الولايات المتحدة تفاوض إيران... بغياب المعنيين

واشنطن اعترفت بدور طهران التي تختطف المنطقة

الولايات المتحدة تفاوض إيران... بغياب المعنيين

لبعض الوقت، توقف مسار المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، بُعيد قيام حركة "حماس" بعملية "طوفان الأقصى" والحرب التي شنتها إسرائيل ولا تزال على قطاع غزة منذ أكثر من سبعة أشهر، تلك المفاوضات التي كانت تقتضي تبادل المعتقلين لدى الطرفين والإفراج عن جزء من الأرصدة الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، وكذلك عائدات بيع النفط والغاز في العراق. إلا أن المحادثات غير المباشرة ما لبثت أن عادت بين البلدين. ففي يناير/كانون الثاني، عقد الطرفان محادثات سرية في العاصمة العمانية مسقط، كان هدفها الحد من التصعيد في البحر الأحمر ومطالبة إيران بالضغط على "الحوثيين" لوقف الهجمات وتهديد الملاحة البحرية. وكشف موقع "أكسيوس" قبل أيام عن محادثات جديدة جرت أيضا في مسقط بين مسؤولين في الإدارة الأميركية ومسؤولين إيرانيين، في محاولة لتجنب التصعيد في المنطقة.

ورغم كل التصعيد الحاصل في المنطقة منذ السابع من أكتوبر، فقد بات واضحا أن الرسائل المباشرة بين الطرفين لم تنقطع، إن كان من خلال سلطنة عمان أو دولة قطر، أو سويسرا التي ترعى المصالح الأميركية في طهران والمصالح الإيرانية في واشنطن.

وقد انتقلت المفاوضات بين الجانبين من مفاوضات حول الملف النووي الإيراني وإمكانية إحياء الاتفاق السابق أو التوصل إلى اتفاق جديد، حيث يرى الجانبان أن الصيغة السابقة للاتفاق الذي تم عام 2015 لم يعد من الممكن إعادة إحيائها بعد انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب منها، إلى مفاوضات حول مصير المنطقة، لما لإيران من نفوذ كبير على الميليشيات التي تزعزع الاستقرار من البحر الأحمر أي "الحوثيين" إلى لبنان وسوريا والعراق أي "حزب الله" وميليشيات "الحشد الشعبي" والميليشيات التابعة لطهران.

هناك حديث وتسريبات عن مفاوضات جدية ومباشرة بين واشنطن وطهران تحصل في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك

وإلى جانب هذه المحادثات أو المفاوضات غير المباشرة، فإن هناك حديثا وتسريبات عن مفاوضات جدية ومباشرة بين الطرفين تحصل في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك.

والمشترك حتى الآن أن هذه المفاوضات المباشرة وغير المباشرة تتم بين الطرفين حصرا، فلا مجموعة 5+1 حاضرة في المفاوضات الأشمل التي تحصل في نيويورك، ولا دول المنطقة المعنية بالاستقرار أو التصعيد في المنطقة حاضرة في مسقط، حيث يقتصر دور مسقط (والدوحة أحيانا) فقط على نقل الرسائل بين الطرفين.

وإن كانت إيران مستفيدة من غياب أي دور عربي أو دولي في تلك المفاوضات وحصرها بين طهران وواشنطن، وإن كانت هذه المفاوضات تأخذ شيئا من صفة السرية، فإنها تختلف عن تلك التي قادها باراك أوباما سابقا وأدت للوصول إلى الاتفاق النووي الشهير عام 2015. يومها تفاجأ العالم بالأمر الذي استمر سريا لسنوات في مسقط. أما اليوم فالسري في الأمر أن الإعلام بات يتحدث عن تلك المفاوضات واللقاءات بعد حصولها بأيام فلا يتم نقلها مباشرة على شاشات التلفزيون، اختفى عنصر المفاجأة، ولكن غياب ممثل لمصالح الدول المعنية لا يزال حاضرا بقوة.

وإن كان واضحا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وبدء الحرب الإسرائيلية على غزة، أن الطرفين اتفقا على عدم توسيع رقعة الحرب، والالتزام بكل ما يلزم كي لا تتحول هذه الحرب إلى حرب بالمباشر بين تل أبيب وطهران مما قد يضطر الإدارة الأميركية إلى اتخاذ قرارات لا رغبة لديها في اتخاذها، إلا أنه من الواضح أيضا أن الاتفاق على عدم التصعيد هذا لم يشمل مصالح دول المنطقة المعنية، فـ"حزب الله" يخوض حربا من نوع آخر وضمن قواعد جديدة مع إسرائيل منذ الثامن من أكتوبر كما أعلن أمينه العام حسن نصرالله، هذه الحرب كلفت وستكلف لبنان الذي يعاني من أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، خسائر كبيرة، حتى إن بعض التقارير تتحدث عن أن قرى في الجنوب نزح سكانها قد لا يتمكن أهلها من العودة إليها لسنوات، إن بسبب الدمار الذي لحقها أو بسبب الفوسفور الذي تستعمله إسرائيل، ما يجعل الحياة فيها شبه مستحيلة.

المفاوضات أيضا لم تشمل ضمان أمن الأردن والذي تحاول إيران وبشدة من خلال حلفائها زعزعة استقراره، أما سوريا فقد تحولت منذ سنوات لساحة حروب ورسائل بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني.

يجب إعادة النظر في مفهوم الأمن الجماعي لدول المنطقة والاتفاق بالحد الأدنى على تعريف التهديدات وسبل التخلص منها

الخلاصة أن الولايات المتحدة اعترفت بدور إيران التي تختطف المنطقة وتهدد استقرارها لمصالحها، لا تمانع إدارة بايدن في التفاوض معها، لا لتحرير الرهائن، ولا لتحسين شروط حياتهم، بل إن كل ما تريده هو أن لا تكون هناك ارتدادات لعملية الاختطاف تلك تؤثر على أمن إسرائيل ومصالح واشنطن، في وقت تستقيل فيه هذه الدول من البحث عن مصالحها، إما لكون أنظمتها تعمل خدمة لمشاريع إيران في المنطقة، وإما لكونها عاجزة أمام إيران وميليشياتها.

المطلوب اليوم هو البدء في إعادة النظر في مفهوم الأمن الجماعي لدول المنطقة والاتفاق بالحد الأدنى على تعريف التهديدات وسبل التخلص منها، والتحرك بشكل جماعي لفرض رؤيتها ومصالحها سواء على الإيراني أو الأميركي لأن أمن ومصالح دول المنطقة لا يمكن أن يكون أولوية لأحد سواها.

font change