الجنسية الروسية تغري السوريين بالقتال في أوكرانيا

لا تزال تفاصيل رحلتهم غير واضحة المعالم

 أ ب
أ ب
لاجئون من الشرق الأوسط عند الحدود الفنلندية- الروسية في 23 نوفمبر 2023

الجنسية الروسية تغري السوريين بالقتال في أوكرانيا

ثمة مقطع فيديو متداول على الإنترنت، يصور مشهدا باللغة العربية، نسمع فيه أولا من يقول: "حصل هؤلاء الرجال اليوم على جواز سفر روسي بالإضافة إلى هواتف جديدة وسجائر ولم يستغرق كل ذلك سوى خمسة أيام فقط". بعد ذلك، يظهر عشرة أشخاص سوريين يعرضون بفخر أمام الكاميرا جوازات سفرهم الروسية الجديدة.

لم يكن مقطع الفيديو هذا مجرد احتفال بالمواطنة، بل كان خطوة تجنيد استراتيجية. وليس هذا المقتطف من الفيديو سوى لمحة من حملة تجنيد أوسع بدأت تتكشف منذ أن وقع الرئيس بوتين مرسوما في 4 يناير/كانون الثاني، يفتح الباب أمام الأجانب المتعاقدين مع الجيش الروسي للحصول على الجنسية في عملية مبسطة.

منذ ذلك الحين، فاضت وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا بمزيج من الشائعات والتقارير عن تجنيد المرتزقة أو نقلهم جوا إلى روسيا لنشرهم في أوكرانيا. ترسم هذه التطورات صورة تظهر تبني روسيا المتزايد لتجنيد المرتزقة الأجانب بغية تجديد قواتها وتعويض الخسائر البشرية المتزايدة فيها وتضاؤل صفوفها على مدى العامين الماضيين.

ليس استخدام المقاتلين السوريين في الخارج بالظاهرة الحديثة. فقد أدى عقد من الصراع الوحشي إلى قلة الفرص على المستوى المحلي مع آفاق مستقبلية قاتمة وغير مستقرة. وقد جُنّد في السنوات الأخيرة أفراد من الفصائل الموالية للنظام ومن المعارضة في سوريا على السواء وأرسلوا إلى ساحات القتال مثلما حدث في ليبيا. كما شارك مرتزقة سوريون في الصراع الذي دار بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورنو كاراباخ عام 2020. وكشفت تقارير أن مرتزقة سوريين نشروا في مناطق أخرى مثل فنزويلا وجمهورية أفريقيا الوسطى. وهذا الاتجاه المتصاعد لاستخدام المقاتلين السوريين مكّن دولا مثل روسيا من متابعة أهداف سياستها الخارجية بأقل تكلفة مع إمكانية معقولة للإنكار.

وفي وقت تراجعت فيه أخبار موسكو وتجنيدها للمرتزقة وإرسالهم للجبهات عن احتلال عناوين وسائل الإعلام، جاء التغيير في تكتيكات التجنيد ووجهته لتشعل اهتمام وسائل الإعلام مجددا. وقد جاء هذا الظهور الجديد بعد مرسوم الرئيس بوتين يوم 4 يناير/كانون الثاني 2024، الذي يمنح الأجانب الذين يجندون للقتال لصالح روسيا طريقا أسرع للحصول على الجنسية الروسية.

بدأت عملية منح المقاتلين المتطوعين من الأجانب الجنسية المُعجلة في سبتمبر/أيلول 2022، إذ سمح بتقديم طلبات الحصول على الجنسية للمهاجرين الذين وقعوا عقودا لمدة عام على الأقل، وخدموا في الأعمال العدائية النشطة لمدة ستة أشهر على الأقل، دون الحاجة إلى إثبات الكفاءة في اللغة الروسية أو الإقامة المتواصلة في البلاد مدة خمس سنوات.

