توفيق الزايدي لـ "المجلة": "نورة" واجه تحديات كثيرة لكن مشاركته في "كان" تجعلني فخورا بها

أول فيلم سعودي في المهرجان

المخرج السعودي توفيق الزايدي

 توفيق الزايدي لـ "المجلة": "نورة" واجه تحديات كثيرة لكن مشاركته في "كان" تجعلني فخورا بها

كان – فرنسا: يحمل مهرجان "كان" السينمائي في دورة هذا العام خصوصية غير مسبوقة للسينما السعودية، إذ يشارك للمرة الأولى فيلم سعودي في متن المهرجان، وباختيار من إدارته الفنية وليس على الهامش من خلال سوق الفيلم.

اختارت الإدارة الفنية لمهرجان "كان" في دورته السابعة والسبعين الفيلم السعودي "نورة" للمخرج توفيق الزايدي ليكون المشاركة الأولى للمملكة في مسابقة "نظرة ما" المعنية بالتقاط الرؤى السينمائية الجديدة من مختلف أنحاء العالم واستكشافها.

التقينا المخرج توفيق الزايدي في "كان" قبيل عرض فيلمه، وكان هذا الحوار.

  • بينما نستعد في كل مرة لدخول قاعة "دوبوسي" لمشاهدة العروض المشاركة في "كان"، نجد الملصق الدعائي الضخم لـ"نورة" على الجانب المقابل من الشارع، ما تعليقك؟

بالفعل، لقد جاءني تعليق جميل على ملصق الفيلم المعلق في شوارع "كان"، منها ما قاله لي أحد الصحافيين الفرنسيين، من أنه عندما شاهد الملصق شعر أنه إعلان لمعرض حول فن البورتريه، وهذا تعليق أسعدني لأن الفيلم يتحدث عن نفسه، فالملصق يعبر بقوة عن موضوع الفيلم.

لو كان هناك فيلم سعودي آخر غير "نورة" هو صاحب السبق فذلك لم يكن لينتقص من فرحتي

أما عن كون "نورة" أول فيلم سعودي يشارك في مسابقات "كان" ضمن قسم "نظرة ما"، فأصدقك القول، إنه لو كان هناك فيلم سعودي آخر غير "نورة" هو صاحب السبق، فذلك لم يكن لينتقص من فرحتي، فهذه نقطة بداية مهمة وتأكيد لمشروعية وجود السينما السعودية في إحدى أكبر التظاهرات السينمائية في العالم، وكون "نورة" هو الذي قصّ شريط ذلك، فهذا أمر يشعرني بالفخر.

البدايات

  •  كيف بدأ فيلم "نورة"؟

كتبت الفيلم عام 2015، وقبل ذلك كتبت أكثر من قصة، لكنني شعرت أن قصة "نورة" تشبه حالتي كصانع أفلام في تلك الفترة، فأحببت الكتابة عن الفن وعن شخص فنان ومحب للفن، لأنني مؤمن أن الفن هو القادر على إيصال الأفكار والانفعالات إلى الناس من دون وسيط، فالشخص عندما يسمع الموسيقى يشعر بالحالة الوجدانية التي كتبت لتصويرها من دون حاجة إلى وسيط شارح، وكذلك الحال عندما ينظر إلى لوحة فنية. الفن يخاطب الإنسان، كما أنه أسلوب تواصل بين إنسان وآخر، وفي فيلم "نورة" جسدت كل تلك المشاعر والأفكار، بما في ذلك حبي للسينما وصناعة الأفلام. 

بدأت بالقصة وكتبت معالجة ثم عملت على المسودة الأولى في 2015، وفي 2017 جاءتني فرصة لصناعة الفيلم وتوفّر التمويل، لكني شعرت أنه ليس بالمستوى الذي أرغب في تقديمه به، كنت أرغب في تقديم عمل بمستوى راق، وكنت أفكر منذ البداية في الصورة النهائية للفيلم.

  • نلاحظ اهتماما كبيرا بالصورة في الفيلم واستغلالا جيدا للعناصر الإنتاجية المتاحة، ما التحديات التي واجهتها ليظهر الفيلم بهذا الشكل؟

كانت لديّ  منذ البداية رؤية فنية وإخراجية واضحة، ولم يكن لديّ أي استعداد للمساومة عليها. وكان يمكن أن يرى الفيلم النور في وقت أسرع لو استجبت لضغوط المؤسسات التي سعت إلى إنتاجه في البداية، مثلا بعض المؤسسات أرادت المشاركة في الإنتاج من خلال حصة بسيطة لا تخدم الفيلم وإنما تضع اسمها عليه، كما طلب مني أن يكون هناك مخرج آخر للعمل يشرف عليّ ويوجه رؤيتي، ورغبوا في تغيير نهاية الفيلم، كل هذا الشروط رفضتها ورفضت معها الدعم الذي ينتقص من قدرتي على تحقيق رؤيتي الفنية التي أدى تحقيقها إلى وصولنا إلى هذه اللحظة المهمة في مسيرة السينما السعودية.

عندما كتبت العمل كنت أرى كل شيء وكيف سيكون، وعندما تجتمع كل العناصر بعضها مع بعض، فإنها تخدم الفيلم، المشاهد العادي قد لا يرى هذه التفاصيل، لكنه يشعر بتلك الجماليات في القصة.

