"المجلة" تنشر وثيقة سرية من "سي أي ايه" عن "عواقب تقسيم فلسطين" عام 1947

اليهود لن يصمدوا أكثر من عامين وحدهم... و"هيبة" الولايات المتحدة ستتراجع في المنطقة

"المجلة" تنشر وثيقة سرية من "سي أي ايه" عن "عواقب تقسيم فلسطين" عام 1947

تنشر "المجلة" وثيقة أميركية بعنوان: "عواقب تقسيم فلسطين" أصدرتها "وكالة الاستخبارات المركزية" (سي آي إيه) يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، ورفعت عنها السرية.

صدرت الوثيقة، كما يدل عنوانها، قبل يوم واحد من التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على خطة تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية على النحو الذي أوصت به لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بفلسطين (UNSCOP)، وتتناول الارتدادات المحتملة لقبول الأمم المتحدة بخطة تقسيم فلسطين على المنطقة وأهمها اندلاع القتال بين "العرب واليهود" وعدم قدرة اليهود على الصمود أكثر من عامين "دون مساعدات خارجية من حيث القدرات البشرية والمادية". فضلا عن تأثير ذلك كله على "هيبة" الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وخطورته المحتملة على العلاقات الأميركية العربية والعلاقات الأميركية السوفياتية.

و"تحتوي الوثيقة على معلومات تؤثر على الدفاع الوطني للولايات المتحدة وفقا لما هو مقرر في قانون التجسس، الفصول 31 و32 من القسم 50 من قانون الولايات المتحدة، بصيغته المعدلة. ويُحظر بموجب القانون نقلها أو الكشف عن محتوياتها بأي شكل من الأشكال إلى شخص غير مصرح له"، كما ورد في صفحتها الأولى.

وتتوقع الوثيقة أن تندلع الأعمال القتالية المسلحة بين اليهود والعرب إذا ما قبلت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية. وتشير إلى أن "العرب في سوريا ولبنان والعراق والأردن ومصر والسعودية بالإضافة إلى فلسطين، وبدافع القومية والحماس الديني، مصممون على مقاومة أي قوة، أو مجموعة من القوى، تحاول إقامة دولة يهودية في فلسطين".

غيتي
قوة من مدرعات البلماح الإسرائيلية في صحراء النقب في 1948

وتضيف: "في حين أنه ليس متوقعا من حكومات الدول العربية أن تعلن الحرب رسميا، فإنها لن تحاول منع شعوبها (خاصة القبائل المتعصبة) من الانضمام إلى المعركة، بل وربما تشجع مثل هذه الإجراءات وتقدم المساعدة بشكل سري أيضا".

وتتوقع أنه "من ناحية التنظيم، ستتفاوت القوات العربية بين الفرق شبه العسكرية المنظمة تنظيما جيدا نسبيا والتنظيمات القبلية الأقل تنظيما والمكونة من البدو. وعلى الأرجح سيكون أكبر عدد من العرب المشاركين بشكل فعال ضد اليهود في أي وقت بين 100 ألف و200 ألف شخص".

وتلفت إلى أن "الصهاينة، من جانبهم، مصممون على أن تكون لهم دولة في فلسطين، أو بحسب رأي العناصر المتطرفة، في فلسطين وشرق الأردن معا"، متوقعة أن "يتمكن اليهود من تجنيد نحو 200 ألف مقاتل في فلسطين، بالإضافة إلى مدّهم إلى حد ما بالمتطوعين والمجندين من الخارج".

وإذ تشير إلى أن الجماعات المسلحة اليهودية في فلسطين تتميز بعتادها الجيد وتدريبها الجيد على تكتيكات القوات الخاصة"، تؤكد أنه "من دون مساعدات خارجية كبيرة من حيث القوة البشرية والمادية، سيتعذر عليهم الصمود لأكثر من عامين".

