركات المتميزة في أعمالها وأصبحت من أهم الشركات النفطية على المستوى العالمي كما إنها عززت قيمتها الرأسمالية في الأسواق المالية وأتاحت إمكانيات تملك أسهم حقوق الملكية للأفراد والمؤسسات المحلية والأجنبية. يضاف إلى ذلك قدرة الشركة على التفاعل مع التحولات في اقتصاديات الطاقة ومتطلبات حماية البيئة. هذه العناصر التي تتسم بها الشركة لا بد أن تعزز النتائج الجيدة خلال السنوات القادمة.      

font change

مقالات ذات صلة