رفضت الدعم الذي ينتقص من قدرتي على تحقيق رؤيتي الفنية التي أدى تحقيقها إلى وصولنا إلى هذه اللحظة المهمة

  •  في الفيلم عدد من المشاهد الخارجية، كيف كان التصوير في الصيف؟

كنت أرغب بالتصوير في فصل الشتاء، إلا أن الظروف أجبرتنا على التأخير، وصورنا في نهاية الشتاء. كانت الأجواء باردة ليلا وشديدة الحرارة نهارا، وكانت الكاميرا تتعطل كثيرا بسبب درجة الحرارة، وكنت خائفا من درجة حرارة لون الشمس خلال التصوير، وعندما كانت الكاميرا تتعطل بسبب درجة الحرارة، كنا نضعها داخل إحدى السيارات ونضع عليها الثلج للتبريد، ثم نعود إلى استكمال التصوير، فتشعر أن كل الظروف في اليوم نفسه تقف ضدّك.

المخرج السعودي توفيق الزايدي

أرى أن أحد المواقف التي تجعل منك مخرجا، هو تعاملك مع تلك الأشياء، أي كيف تتولى القيادة، ويكون تفكيرك مرنا، ولا تخرج عن طورك أمام المصاعب وتعالج الأمور لحظة بلحظة، وقدرتك على توظيف الظروف من أجل استكمال عملك.

  • هناك ٣ أطوار أو أجيال من الممثلين في "نورة"، نحن نتحدث عن عبدالله السدحان جيل الإرث الفني في التلفزيون والمسرح، ويعقوب الفرحان في وقتنا هذا، وماريا بحراوي في أول تجربة، حدثني عن هذا التفاوت في الأعمار والخبرات بين الأبطال خلال هذا العمل، وكيف تعاملت مع هذه الاختلافات بينهم؟

تعمّدت أن يظهر هذا التفاوت في الأجيال منذ اللحظة الأولى وخلال مرحلة كتابة النص، وحاولت خلال اختيار أبطال العمل أن يكون هناك تنوع في الأعمار والخبرات، فأنا أؤمن أن العمل الجيد يستند إلى اختيار جيد لفريق التمثيل، وأن تخلق كيمياء بين هؤلاء الأبطال، لذا تجد العمل يضم مثلا عبد الله السدحان بتاريخه، مع يعقوب الفرحان وماريا البحراوي. 

تعاملت مع كل بطل من أبطال العمل أولا كإنسان يمتلك مجموعة من المشاعر، وحاولت أن أخرج هذه المشاعر وفقا لطبيعة كل شخصية وخبراتها، فالتعاون والنقاش مع كل شخصية منهم مختلف بالطبع، وحتى الأطفال داخل العمل كنت أحاول نقل التعليمات إليهم من خلال يعقوب لأنه بالنسبة إليهم كان المدرس.

تغييرات

  •  هل طرأت تغييرات على النص الأصلي أثناء التصوير؟ وكيف تتعامل مع هذه التغييرات؟

لا أسميها تغييرات بل تنازلات. قد تكون تلك التنازلات إبداعية، أو تنازلات إنتاجية ومالية، وقد اشتغلت كثيرا على تغيير المشاهد الإبداعية، ثم انتقلت الى المشاهد المالية، ولا بد أن يتمتع المخرج بالمرونة الكافية لمواجهة أي تغيير، فمهما كنت مستعدا فستقابلك مواقف وتحديات لا بد أن تتعامل معها باحترافية.

 أهم ما يفعله المخرج هو أن يرى أسوأ نسخة من فيلمه، ليتمكن من العمل عليها والخروج بأفضل صورة

  •  كيف تعاملت مع الفيلم على مستوى المونتاج أو مع فكرة الحذف، خصوصا أن الفيلم بقي فترة تتجاوز السنة في مرحلة ما بعد الإنتاج؟

أنا من النوع الذي يصور ما يريد، وكما يقال إن أول مسودة هي أسوأ مسودة، وكذلك المونتاج، لذا تعلمت أن أهم ما يفعله المخرج هو أن يرى أسوأ نسخة من فيلمه، ليتمكن من العمل عليها والخروج بأفضل صورة ممكنة، كما أن الإضاءة والموسيقى عوامل مساعدة وضرورية لأي عمل جيد.

استغرق "نورة" فعلا مدة سنة تقريبا في المونتاج. وعندما انتهيت منه عدت إلى الرياض ومنطقة العلا، كنت أحمل العمل مثل طفل بين الحياة والموت. كنت مدينا بالمال ولم تكن لديّ ميزانية، لكن عندما تؤمن بنفسك وتعيد النظر بكل شيء تتوصل إلى حل الأمور.

وجه إليّ أحد الأشخاص سؤالا حول أسوأ ما في فيلم "نورة"، فأخبرته بأنني أخرجته، فقد خطر ببالي سؤال لماذا فعلت ذلك؟ وعندما رأيت المسودة الأولى شعرت بأنه لا بد من إعادة التفكير، وهو الأمر الذي أؤكده بأن يرى المخرج فيلمه بأسوأ نسخة، فبدأت العمل على مونتاج الفيلم من جديد، وعملت على النسخة النهائية منه مثلما خرجت، واتضح أن المسألة ليست مسألة خطأ بقدر احتياج الشخص إلى الإنصات إلى نفسه وإعادة ترتيب الأمور. 

font change

مقالات ذات صلة