وتعتبر الوثيقة أن "الولايات المتحدة بدعمها للتقسيم، فقدت الكثير من هيبتها في الشرق الأوسط"، وتضيف: "في حال فرض التقسيم على فلسطين، فإن الصراع الناتج عن ذلك سوف يزعزع بشكل خطير استقرار العالم العربي اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وستتعرض مصالحنا التجارية والاستراتيجية للخطر الشديد". كما "سيزداد الفقر والاضطراب واليأس التي تزدهر عليها الدعاية الشيوعية في العالم العربي بأكمله، وسينتشر عملاء الاتحاد السوفياتي (بعضهم تم تهريبه بالفعل إلى فلسطين كلاجئين يهود) إلى الدول العربية الأخرى وسيحاولون تنظيم ما يسمى الحركات الديمقراطية مثل تلك الموجودة حاليا في اليونان"، وذلك بحسب الوثيقة نفسها.

وتعتبر أنه "إذا أوصت الأمم المتحدة بالتقسيم، فإنها ستكون ملزمة أخلاقيا باتخاذ خطوات لفرض التقسيم، مع قيام القوى الكبرى بدور أدوات التنفيذ"، مضيفة أنه "لا حاجة بنا للإشارة إلى الخطورة المحتملة لمثل هذا التطور على العلاقات الأميركية العربية والعلاقات الأميركية السوفياتية".

وفي الآتي مقتطفات رئيسة من نص الوثيقة كما جاءت في نسختها الأصلية:

1- المقدمة

في 1 سبتمبر/أيلول 1947، أنهت اللجنة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين (UNSCOP) تقريرها، وقد أوصى غالبية أعضائها بالتقسيم كأفضل حل لمشكلة فلسطين. وعلى الرغم من المعارضة العنيفة من جانب الدول العربية وإمكانية عدم حصول قرار التقسيم على أغلبية الثلثين اللازمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أنه لا شك في أن هذا النوع من الحل لمشكلة فلسطين قد تمت دراسته بجدية أكبر ولاقى قبولا عاما أكثر من أي حل آخر.

إذا قبلت الجمعية العامة للأمم المتحدة (التي تناقش الآن مشروع التقسيم) بتقسيم فلسطين بأغلبية الثلثين، فسينتج الوضع التالي:

‌أ. سيتم إنشاء دولة يهودية ذات سيادة، تشمل جزءا كبيرا من مساحة فلسطين.

‌ب. سيُسمح لعدد كبير من المهاجرين بالدخول إلى هذه الدولة اليهودية.

‌ج. سيعارض العرب، ليس فقط في فلسطين، بل في الشرق الأدنى كله، وبشدة كلتا الفقرتين (أ) و(ب) أعلاه، وستحدث صراعات مسلحة بين اليهود والعرب.

‌د. ستتوفر المساعدة في شكل رجال وأسلحة وإمدادات لكل من اليهود والعرب من خارج فلسطين.

‌ه. لن تقوم الأمم المتحدة على الفور بتنظيم قوة شرطة دولية للحفاظ على السلام في فلسطين.

بناء على هذه الافتراضات، يجب الإجابة على ثلاثة أسئلة:

‌أ. كيف سيتطور الصراع العربي اليهودي، وما هي النتائج المترتبة عن ذلك؟

‌ب. كيف سيتأثر استقرار الشرق الأوسط؟

‌ج. كيف ستتأثر المصالح الاستراتيجية والتجارية الأميركية؟

وللإجابة على هذه الأسئلة، لا بد من دراسة للوضع السياسي الناتج عن التقسيم والتطورات العسكرية التي قد تنشأ عن ذلك الوضع.

عارض العرب بشدة إنشاء دولة يهودية في فلسطين لإيمانهم بأن فلسطين جزء لا يتجزأ من العالم العربي

