الشروط السعودية... ومشكلة الثقة بين الرياض وواشنطن

الاتفاق الدفاعي... تحديات ثنائية وفرص إقليمية

ألكسندرا إسبانا
ألكسندرا إسبانا

الشروط السعودية... ومشكلة الثقة بين الرياض وواشنطن

واشنطن- عاد الحديث يتجدد حول اتفاق الدفاع بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بعد أن دفعه الصراع في غزة في الخريف الماضي إلى الوراء. ولعل انزلاق منطقة الشرق الأوسط المضطربة مرة أخرى إلى أزمة جديدة سبب آخر يؤكد الحاجة الأساسية للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة إلى تسوية خلافاتهما والتوصل إلى اتفاق بشأن أفضل السبل التي تمكنهما من التعامل بشكل مشترك مع التحديات الأمنية الإقليمية.

أ ف ب
(من اليسار إلى اليمين) الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، ورئيس كوريا الجنوبيةيون سوك يول يتبادلون التحية قبيل انعقاد قمة "مجموعة السبع" في هيروشيما، 21 مايو 2023

ورغم أن التوصل إلى اتفاق دفاع شامل مماثل لذلك الذي تعقده الولايات المتحدة مع اليابان وكوريا الجنوبية، لا يزال بعيد المنال لأسباب متنوعة، فإن الفرصة قائمة لصياغة ترتيبات أمنية تكون مصممة خصيصا. وفي جوهرها يكمن الهدف المشترك: المملكة العربية السعودية الأكثر قوة، وعلى استعداد للعب دور نشط في الدفاع الإقليمي ومواجهة نفوذ إيران.

كيف وصلنا إلى هنا؟

في أعقاب زيارة الرئيس بايدن إلى المملكة عام 2022، كان الهدف من الجهود الدبلوماسية التي قادتها الولايات المتحدة لمدة شهر هو إقناع المملكة العربية السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مقابل اتفاق دفاعي غير محدد بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وكانت الولايات المتحدة تريد البناء على "اتفاقات أبراهام" التي جرى التوصل إليها بنجاح خلال إدارة دونالد ترمب والتي بلغت ذروتها بتطبيع الإمارات والبحرين والمغرب لعلاقاتها مع إسرائيل. ولكن لكي توافق على صفقة، أرادت المملكة العربية السعودية أكثر من مجرد وعود بالدعم الأميركي إذا تعرضت للهجوم، فقد أرادت اتفاقا دفاعيا يكون ملزما ومستمرا بغض النظر عن أي دورة انتخابية أميركية.

تحتاج السعودية إلى حل طويل الأمد لمواجهة القدرات العسكرية الهجومية الإقليمية المعادية المتنامية

لندخل في صراع غزة، الذي عقد المشهد. ورغم أن ذلك يزيد الأمور تعقيدا، فإنه يؤكد أيضا على مدى إلحاح الأمر. لقد حان الوقت للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لتجاوز خلافاتهما، وإيجاد أرضية مشتركة، وصياغة اتفاق أمني قابل للتحقيق. إن الشرق الأوسط المضطرب لا يتطلب أقل من ذلك. ولكن اندلاع الصراع في غزة جعل المشهد أكثر تعقيدا من ذي قبل، ومع ذلك فهو يؤكد من جديد على حاجة الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لبذل جهود إضافية للتوصل إلى اتفاق أمني قابل للتحقيق.

ما استفادة السعودية من اتفاق الدفاع الأميركي؟

تحتاج المملكة العربية السعودية إلى حل طويل الأمد لمواجهة القدرات العسكرية الهجومية الإقليمية المعادية المتنامية واستعداد هذه الأطراف الواضح لاستخدام هذه القدرات ضد الدول الإقليمية والقوات الأميركية في المنطقة وسلسلة التوريد العالمية. 
وفي حين أن الانفراجة الأخيرة في العلاقات بين الرياض وطهران، الذي سهلته الصين، قد حقق وقف الهجمات الصاروخية الحوثية المستمرة من اليمن، فإنه لا يخفف من التهديد المباشر الذي تشكله إيران نفسها أو "حزب الله" في لبنان والميليشيات الأخرى المدعومة من إيران في العراق وسوريا. وتؤكد الاعتداءات الصاروخية التي كانت تستهدف المملكة العربية السعودية، قبل المصالحة، بيد الحوثيين المدعومين من إيران، على مدى إلحاح الأمر. 
هذه الهجمات تحاول تهديد أهداف رؤية السعودية الطموحة 2030. وبالتالي، تحتاج إلى قوة عسكرية قادرة، قوة يمكنها الاندماج بسلاسة مع الحلفاء الإقليميين الآخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة، لردع الخصم بشكل فعال.

