رجل الظل في "كتائب القسام" مروان عيسى... من هو؟

الرجل الذي حمل فكرة اقتحام المستوطنات وعلى قائمة أبرز المطلوبين لإسرائيل

أكسل رانغل غارسيا/المجلة
أكسل رانغل غارسيا/المجلة

رجل الظل في "كتائب القسام" مروان عيسى... من هو؟

في 12 مارس/آذار، أعلن الجيش الإسرائيلي استهدافه الرجل الثاني في "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" مروان عيسى، في غارة جوية على موقع في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

توالت الأخبار الإسرائيلية التي تحدثت حول استهداف عيسى وعدد آخر من قيادات "كتائب القسام"، إلا أن "حماس" وجناحها العسكري لم يصدرا أي نفي أو تأكيد حول الاستهداف، واكتفيا بالصمت، ما أدى إلى استمرار حديث الإعلام والجيش الإسرائيلي حول عملية اغتيال الرجل الثالث على قائمة أبرز المطلوبين لإسرائيل في محاولة لاستدراج "حماس" للحصول على تصريح حول الأمر، لكن دون أي فائدة.

وبحسب تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لوسائل الإعلام، فإنه وبحسب المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية، من المفترض أن مروان عيسى كان موجودا وقت الاستهداف في نفق تحت الأرض، لكن "حتى الآن من غير المعروف إن كانت محاولة الاغتيال نجحت أم لا"، بحسب قوله.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قال في وقت سابق: "ماضون في طريق النصر الكامل، قضينا بالفعل على الشخص رقم 4 في حماس"، قاصدا صالح العاروري مسؤول الحركة في الضفة الذي اغتيل إثر ضربة من طائرة مسيرة في لبنان، وفق هيئة البث الإسرائيلية، وأن الأرقام "3 و2 و1 في الطريق، كلهم فانون، وسوف نصل إليهم واحدا تلو الآخر". ورمز نتنياهو بالرقم 3 إلى مروان عيسى نائب القائد العام لـ"كتائب القسام"، و2 محمد الضيف قائد الجناح العسكري للحركة، وبالرقم 1 إلى يحيى السنوار رئيس حركة "حماس" في قطاع غزة.

انضم عيسى إلى "حماس" عبر الدكتور إبراهيم المقادمة، الذي اغتالته إسرائيل عام 2003

وتعتبر إسرائيل الأربعة ومن بينهم مروان عيسى، أبرز المطلوبين والمسؤولين عن التخطيط والتنفيذ لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي أدى إلى مقتل ما يزيد على 1200 إسرائيلي، بحسب التصريحات الإسرائيلية، واختطاف عشرات آخرين من المستوطنين والجنود الإسرائيليين واعتقالهم في قطاع غزة.

فمن هو مروان عيسى أو رجل الظل كما يلقب؟

مروان عيسى، ولد عام 1965 في مخيم البريج للاجئين وسط شرق قطاع غزة، بعدما هُجرت عائلته في عام النكبة 1948 من قرية "بيت طيما" قضاء غزة، ولجأت إلى المخيم وسط القطاع، وعُرف بين أقرانه بأنه شاب قوي البنية ولاعب مميز في فريق كرة السلة بنادي خدمات البريج، لكن مسيرته الرياضية لم تستمر طويلا، حيث تعرض للاعتقال من قبل إسرائيل في الانتفاضة الأولى عام 1987، ولمدة 5 سنوات بتهمة الانضمام إلى حركة "حماس".

وبحسب الكثير من المصادر، فقد انضم عيسى إلى "حماس" عبر الدكتور إبراهيم المقادمة، أحد أبرز قيادات الحركة الذي اغتالته إسرائيل عام 2003، وكان قد تعرف عليه خلال أحد الدروس الأسبوعية التي كان يلقيها المقادمة في مسجد بمخيم البريج، ليصبح فيما بعد، مسؤولا عن وحدة العمليات الخاصة التابعة لـ"كتائب القسام" وينتهي به المطاف قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، وهو "رئيس أركان القسام" اللقب الذي درج إطلاقه على نائب القائد العام لـ"كتائب عز الدين القسام"، وهو عضو المكتب السياسي والعسكري لـ"حماس" وفق نتائج آخر انتخابات أجرتها الحركة.