2.    العواقب السياسية

‌أ.    الضغوط الداخلية على الحكومات العربية
(1)    الضغط القومي
تعتبر القومية العربية أقوى قوة سياسية محركة في العالم العربي. إن استقلال جميع الدول العربية في الشرق الأدنى يسلط الضوء بشكل كبير على استمرار الانتداب في فلسطين. ونظرا للروابط القوية بين الدول العربية المختلفة، فإن التطورات السياسية في أي بلد من البلدان تشكل أهمية حيوية للعرب في كل مكان. وبالتالي، فإن استقلال فلسطين هو الهدف الرئيس ليس للعرب الفلسطينيين فقط، ولكن أيضا للسوريين واللبنانيين والعراقيين، وفي شرق الأردن والمصريين والسعوديين. وسيكون تجاهل أي حكومة عربية لهذا الوضع بمثابة انتحار سياسي.
لقد كان توقيع ميثاق جامعة الدول العربية في مارس/آذار 1945 انتصارا للقوميين العرب لأنه عجّل قدوم اليوم الذي يمكنهم فيه تشكيل كتلتهم الخاصة بالنسبة للقوى العظمى الأخرى في العالم. وعلى الرغم من اختلاف اللجنة العليا العربية (تشكلت عام 1945) وجامعة الدول العربية بشأن جدوى الشهادة أمام "UNSCOP"، فإن أعضاء الجامعة متفقون تماما على مدى ظلم التقسيم بالنسبة للعرب الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن العرب واليهود عاشوا جنبا إلى جنب بسلام، فإن العزم في جميع الدول العربية قوي على جعل فلسطين دولة عربية مستقلة. إن الحماس القومي العربي قوة متفجرة ومنتشرة إلى درجة أن المسؤولين الحكوميين العرب الذين يدركون التبعات السياسية المترتبة على الاستهزاء بقرار الأمم المتحدة، سيترتب عليهم (على الرغم من ذلك) معارضة أي قرار للتقسيم أو المخاطرة بخسارة مناصبهم.
(2)    الضغط الديني
من المحتمل أن تتأثر الحكومات العربية بشكل كبير بالضغوط الدينية بقدر تأثرها بالضغوط القومية. فالعرب يملكون تعصبا دينيا إذا ما اقترن بالتطلعات السياسية يشكل قوة عظيمة.
وإذا ما تم إعلان "الجهاد" أو الحرب المقدسة، فسيشكل "الإخوان المسلمون" رأس الحربة في أي "حملة مقدسة". 
(3)    الضغط القبلي
تعتبر قبائل الدول العربية عنصرا قويا في النمط السياسي والعسكري للشرق الأوسط. يقدر عدد السكان البدو في العراق وسوريا والأردن والسعودية بحوالي 2.5 مليون نسمة.
تلقت قبائل الشرق الأدنى مكافآت كبيرة سنويا من قبل أي سلطة ترغب في الحصول على دعمها، سواء كانت هذه السلطة بريطانية، أو فرنسية، أو حكومة عربية محلية. وبما أن الحكومات العربية هي من يدفع المكافآت الآن، فيمكنها الاعتماد على القبائل ضمن مناطقها. ومما لا شك فيه أن القبائل ستنضم إلى الحملة (...) وصرح وزير الدفاع السوري في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول أنه وبينما العرب في طريقهم إلى فلسطين "سيتم مدهم بـ100 ألف بدوي يسعى للنهب يوصفون بعلف الألغام".
وفي لقاء درامي لـ500 شيخ كردي وعربي في الحِلّة بالعراق في أكتوبر، تم اتخاذ قرار بشن الجهاد المقدس للدفاع عن فلسطين. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء صالح جبر أخذ زمام المبادرة في تنظيم هذا الاجتماع، فإن موافقة قادة العرب والأكراد (ممن يكنّ بعضهم العداء للبعض الآخر) على الالتقاء والاتفاق على برنامج مشترك يعتبر أمرا مهما.

غيتي
أصبح أكثر من 700 ألف فلسطيني لاجئين بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948، وفروا إلى الدول المجاورة مثل لبنان وسوريا والأردن ومصر

‌ب.    المواقف المحتملة للحكومات العربية

(1)    تجاه دولة يهودية
يعارض العرب بشدة إنشاء دولة يهودية في فلسطين لإيمانهم بأن فلسطين جزء لا يتجزأ من العالم العربي. بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يخشون أن يعزز اليهود موقفهم من خلال الهجرة غير المحدودة، وأن يحاولوا التوسع حتى يصبحوا تهديدا للاستقلال الذي حصلت عليه كل من الدول العربية الأخرى حديثا. 

