يجدّد كتاب "المغيبات: النساء والمدن الفلسطينية حتى سنة 1948"، للباحثة الفلسطينية في علم الاجتماع الحضري والجندر والاستعمار، منار حسن، الذي ترجمه عن اللغة العبرية علاء حليحل، وصدر في بيروت عن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، النقاش حول غياب المدينة الفلسطينية واندثارها عشية نكبة عام 1948،وذلك استمرارا لنقاش أكاديمي وتاريخي وثقافي فلسطيني طويل ومستمر ومفتوح للبحث، وقد ساهمت فيه على مرّ السنوات نخبة من الباحثين والكتاب والروائيين والمؤرخين وعلماء الاجتماع والانثربولوجيا، ومن تلك المساهمات على سبيل المثل لا الحصر كتاب عالم الاجتماع الفلسطيني سليم تماري، "الجبل ضد البحر: دراسة في إشكاليات الحداثة الفلسطينية"، 2005، وكتاب المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي، "قبل الشتات: التاريخ المصور للشعب الفلسطيني 1876- 1948، 1987"، وغيرهما من الكتب والمساهمات الثقافية والتاريخية.
يتعمّق الكتاب في تفحّص مقولة غياب المدينة الفلسطينية ونسائها، عبر أداوت بحثية متنوعة ومتعدّدة كالآثار والتاريخ الشفوي والصور والقصص والسير الذاتية والجرائد، أي أن الكتاب يعتمد رزمة من الأدوات والمصادر المعرفية التي اعتمدت كمراجع في النص، ويعود اعتماد هذه الأدوات العابرة للمنهجيات والحقول المعرفية لسبب مركزي وهو غياب الأرشيفات المنظمة عن المدن الفلسطينية مثل: أرشيفات البلديات والمؤسسات المدينية التي دمر بعضها ونهب بعضها الآخر الاستعمار الإسرائيلي. وقد منح تنوع المصادر هذا، طبقات من السرد القصصي لحكايات الفلسطينيين عن المدينة المندثرة أو خراب المدينة، وكأن تلك المدينة فردوس مفقود.
تعتبر هذه الأدوات والمصادر مهمة في كتابة التاريخ من أسفل وفق منطق دراسة التابعين (أو المهمشين) الهندية، وهذه المصادر البديلة ساهمت في حكاية قصة التابع/ المستعمَر الفلسطيني بمنطق "هل يستطيع التابع أن يتكلم؟". ربما أسعفت تلك المصادر الغنية والمتنوعة كمصادر بديلة في قول التابع/ الفلسطيني جزءا من حكايته المندثرة باندثار المدينة وأرشيفاتها؛ وهذا قد عزز توجها عاما لدى الفلسطينيين في تطوير منهجيات التاريخ الشفوي والتاريخ الاجتماعي كحقول وأدوات منهجية تعوّض غياب المصادر الرسمية مثل الأرشيفات الإسرائيلية، وفي حال حضور المصادر الرسمية كالأرشيفات تمارس تلك الأدوات رقابتها وعنصريتها ضد الفلسطيني، بهذا، حاول الفلسطيني النجاة من عنف الأرشيف وسطوته، وهذا ما جعل الباحثة منار حسن تتسلح بمنهجيات نقدية وبأدوات منهجية بديلة ومتعدّدة ومتنوعة وعابرة للمنهجيات.