ما أولويات المملكة العربية السعودية في اتفاقها مع الولايات المتحدة؟

من وجهة نظر المملكة العربية السعودية، يجب استيفاء بعض الشروط الأساسية حتى تمضي قدما في أي اتفاق مع الولايات المتحدة. ومن الأمور المركزية في هذه الظروف حل الصراع في غزة، حيث تصر المملكة العربية السعودية على ما يلي:

- إنهاء الصراع في غزة: هذا هو المطلب الأساسي. ودون التوصل إلى حل في غزة، يظل الاتفاق بعيد المنال.
الطريق إلى حل الدولتين: في حين أن التفاصيل لا تزال غير محددة، ويؤكد المسؤولون السعوديون على الحاجة إلى مسار قابل للحياة نحو إقامة دولة فلسطينية. ويشير هذا أيضا إلى إمكانية التطبيع المستقبلي مع إسرائيل (كما في المبادرة العربية).
- إبرام اتفاق دفاع رسمي مع الولايات المتحدة يشمل ضمانات أمنية صريحة. 
- وأخيرا، المساعدة في تطوير قدراتها النووية.

الاتفاق المرتبط بالتطبيع المستقبلي بين السعودية وإسرائيل، وفق شروط الرياض، سيفتح باب المساعدة العربية في "اليوم التالي" لحرب غزة

إن تأمين اتفاق دفاعي مع المملكة العربية السعودية يتماشى أيضا مع المصالح الوطنية للولايات المتحدة على جبهات متعددة. فمن الناحية السياسية، على المدى القصير، يمكن أن يكون بمثابة إنجاز كبير للرئيس بايدن، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، مما يوفر دفعة لإدارته. ومن الناحية الاستراتيجية، يتماشى تعزيز قدرة المملكة العربية السعودية على تأمين دفاعها بشكل مستقل مع الأهداف طويلة الأمد للإدارات الأميركية المتعاقبة على مدى العقدين الماضيين. ويهدف هذا النهج إلى تقليل احتمالية المشاركة العسكرية الأميركية المباشرة في الصراعات المستقبلية داخل الشرق الأوسط.

أ ب
جنود أميركيون قرب منظومة "باتريوت" في قاعدة في أبوظبي الإماراتية، 5 مايو 2021

إضافة إلى ذلك، فإن معالجة الصراع في غزة يشكل مصدر قلق ملح بالنسبة للولايات المتحدة، ما يستلزم بذل جهود دبلوماسية لتشجيع إسرائيل على التوصل إلى حل. إن آثار وقف النزاع، مع التركيز على اليوم التالي بما يعني إعادة البناء والإعمار في غزة، وقد يكون اتفاق الدفاع الأميركي هو ما يتطلبه الأمر بالنسبة للمملكة العربية السعودية للالتزام بدعم الحاجة الماسة لهذه المهمة الهائلة.

تحديات كبيرة أمام اتفاق مماثل لليابان أو كوريا الجنوبية

إن التوصل إلى اتفاق دفاعي شبيه بذلك الذي أبرمته الولايات المتحدة مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية كان دائما صعب المنال. وهل أصبح ممكنا تحقيقه في البيئة السياسية الحالية؟ إن أي اتفاق دفاعي من شأنه أن يلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة العربية السعودية إذا تعرضت لهجوم، يتطلب تصديق مجلس الشيوخ الأميركي. في الوقت الحالي، لا تزال هناك أسئلة حول مثل هذا الاتفاق من كلا الحزبين، حيث كان هذا النوع من اتفاقات الدفاع تاريخيا مخصصا فقط لأقرب شركاء الولايات المتحدة وأولئك الذين يشبهون أميركا. كما أن الولايات المتحدة كانت لا تفضل أن يكون لديها التزام بتوفير الأمن في مثل هذه المنطقة المضطربة.