(2)    تجاه الأمم المتحدة
تشعر الحكومات العربية بالمرارة تجاه التقرير الصادر بالأغلبية عن لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين (UNSCOP)، والذي يشعرون بأن التوصل إليه لم يتم بشكل محايد. 
ومع ذلك، تتردد الحكومات العربية في الانفصال عن الأمم المتحدة. وتدرك الحكومات العربية الدَّين الذي يدينون به للأمم المتحدة. فقد أدت إثارة قضية جلاء القوات الأجنبية من سوريا ولبنان في الأمم المتحدة إلى تسوية سريعة ومرضية بين الفرنسيين والبريطانيين ودول المشرق. وكان لمصر فرصة للتعبير عن وجهات نظرها بشأن جلاء القوات البريطانية من مصر ومطالباتها بالسودان. لقد وفرت الأمم المتحدة للدول العربية الشابة وسيلة للاعتراف الفوري بها والمشاركة في الشؤون العالمية. 

(3)    تجاه الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة
منذ إعلان وعد بلفور، أصبح البريطانيون في فلسطين هدفا للشعور السياسي العربي. ولكن نتيجة لقرار المملكة المتحدة المعلن بإنهاء الانتداب وسحب قواتها وإدارتها من فلسطين، ورفضها أن تفرض بالقوة أي تسوية غير مقبولة لدى كل من العرب واليهود، تحسنت مكانة بريطانيا في العالم العربي بشكل ملحوظ.
وعلى الضفة الأخرى، تراجعت مكانة الولايات المتحدة تدريجيا مع كل دليل جديد على دعمها للصهاينة. فالود الذي كانت تتمتع به الولايات المتحدة بعد مؤتمر روزفلت-ابن سعود، وبعد دعمها لمطالب لبنان وسوريا بالاستقلال، لم يدم طويلا، وذلك نتيجة لدعم الرئيس ترومان للهجرة اليهودية إلى فلسطين وتقرير اللجنة البريطانية الأميركية. وبشكل تدريجي، خلال السنتين الماضيتين، انتقل اللوم من بريطانيا إلى الولايات المتحدة عن الوضع في فلسطين.
بسبب الروابط الثقافية العميقة بين الولايات المتحدة والعالم العربي، والدور الودي الذي لعبته الولايات المتحدة في تحقيق استقلال سوريا ولبنان، والاعتماد الجزئي لبعض الدول العربية على العائدات النفطية من الشركات الأميركية، والوعود بزيادة هذه العائدات في المستقبل، ترغب الدول العربية في الحفاظ على علاقات ودية مع الولايات المتحدة.

الجزء الأكبر من القوات العربية المشاركة لمواجهة الصهاينة مكونا من مجموعات فدائية شبه مدربة وقبائل أقل تنظيما

‌ج.    التحركات المحتملة للحكومات العربية

(1)    ضد فلسطين
في حالة تقسيم فلسطين، من غير المرجح أن تعلن الحكومات العربية الحرب ضد اليهود بشكل علني. ستكون الضغوط التي ستمارسها الشعوب العربية من أجل إعلان صريح للحرب قوية جدا، لكن الحكومات العربية تدرك بالتأكيد أنها إذا اتخذت خطوة مماثلة في تحد لقرار صدر عن الأمم المتحدة ستعرض موقف العرب في الأمم المتحدة للخطر الحقيقي. إلا أنه من المحتمل أن تنضم أعداد كبيرة من العرب من البلدان المجاورة للعرب داخل فلسطين للقتال ضد الصهيونية. وعلى الرغم من عدم تأييد الحكومات العربية لهذا العمل رسميا، إلا أنه مما لا شك فيه أنها ستسمح له بالاستمرار.

(2)    ضد اليهود في الأراضي العربية
تمتع اليهود في الشرق الأوسط قبل صدور وعد بلفور عام 1917، بحالة مشابهة لغيرهم من الأقليات في جميع أنحاء العالم. ولكن منذ عام 1917، كان عليهم أن يتحملوا وطأة العداء العربي تجاه تطور الصهيونية السياسية في فلسطين. وفي حالة حصول التقسيم، فإن حياة مليون يهودي في جميع أنحاء العالم العربي (بما في ذلك فلسطين) ستكون معرضة للخطر. 