لعب عيسى دورا محوريا في عملية تبادل الأسرى التي توصلت لها "حماس" وإسرائيل عام 2011

تقدم عيسى في المراتب داخل "حماس" وجناحها العسكري على مدار السنوات الماضية، وكان ضمن الدفعة القسامية التي أعدت سلسلة من العمليات "الاستشهادية" انتقاما لاغتيال يحيى عياش عام 1996، ما أدى لاعتقاله من قِبل السلطة الفلسطينية، حيث أمضى 4 سنوات في سجونها وحتى تفجر الانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الأقصى" عام 2000.

كان عيسى في ذلك الوقت، يُوصف بـ"الظل" ولا يظهر على الإعلام أو في بيانات "حماس" الرسمية وجناحها العسكري حتى عام 2005، حين كشفت "كتائب القسام" في بيان على موقعها الإلكتروني قبل عشرة أيام من الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في سبتمبر/أيلول 2005، تضمّن البيان أسماء قادة الصف الأول من الكتائب، وصور ثلاثة منهم مع مناصبهم العسكرية، وكان من بينهم مروان عيسى الذي وُصف بـ"أبرز قادة كتائب القسام".

أ.ف.ب
فلسطينيون يمرون بالقرب من مبانٍ متضررة ومدمرة في مخيم المغازي للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة

وفيما بعد نجا من مُحاولة اغتيال إسرائيلية عام 2006، ولم يكن وجها معروفا للإعلام، حيث يعتبر نادر الظهور، حتى لعب دورا محوريا أساسيا في ترتيب عملية تبادل الأسرى التي توصلت لها "حماس" وإسرائيل عام 2011، بعدما أسرت "حماس" الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006 ولمدة خمس سنوات، حيث اتفق الطرفان وبرعاية دولية على عملية تبادل أسرى، استطاعت "حماس" من خلالها تحرير 1027 أسيرا فلسطينيا من السجون الإسرائيلية مقابل الجندي شاليط.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، اغتالت إسرائيل أحمد الجعبري نائب محمد الضيف، تم بعده تصعيد عسكري لعدة أيام، وجرت خلاله محاولة اغتيال عيسى إلا أنه نجا، وخلف الجعبري في منصبه كنائب للقائد العام لـ"كتائب القسام". واستهدفت إسرائيل منزله مرتين في عامي 2014 و2021، ما أدى إلى مقتل شقيقه باسم عيسى خلال الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2021.

الإعلام الإسرائيلي: عيسى كان يخطط في انتفاضة الأقصى لاقتحام "غوش قطيف" قبل عام 2005

استمرت محاولات إسرائيل، تارة بمحاولات اغتياله، وتارة بعمليات التجسس عليه، حيث اكتشف عناصر الجهاز الأمني في "حماس"، في يناير/كانون الثاني 2019، معدات تجسس كانت موجودة في منزل مجاور لمنزل عيسى، وقاموا بتفكيكها، وفق مصادر إعلامية. سبقها كشف "حماس" عن جهاز تجسس آخر زرعه عميل في سيارة أحد مرافقيه، واعترف العميل أنه تسلم الجهاز الصغير من إسرائيل ثم وضعه في منطقة مخفية داخل السيارة، تبين أنه كان مخصصا للتجسس صوتيا على مَن في السيارة، بالإضافة إلى جهاز تعقب، بحسب مصادر في "حماس".

في 10 سبتمبر/أيلول 2019، صنفت وزارة الخارجية الأميركية عيسى على أنه إرهابي، لدوره "القيادي" في "حماس"، وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلقت "حماس" وابلا من الصواريخ تجاه إسرائيل، بينما كان مقاتلوها يعبرون إلى إسرائيل من غزة عبر دراجات نارية وشاحنات صغيرة وطائرات شراعية وقوارب سريعة، في هجوم وصف بغير المسبوق من قبل الحركة. وكانت "حماس" قد أطلقت ما لا يقل عن 3500 صاروخ تجاه إسرائيل بحلول نهاية اليوم، وقتلت ما لا يقل عن 1200 شخص، واحتجزت نحو 240 رهينة مدنية وعسكرية، بحسب مصادر إسرائيلية.