بدأت عملية منح المقاتلين المتطوعين من الأجانب الجنسية المُعجلة في سبتمبر 2022

وفي مايو/أيار 2023 صدر مرسوم آخر بسّط شروط الجنسية كثيرا، فألغى شرط المشاركة في الأعمال العدائية الفعلية مدة ستة أشهر على الأقل. كما أدى المرسوم الذي وقّع هذا العام إلى تسريع عملية الحصول على الجنسية، حيث نص على أن القرارات بشأن هذه الطلبات ينبغي اتخاذها في غضون شهر، بدلا من الإطار الزمني السابق البالغ ثلاثة أشهر. وتظهر هذه التغييرات المتكررة رغبة موسكو في تجديد قواتها في أوكرانيا بوسائل مختلفة، ومنها تجنيد المهاجرين.

أ ف ب
أسرى أجانب قبض عليهم الجيش الأوكراني الذي قال إنهم كانوا يحاربون مع القوات الروسية

في هذا السياق، أعد مقطع الفيديو الذي يُظهر سوريين مُنحوا الجنسية الروسية بسرعة ووزع على الإنترنت بهدف  تضخيم تأثير هذه التغييرات في السياسات. كما تستهدف الدعاية الروسية الجماهير المحلية أيضا، بزعمها أن السوريين ينضمون للروس بسبب امتنانهم لروسيا على مساعدتها لهم خلال الحرب الأهلية، وهم بالتالي  يسددون دينا عليهم. غير أن زيادة  عدد السوريين الراغبين في التجنيد لا ترجع إلى الدعاية الروسية فقط، بل يدفعها مزيج من التحديات الاقتصادية والفرص المحدودة وغياب الاستقرار على نحو مستمر في بلدهم.
وبالتالي، فإن جاذبية الأجور الكبيرة ولا سيما عند مقارنتها مع إيراداتهم المحلية، والوعد بمستقبل أكثر استقرارا لأسرهم، تشكل حوافز مقنعة للأفراد الذين لا يعرفون سوى بدائل قليلة. إضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن روسيا ووسطاءها يلجأون إلى أساليب مخادعة لإغراء السوريين بالانضمام إلى صفوفهم. وحسب ما ورد يوعد السوريون في البداية بالعمل كحراس أمن في مصافي النفط أو المناجم في ياكوتيا، وهي منطقة "ذات موارد هائلة إنما بقوى عاملة محدودة". 
وتأتي هذه الوعود مصحوبة بإغراء الحصول على راتب شهري يبلغ نحو ألفي دولار مع إغراء الحصول السريع على الجنسية الروسية. ولكن ما إن يجندوا حتى يجد الكثيرون أنفسهم مجبرين على القيام بواجب قتالي في الخطوط الأمامية. ويشار إلى أن العقود التي يوقعها المجندون عند وصولهم إلى روسيا مكتوبة باللغة الروسية، وهي لغة لا يعرفونها، مما يسهل الحصول على موافقتهم  على نشرهم في أوكرانيا دون علم منهم.
وفي حين يبدو أن هذه الحوافز تغري السوريين، فإن العدد الدقيق لمن جندوا منذ صدور المرسوم الجديد في يناير لا يزال غير واضح. وأشارت مصادر مطلعة إلى أن ثلاث شحنات على الأقل من المجندين السوريين، ضمت  كل منها ما بين 40 إلى 80 فردا،  نقلوا إلى روسيا خلال الأشهر الثلاثة الماضية. ويأتي هؤلاء المجندون من محافظات مختلفة منها السويداء ودمشق وحمص.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت المصادر إلى أن مئات من السوريين سجلوا أسماءهم لدى وسطاء محليين وهم يتوقعون سفرا وشيكا إلى روسيا. في هذه الأثناء  أفادت مصادر استخباراتية أوكرانية أن المجموعة الأولية التي تضم نحو 1000 مرتزق، تخضع حاليا للتدريب استعدادا لنقلهم إلى روسيا.
غير أن انتشار المحتالين الذين يتظاهرون بأنهم وسطاء لروسيا ويجمعون رسوم التسجيل أو الرشاوى، يزيد من تعقيد عملية التحقق من العدد الفعلي للسوريين الذين سيتمكنون من السفر. ومع ذلك، فإن إسراع السوريين لتسجيل أسمائهم لدى جهات التجنيد يشير إلى أنه لن يكون هناك نقص في المجندين السوريين إذا أرادت روسيا توسيع نطاق عمليات التجنيد هذه.