(3)    ضد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة
وضع مؤتمر بلودان عام 1946 خطة العمل التي يجب على الدول العربية اتباعها في حال تم تنفيذ توصيات اللجنة البريطانية الأميركية. وهناك توافق تام بين الدول العربية فيما يتعلق بالهدف. فهم جميعا معارضون بشكل لا رجعة فيه إقامة دولة يهودية في فلسطين. وكونهم متفقين الآن على التدابير الانتقامية ضد الولايات المتحدة أم لا، فهذه مسألة ثانوية، لأن مصالح الولايات المتحدة ستتأثر بشكل خطير مع مرور الوقت، فإن لم يكن ذلك بسبب قرارات الحكومات العربية، فبسبب عدم الاستقرار والعداء الذي سينشأ حتما في العالم العربي.

‌د.    أهداف الدولة اليهودية

(1)    التوحيد
على الرغم من التوتر والعداء المتزايد بين مجموعات مختلفة في الجالية اليهودية، من المتوقع أن تتحد جميع المجموعات اليهودية في فلسطين للدفاع عن الدولة اليهودية المشكلة حديثا. وستكون الأهداف الرئيسة للحكومة اليهودية تنظيم الدفاع وزيادة الهجرة.

(2)    الطموحات الإقليمية
لن يكون أي صهيوني في فلسطين راضيا عن الترتيبات الإقليمية لاتفاق التقسيم على المدى الطويل. وحتى الصهاينة الأكثر محافظة سيأملون في الحصول على كامل النقب والجليل الغربي ومدينة القدس، وفي نهاية المطاف على كامل فلسطين.

غيتي
جرافة تقطر شاحنة إسرائيلية تنقل الجنود الجرحى إلى المستشفى خلال الحرب العربية الإسرائيلية، يونيو 1948

(3)    التماس المساعدات الخارجية
سيواصل الصهاينة شن حملة دعائية قوية في الولايات المتحدة وأوروبا. وسيعملون على تسويق مدى "ظلم" الحدود اليهودية المقترحة بشكل مبالغ فيه، وستتم المطالبة بالمزيد من الأراضي مع تدفق الهجرة اليهودية إلى القطاع اليهودي. وفي ظل الفوضى التي ستنشأ بعد تنفيذ التقسيم، ستُرتكب دون شك فظائع من قِبَل المتعصبين العرب، وستحظى مثل هذه الأعمال بشهرة إعلامية واسعة النطاق، بل حتى سيتم تهويلها أيضا من قبل الدعاية اليهودية. وسيتهم العرب بالعدوان، بغض النظر عن الظروف الفعلية. وستستمر هذه الحملة الدعائية بلا شك في التأثير على الرأي العام الأميركي، وقد تضطر الحكومة الأميركية، نتيجة لذلك، إلى اتخاذ إجراءات ستعقد وتزيد من مرارة علاقاتها مع العالم العربي بأسره.

‌ه.    موقف الاتحاد السوفياتي

تتمحور أهداف الاتحاد السوفياتي في فلسطين في: (1) إنهاء الانتداب البريطاني وسحب القوات البريطانية من المنطقة. (2) إبقاء الوضع غير مستقر. (3) المشاركة الفعالة في "الحفاظ على النظام" في البلاد. 
لقد حقق الاتحاد السوفياتي نجاحا كبيرا في تحقيق الهدفين الأولين، دون أي جهد من جانبه. ومن شأن تحقيق الهدف الثالث أن يمنح الاتحاد السوفياتي قاعدة في قلب الشرق الأدنى يمكن من خلالها نشر الدعاية، وتنفيذ الأنشطة التخريبية، ومحاولة تنظيم "حركات ديمقراطية" في الدول العربية.
كان الاتحاد السوفياتي يساعد اليهود بشكل فعال، ولكنه سري. وفي حال اندلاع العنف بين العرب واليهود، سيستمر الاتحاد السوفياتي في دعم اليهود ومن المحتمل أيضا أن يحاول مساعدة العرب بشكل غير معلن.

