بعد تنامي الثروات المشبوهة، وتسلل الأموال الناتجة من تجارة الممنوعات والأعمال غير القانونية في مختلف أقطار المعمورة، دخلت في الربع الأخير من القرن العشرين ثقافة مكافحة "تبييض" الأموال ميدانَ العمل الأمني والمصرفي والتشريعي، لدى غالبية الدول والمؤسسات المالية والنقدية التي تحرص على نظافة ودائعها واستثماراتها.
بيد أنه عند بدء الألفية الجديدة، وانفلاش الأعمال الأمنية الموصوفة بالإرهاب، وتداخل إرتداداتها السلبية على المصالح السياسية والإقتصادية للدول، ألحقت بمكافحة التبييض معضلة مطاردة الأموال المجهولة المصدر التي تغذي شرايين المنظمات والشبكات التي تمارس العنف المفرط وتنشر حيثما أمكن، الفوضى والممارسات المخلة بأمن المجتمعات والدول وتنتهك، دون مراعاة أي قواعد أخلاقية أو إنسانية، حرية الأفراد وحقوق الإنسان.
لم ينأ لبنان بنفسه عن معركة مكافحة تبييض الأموال، وكان سبَّاقا في إقرار التشريعات والقوانين ذات الصلة، ومارس مصرفه المركزي أقسى أنواع الرقابة على حركة دخول الأموال إلى المصارف اللبنانية، والتدقيق في قانونية مصدرها ونظافة تكوينها، مما أعطى المصارف اللبنانية، قبل الانهيار الأخير المشؤوم لملاءتها، ثقة دولية وصدقية معتبرة لدى مختلف مؤسسات الرقابة ومكافحة الأموال المشبوهة.
لكن منذ الانهيار النقدي الأخير وتحول لبنان كلياً إلى اقتصاد "الكاش"، بالإضافة إلى فلتان الحدود البرية مع سوريا وتحول الأراضي اللبنانية إلى معبر لتهريب الحبوب المخدرة والأموال الممولة لأعمال غير قانونية أو إرهابية، بات لبنان تحت المجهر الدولي الأمني والمالي بقوة.
إقرأ أيضا: "حزب الكاش"
وباتت كل التحويلات وحركة الأموال منه وإليه، إما عبر الجهاز المصرفي أو شركات التحويل العاملة على أرضه أو شركات شحن الأموال، تحت المراقبة الدولية بدقة متناهية.