جاذبية الأجور الكبيرة والوعد بمستقبل أكثر استقرارا لأسرهم، حافزان مقنعان للسوريين الذين لا يعرفون سوى بدائل قليلة

لا تزال تفاصيل رحلة المجندين من سوريا إلى روسيا غير واضحة المعالم، مما يعقد الجهود المبذولة للتحقق من التقارير المتضاربة المتداولة حول هذا الموضوع. وتدعي مصادر المخابرات الأوكرانية أن التدريبات تجري على الأراضي السورية بالقرب من حلب ومطار كويرس، حيث تركز هذه التدريبات على العمليات القتالية في المناطق المدينية. ومن المقرر بعد الانتهاء من التدريب أن يُنقل هؤلاء المرتزقة السوريون إلى قاعدة حميميم الجوية ومن ثم إلى موسكو. وأن يُمنحواعند وصولهم جوازات سفر روسية في مدينة أولان أودي، وبعد ذلك يلتحق المرتزقة المعتمدون بلواء مدرعات  الحرس المنفصل الخامس (الوحدة العسكرية 46108) في أولان أودي، حيث سيشاركون في العمليات القتالية في أوكرانيا.
غير أن وسائل إعلام سورية حددت طريقين محتملين للوصول إلى روسيا. المسار الأول يشمل السفر من قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية إلى موسكو، بينما يمر المسار الثاني عبر مطار دمشق إلى العاصمة الروسية. وعند وصولهم إلى روسيا يوقع السوريون عقودا مع وزارة الدفاع مقابل الحصول على الجنسية الروسية، والحصول على جوازات سفر من سلطات المنطقة التي يصلون إليها، ثم يخضعون  لدورة أساسية في اللغة، ليلتحقوا بعدها بمعسكرات تدريب تابعة للجيش الروسي قبل نشرهم في الخطوط الأمامية.
قد تكون الاختلافات في روايات رحلة المجندين السوريين ناجمة عن الوسطاء الموكلين بالتجنيد. كما يمكن لموقع التجنيد أن يكون سببا لتناقض هذه الروايات، إذ يقال إن السوريين المقيمين في روسيا كغيرهم من المهاجرين يواجهون ضغوطا لتوقيع عقود التجنيد وإلا رُحّلوا إلى بلادهم.
وفي حين أن تدفق المجندين السوريين عبر روسيا إلى أوكرانيا لا يزال مقيدا نسبيا، فإن يأس موسكو المستمر من الحصول على القوى العاملة، مشفوعا بتصميم كثير من السوريين على الفرار من بلادهم بأي ثمن، ينذر بقوة بتطورات قد تكون محفوفة بالمخاطر في المستقبل.

وزارة الخارجية الأوكرانية
مقاتلون أجانب مع الجيش الأوكراني

ومع ذلك، فإن تداعيات الصراع السوري وإنتاجه المستمر للمرتزقة لن تتوقف عند أوكرانيا.. وإلى أن يتوصل الجميع إلى حل، فإن الافتقار المستمر إلى الفرص الاقتصادية وعدم الاستقرار الداخلي سوف يواصل دفع الشباب السوريين ليقبلوا بأن يستخدموا كسلع تصدر إلى مناطق صراع أخرى- وهو مورد ستستمر روسيا وغيرها من الدول في استغلاله بلا أدنى شك.

font change

مقالات ذات صلة