‌و.    التأثير على المصالح الاقتصادية الأميركية في الشرق الأدنى

(1)    في مجال النفط
إذا كان من المقرر أن يتم تنفيذ التقسيم في فلسطين، فمن غير المرجح أن تلغي الحكومات العربية في البداية الامتيازات النفطية القائمة. ومثل هذا الإجراء من شأنه أن يخلف تأثيرا مزدوجا يتمثل في تنفير الولايات المتحدة وقطع العائدات النفطية المستقبلية. 
وعلى الرغم من أنه من المحتمل أن لا يتم إلغاء عقود النفط الحالية، فإنه من الممكن أن ترفض الحكومات العربية دخول أي عقود نفطية جديدة مع الولايات المتحدة. 

(2)    التجارة
في حالة حدوث التقسيم، ستتأثر العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والعالم العربي بشكل خطير. إن المقاطعة العربية، وحتى لو كانت جزئية في فعاليتها، ستؤدي إلى تباطؤ العلاقات التجارية التي تتحسن ببطء وثبات بين الولايات المتحدة والدول العربية. 

3.    العواقب العسكرية

‌أ.    القوات العربية 
(1)    الطابع
سيكون الجزء الأكبر من القوات العربية المشاركة في مواجهة الصهاينة مكونا من مجموعات فدائية شبه مدربة وقبائل أقل تنظيما. هناك ثلاثة مصادر رئيسة يمكن للعرب الاستفادة منها لجمع الرجال للقتال في فلسطين: (1) التنظيمات العربية شبه العسكرية التي يقودها ضباط سابقون في الجيش، والتي ستشكل نواة المقاتلين الفدائيين. (2) جنود من الجيوش الرسمية للدول العربية متطوعون للمشاركة في العمليات ضد اليهود. (3) رجال القبائل، ربما يشكلون المصدر الأكبر.

(2)    القوة
تشير التقديرات إلى أن أكبر عدد من العرب المشاركين بفعالية في القتال ضد الصهاينة في أي وقت من الأوقات سيكون بين 100 ألف و200 ألف مقاتل، بما في ذلك عرب فلسطينيون، ومتطوعون، وبدو، ومنظمات شبه عسكرية من الدول العربية الأخرى. وتُقدَّر القوة المسلحة للعرب في فلسطين نفسها بحوالي 33 ألفا. وعلاوة على ذلك، ستُرسِل "الإخوان" تشكيلات من فروعها المصرية والسورية، يبلغ قوامها 15 ألفا و10 آلاف مقاتل على التوالي.

غيتي
مقاتلون فلسطينيون بجانب شاحنة إمداد تابعة لـ"الهاغاناه" الإسرائيلية محترقة بالقرب من القدس، الحرب العربية الإسرائيلية، 1948

يعتبر رجال القبائل (البدو) أكبر مجموعة عربية من الرجال المقاتلين المحتملين، حيث يوجد حوالي 30 ألفا منهم في المنطقة المتاخمة مباشرة لفلسطين. 
ويبلغ إجمالي القوات البرية لدول الجامعة العربية (مصر، العراق، لبنان، السعودية، سوريا، الأردن، اليمن) حوالي 223 ألف رجل، بما في ذلك قوات الدرك والأمن والشرطة. وعلى الرغم من عدم توقع مشاركة الجيوش العربية رسميا في القتال، فإنها ستوفر القيادة للمقاتلين. 

(3)    العتاد
من المتوقع أن تقدم الحكومات العربية للفدائيين الأسلحة والذخيرة بشكل سري، فضلا عن القيادات العسكرية المدربة. 
(4)    الحافز
سيكون الدافع الرئيس لكثير من قادة هذا النضال هو الانتهازية، التي تترافق مع الطموحات القومية والحماس الديني. وسيتم استخدام إعلان الجهاد أيضا لجذب المتطوعين.

(5)    التنظيم
من المتوقع أن تتنوع قوات العرب بين فصائل شبه عسكرية تتمتع بمستوى نسبي من التنظيم والسيطرة، إلى التنظيم القبلي للبدو الأقل تنظيما، تحت قيادة شيوخهم.