الهجوم الأخير الذي نفذته "كتائب القسام" على المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة، وإدراج اسم مروان عيسى كأبرز 4 مطلوبين لإسرائيل والمسؤولين عن هجوم السابع من أكتوبر، سبق كل ذلك إشارة الإعلام الإسرائيلي في تقرير نشره عام 2011، إلى أن عيسى كان يخطط في الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) إلى عملية اقتحام بعشرات المقاتلين لمُجمع "غوش قطيف" الاستيطاني جنوبي قطاع غزة قبل الانسحاب عام 2005، وبإشراف مباشر من القيادي أحمد الجعبري، لكن ذلك لم يحدث لأن مستوطنات غزة فُككت وانسحبت إسرائيل من غزة.

كانت تلك محطة هامة في تاريخ الرجل، حيث ظهر باسمه في إعلام "كتائب القسام"، وضمن نشرة حملت اسم "فجر الانتصار" والتي شملت نشر مقابلات مع عدد من قادة القسام، وصاحب عيسى توصيف "مسؤول عمليات المستوطنات"، حينها تحدث عن عمليات اقتحام المستوطنات وهي الفكرة التي طرحها وتحدث عنها الشيخ صلاح شحادة أحد أبرز مؤسسي حركة "حماس" والقائد العام السابق لـ"القسام".

عيسى: انتهى المشروع السياسي في الضفة والعدو أنهى "أوسلو" والأيام المقبلة حُبلى بالأحداث

يقول عيسى في المقابلة خلال شرحه لتفاصيل عمليات الاقتحام، إن من ينفذها "مجموعات خاصة بعد تدريبات شاقة وإعداد متواصل"، مشيرا إلى أن العملية تبدأ بعمليات الرصد والمراقبة والتي قد تمتد لأسابيع، بهدف جمع كافة المعلومات، يليها طرح ملف العملية أمام القيادة للنقاش، وتشكيل لجنة خاصة لدراسة إمكانية تنفيذ العملية من عدمه، أو تأجيلها، والفيصل هنا على لسان عيسى هو "تحقيق أكبر قدر ممكن من النجاح وأقل قدر ممكن من الخسائر"، وربما ذلك هو ما دفع إسرائيل لاتهام عيسى بالإشراف على تنفيذ هجمات السابع من أكتوبر، بعد تخطيط ومُباركة من محمد الضيف ويحيى السنوار.

وظهر عيسى في صورة ضمن أعضاء المكتب السياسي لحركة "حماس" عام 2021، بعدما نُشرت صورة لأعضاء المكتب السياسي للحركة في آخر انتخابات داخلية، وكان من بين عشرين من الأعضاء ظهر واقفا في الصف الخلفي، ويرتدي كمامة طبية على عكس جميع من في الصورة، حيث سلط الإعلام الإسرائيلي حينها الضوء على شخصيته والعقلية التي يفكر ويقود بها "كتائب القسام"، خاصة بعد تهديداته من أي "تغيير في الوضع القائم في المسجد الأقصى، والذي سيحوّل المنطقة إلى زلزال".

وقال عيسى في تصريحات سابقة لفضائية "الأقصى" "انتهى المشروع السياسي في الضفة والعدو أنهى أوسلو والأيام المقبلة حُبلى بالأحداث". كما أضاف: "المقاومة التي توصلنا إلى التحرير والدفاع عن شعبنا في كل فرصة تستوجب التدخل المباشر". وكانت تلك التصريحات محط اهتمام من الإعلام الإسرائيلي والقيادة السياسية والعسكرية التي دأبت على التخطيط للتخلص من الرجل في أقرب فرصة قد تسنح لها باعتباره الرجل الذي حمل فكرة اقتحام المستوطنات وشغلت باله حتى نفذتها "كتائب القسام" قبل الإعلان عن استهدافه واغتياله في نفق وسط القطاع دون التأكد من نجاح أو فشل إسرائيل في ذلك.

font change

مقالات ذات صلة