وإذا كان الاتفاق، كما هو متوقع، مرتبطا بالتطبيع المستقبلي للعلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وفق شروط الرياض بالاعتراف بدولة فلسطينية فإنه سيوفر لكلا البلدين حليفا إقليميا في مواجهة دول مثل إيران، وفوق ذلك سيفتح الباب للمساعدة العربية في "اليوم التالي" لنهاية القتال في غزة. ومن الناحية الاستراتيجية، سيعيدنا ذلك إلى اتفاقات خليجية تتمثل في إمكانية تمكين خيارات مشتركة للدفاع الجوي والصاروخي لإسرائيل ودول الخليج في مواجهة إيران.

خيار لاتفاق أمني قابل للتحقيق بين الولايات المتحدة والسعودية

لكل اتفاق دفاعي وأمني جوانبه الفريدة، ونظرا للتعقيدات المحيطة بالصراع في غزة، فإن تحقيق اتفاق في هذا السياق سيتطلب مهارات كبيرة في المفاوضات واستعدادا حقيقيا من الأطراف المعنية جميعها للتوصل إلى تسوية. عادة ما تُبنى الاتفاقات الأمنية الناجحة تقليديا على المصالح المتبادلة بدلا من الخلافات، وتركز عموما على الخصوم المشتركين. وفي حالتنا هذه- كما أثبتت الإجراءات العدوانية الأخيرة التي اتخذها الحوثيون المدعومون من إيران ضد التجارة العالمية وسلاسل التوريد- ليس ثمة تهديد أكبر من ذاك الذي تشكله إيران يؤكد هذا القلق المشترك على المستوى الدولي.

هناك طرق للتوصل إلى اتفاق أمني بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية يلبي أهداف البلدين

على هذه الخلفية، إذا عرضت الولايات المتحدة اتفاقا أمنيا يعد بتجديد الدعم العسكري إلى السعودية في حالة وقوع هجوم عليها، وأردفت ذلك بمجموعة شاملة من المعلومات الاستخباراتية عالية المستوى والدعم الاستشاري والمساعدة في تطوير الدفاع السعودي، فقد يكون ذلك كافيا. ويتضمن هذا الاقتراح التعاون بشكل وثيق مع المملكة العربية السعودية في جهود دعم هيكلة الدفاع. ومع ذلك، ستكون هناك عقبة كأداء، إذ يجب التغلب على انعدام الثقة، نظرا لحالات مماثلة سابقة للولايات المتحدة شهدت تأخيرا أو توقفا لدوافع سياسية في تسليم الأسلحة في لحظات حرجة. وللمقارنة، فإن هذا الاقتراح يشبه إطار الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لأوكرانيا أكثر من اتفاقاتها الدفاعية التقليدية مع اليابان أو كوريا الجنوبية، ما يعكس مستوى أعمق من المشاركة والدعم.

هناك شيء آخر بين أميركا والسعودية

لا شك في أن تحقيق تحديث دفاعي حقيقي في المملكة العربية السعودية هو رغبة سعودية وأميركية في أي اتفاق أمني، لتجنب المخاطر المستقبلية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وتقدر أميركا الترسانة السعودية وسعيها لتعزيز قدرتها لتشكيل قوة عسكرية محترفة بارعة في استخدام هذه الأنظمة المتطورة. هذه المهمة وضعتها السعودية نصب عينيها كهدف أساسي، جاعلة منها  أولوية. الولايات المتحدة تطمح إلى المشاركة في هذا الجهد حتى يتمكنا معا من دعم التغييرات المطلوبة والتي من شأنها مواءمة جهود التعاون الأمني الأميركي في المملكة بشكل أفضل لدعم إصلاح الدفاع السعودي.
باختصار، ليس ثمة عصا سحرية للتوصل إلى حل، لكنّ هناك طرقا للمضي قدما للتوصل إلى اتفاق أمني بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية يلبي أهداف البلدين ويحرك الإبرة أخيرا في اتجاه المملكة العربية السعودية لكي تكون في وضع أفضل لدعم قدرتها والمساهمة في الدفاع الإقليمي.

font change

مقالات ذات صلة