(6)    مسار العمل
سيكون العمل العربي موجها ليس فقط ضد اليهود، بل سيشمل أيضا مواجهة أي قوة شرطة تحاول الحفاظ على النظام في فلسطين.
العرب متمرسون في حرب الشوارع، في حين أن عددا قليلا من الجنود اليهود قد اكتسبوا خبرة في تكتيكاتها. 
لقد كان نظام الاستخبارات العربي سريعا ودقيقا دائما. إذ يمكن دعم نظام نقل المعلومات الشفهي "كرمة العنب" التقليدي بالاتصالات وبعض عمليات الاستطلاع الجوي. وستوفر المواقع في المرتفعات مواقع رصد جيدة. 

(7)    مصادر الدعم
سيأتي الجزء الأكبر من الدعم للقضية العربية من الدول الأعضاء في الجامعة العربية. وستتحمل مصر بالدرجة الأولى مسؤولية الدعم المالي للقضية العربية، وبدرجة أقل الدول التي تتلقى العائدات النفطية، خاصة السعودية. 

في حالة نشوب صراع عربي يهودي، سيتم جلب اليهود من شرق أوروبا لتزويد القوات اليهودية بالمقاتلين 

‌ب.    القوات اليهودية

(1)    الطابع والتكوين
على الرغم من أن التقديرات تشير إلى أن القوات اليهودية والعربية ستكون متساوية تقريبا من حيث العدد، فإن العرب سيكون لديهم أعداد كبيرة من البدلاء بينما لن يكون لليهود تعزيزات ما لم يتمكنوا من تسهيل الهجرة الإضافية من أوروبا أو الحصول على متطوعين من الولايات المتحدة. سيكون اليهود مجهزين جيدا، لكنّ هناك شكا فيما إذا كانت كمية الذخيرة المتوفرة لديهم كافية لمواجهة حملة طويلة.
تتألف القوات اليهودية في فلسطين من ثلاث منظمات: (1) "الهاغانا" (الجيش الصهيوني). (2) "إرغون تسفائي لئومي" (إتسل). (3) عصابة "شتيرن". 
وتختلف المجموعات الثلاث في تكتيكاتها وفي درجة القسوة المستخدمة في عملياتها، حيث إن "الهاغانا" هي الأكثر حساسية تجاه الرأي العام العالمي. بينما عصابتا "إتسل"، و"شتيرن" هما مجموعتان إرهابيتان غير شرعيتين تشاركان في أعمال التخريب والاغتيال.
تشير التقديرات إلى أنه في حال وقوع أعمال عدائية، يمكن لـ"الهاغانا" تعبئة حوالي 200 ألف رجل وامرأة يتمتعون ببعض الخبرة في القتال أو الإمدادات. 
تشير التقديرات إلى أن قوة حركة "إتسل" تتراوح بين 6,000 إلى 8,000 عضو. وهي منظمة على أساس إقليمي مشابه لتنظيم "الهاغانا"، تستخدم العمليات التخريبية والإرهاب باعتبارهما الوسيلة "الوحيدة الفعالة".
تتكون جماعة "شتيرن" من 400 إلى 500 من المتشددين المتطرفين. وهم لا يترددون في اغتيال المسؤولين الحكوميين وضباط الشرطة أو في الحصول على الأموال من خلال أعمال العنف ضد اليهود وغيرهم.
كان مؤسسو عصابة "شتيرن" أعضاء سابقين في "إتسل". وأعلنت المنظمة أنها تعتبر التوجه نحو روسيا السوفياتية ضروريا بسبب الوضع العالمي الراهن. وتوضح التقارير أن الاتحاد السوفياتي وعصابة "شتيرن" يرغبان على حد سواء في إنشاء "فلسطين قوية ومستقلة" التي ستشكل حصنا ضد "المخططات الإمبريالية" البريطانية لكنها "لن تكون معادية" للاتحاد السوفياتي.

(2)    مسار العمل
في مواجهة هجوم عربي، ستضطر الجماعات المسلحة اليهودية الثلاث للاتحاد. ومن المحتمل أن يتم استيعاب أعضاء "أتسل" وعصابة "شتيرن" في "الهاغانا". في البداية، سيحقق اليهود نجاحا ملحوظا على العرب بسبب التنظيم والعتاد المتفوق، ولكنهم لن يتمكنوا من تحمل حرب الاستنزاف الطويلة التي ستتطور.

‌ج.    الدعم الأوروبي للقوات اليهودية

يوجد بالفعل نظام جيد التنظيم لنقل النازحين اليهود من شرق أوروبا جنوبا، لا سيما عبر البلقان، إلى فلسطين. وفي حالة نشوب صراع عربي يهودي، سيُستخدم هذا النظام لتزويد القوات اليهودية بالمقاتلين في فلسطين.
كان هناك بعض الأدلة على أن وكلاء إقليميين لـ"إتسل" وعصابة "شتيرن" قد تم تدريبهم ومساعدتهم من قبل الاتحاد السوفياتي. 

‌د.    الدعم الذي يمكن الحصول عليه في الولايات المتحدة
لا تتوفر معلومات يمكن على أساسها تقدير العدد المحدد للمتطوعين أو مقدار الأموال والإمدادات التي سيتم توفيرها للقوات المسلحة اليهودية من مصادر في الولايات المتحدة.
الحركة الصهيونية قوية جدا في الولايات المتحدة، لكن المنظمات التي تدعي تمثيل كل اليهود الأميركيين، لا تمثلهم فعليا في الواقع، وبينما يدعم كثير من المنظمات الصهيونية أهداف إقامة الوطن القومي لليهود، فإنها لا تدعو إلى دولة يهودية مستقلة في فلسطين. 

في هذه الصورة الأرشيفية التي التقطت في 6 مارس 1948، جنود من قوات الفيلق العربي يطلقون النار من القطاع الشرقي من القدس على المقاتلين اليهود من "الهاغاناه"

4.    النتائج
إذا قبلت الجمعية العامة للأمم المتحدة التقسيم باعتباره الحل الأفضل لمشكلة فلسطين، فمن شبه المؤكد أن تنتج عنه أعمال العنف المسلح في فلسطين، وأن يتأثر الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في العالم العربي بشكل خطير، وستتعرض مصالح الولايات المتحدة التجارية والاستراتيجية في الشرق الأوسط لخطر حقيقي. 
سوف تنجر شعوب الدول العربية حتما نحو هذا الصراع بين اليهود والعرب في فلسطين. وعلى الرغم من أن معظم الحكومات العربية ستتردد في التصرف ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وضد رغبات القوى الكبرى، فإن الضغوط القومية والدينية والقبلية ستجبرها على دعم العرب الفلسطينيين بشكل غير رسمي. ومما لا شك فيه أنه من المحتمل أن يزداد تأثير الفئات المتطرفة الشوفينية على حساب السياسيين في العالم العربي ممن يعتقدون أن تنمية بلدانهم تعتمد على المحافظة على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. 
وفي هذه الأثناء ستتزايد حدة الحرب في فلسطين ما لم يتم التدخل الدولي المسلح. وستكون الأفضلية في البداية للقوات اليهودية. ومع ذلك، وبينما يتم تنسيق الجهود الحربية للعرب تدريجيا، سيتعين على اليهود الانسحاب من المواقع المعزولة، وبعد جرهم إلى حرب الاستنزاف، ستتم هزيمتهم تدريجيا. لن يستطيع اليهود المقاومة لفترة تزيد على عامين ما لم يتمكنوا من الحصول على مساعدة خارجية كبيرة من حيث القوة البشرية والمواد العسكرية.
ستضطر الأمم المتحدة، بعد أن قدمت توصية بالتقسيم، إلى النظر في التهديد الخطير الذي يهدد السلام نتيجة لهذه التوصية. وسيضطرها ذلك، في الواقع، إلى اتخاذ خطوات لفرض التقسيم، بينما يكون دور القوى الكبرى كآليات تنفيذ. ولا حاجة للتأكيد على الآفاق الخطيرة لمثل هذا التطور على العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي والعلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

font change

مقالات ذات صلة