السعودية تمضي في توطين صناعة الرقائق وأشباه الموصلات

استثمارات بعشرات مليارات الدولارات واهتمام استراتيجي بتطوير الكوادر البشرية

واس
واس
منتدى مستقبل أشباه الموصلات

السعودية تمضي في توطين صناعة الرقائق وأشباه الموصلات

عندما كشف وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله السواحة عن تصنيع أول رقاقة إلكترونية في السعودية عام 2021، ظن الجميع أنه مجرد إعلان عابر ومحاولة من المملكة العربية السعودية لإظهار سعيها الى مواكبة العالم في الاهتمام بمجال الرقائق الالكترونية.

في سنة 2024 يتبين أن رحلة توطين صناعة الرقائق وأشباه الموصلات الإلكترونية الدقيقة في المملكة تسير بقوة وثبات، وبحسب التوقيت الصحيح لأجندة "رؤية 2023"، وهذا ما يترجم استثمارات وإطلاقات لشركات ومبادرات ومشاريع كبرى. كان من أبرزها إعلان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الأمير محمد بن سلمان، تأسيس شركة "آلات" ضمن شركات "صندوق الاستثمارات العامة" في فبراير/شباط المنصرم، لتكون رائداً وطنياً جديداً يساهم في جعل المملكة مركزاً عالمياً للصناعات المستدامة التي تركز على التقنية المتقدمة والإلكترونيات.

وستستثمر شركة "آلات" 100 مليار دولار حتى حلول عام 2030 لتعزيز قدرات القطاع التقني في المملكة. وهي تختص بتصنيع منتجات تخدم الأسواق المحلية والعالمية، ضمن سبع وحدات أعمال استراتيجية هي: الصناعات المتقدمة، وأشباه الموصلات، والأجهزة المنزلية الذكية، والصحة الذكية، والأجهزة الإلكترونية الذكية، والمباني الذكية، والجيل الجديد من البنى التحتية.

إطلاق إنشاء صندوق جديد بقيمة مليار ريال (226.6 مليون دولار) للاستثمار في قطاع أشباه الموصلات، ضمن تجمع وطني لإنشاء 50 شركة لتصميم الرقائق

ونشطت السعودية على مدى الأشهر المنصرمة، في تنظيم عشرات المبادرات والمؤتمرات المتخصصة بالذكاء الاصطناعي والاستثمار فيه، كان آخرها "منتدى مستقبل أشباه الموصلات" الذي نظمته مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية الأسبوع المنصرم، وحضره صناع القرار حول العالم ومسؤولون وخبراء. ولم يقتصر الحدث على تبادل الخبرات والنقاشات فقط كما هو معتاد في فاعليات مماثلة، فقد أعلن إطلاق مشاريع هي الأولى من نوعها في حقل أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية.

صندوق للاستثمار في الرقائق

في مقدم المبادرات التي أطلقت في المنتدى الأخير، إنشاء صندوق بقيمة مليار ريال (226.6 مليون دولار) للاستثمار في قطاع أشباه الموصلات، ضمن تجمع وطني لأشباه الموصلات في ضوء مساعي السعودية لإنشاء 50 شركة لتصميم الرقائق.

واس
نحو تأسيس منظومة متكاملة لتوطين صناعة الرقائق الإلكترونية وفتح الباب أمام المبتكرين السعوديين عالميا.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة "رابيد سيليكون"، الدكتور نافيد شيرواني، وهو أحد المشرفين على المشروع، خلال مشاركته في المنتدى "إن مبادرة المركز الوطني لأشباه الموصلات تركز على توفير بيئة تشغيلية متكاملة للشركات المصممة لأشباه الموصلات". ولفت الى أن السعودية تمتاز بأنها دولة حيادية وسط الصراع العالمي على الرقائق الإلكترونية، مما قد يسهل مهمتها في تزويد كل دول العالم الرقائق، ويجعلها مقرا عالميا في هذا المجال.

تكمن أهمية البرامج التي أطلقت خلال المنتدى في تأهيل الكوادر البشرية، إذ إن نجاح الشركات مرهون بحرفية الفريق الذي سيشارك في تصميم أشباه الموصلات

الدكتور ثامر الطباخ، المدير العام لمعهد الإلكترونيات الدقيقة وأشباه الموصلات في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية

برامج ماجستير ومعامل تقنية

كذلك أعلنت في المنتدى برامج دراسات عليا "ماجستير" في حقل الرقائق الميكروية وأشباه الموصلات، التي تهدف إلى تهيئة الكوادر البشرية السعودية، وذلك بالتعاون بين مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وجامعتي نورة في المملكة وكاليفورنيا في الولايات المتحدة. ويشمل البرنامج الأكاديمي تدريبا عمليا مكثفا بنسبة 35 في المئة في مختبرات الغرف التقنية في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. 

وخلال المنتدى، كشف رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الدكتور منير   الدسوقي، عن إطلاق مركز القدرات الوطنية لأشباه الموصلات، الذي يهدف إلى تمكين الباحثين المتخصصين من الوصول إلى مساحة تتجاوز 3,600 متر مربع من معامل وغرف تقنية متقدمة في المدينة. كما سيكون المركز متاحا لأكثر من 30 جامعة سعودية للتدريب والتجارب في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية. ويستعد المركز لاستقبال أكثر من 500 باحث وطالب سنويا لتدريبهم على هذه التقنية. 

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت في مارس/آذار المنصرم، عن محادثات جرت لإنشاء صندوق قيمته 40 مليار دولار للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، بشراكة محتملة بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي، و"أندريسن هورويتز"، إحدى كبرى شركات الاستثمار في "وادي السيليكون"، وممولين آخرين، وبالتعاون مع مصارف في "وول ستريت".

حتى اللحظة، هناك خمس شركات انتقلت إلى "الكراج"، المكان الذي أقيم في المنتدى وهو أشبه بالمدينة الجامعية، يحتوي على مختبرات وقاعات ومبان عدة في داخله. ومن بين تلك الشركات من أتى من "وادي السيليكون" في كاليفورنيا.

وقال الدكتور ثامر الطباخ، المدير العام لمعهد الإلكترونيات الدقيقة وأشباه الموصلات في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لـ"المجلة" إن "أهمية البرامج التي أطلقت خلال المنتدى تكمن في تأهيل الكوادر البشرية، إذ إن نجاح الشركات مرهون بحرفية الفريق الذي سيشارك في تصميم أشباه الموصلات في ما بعد، وهذا ينطبق على كل البرامج، سواء برامج الماجستير، أو إنشاء مركز القدرات الوطنية أو التجمع الوطني لأشباه الموصلات". ولا يستبعد الطباخ، إشراك مزيد من الجامعات في برنامج الماجستير في حال كان له أثر واضح في فترة وجيزة.

 يبدو أن عام 2024 سيعرف بأنه بداية الانطلاقة الاستراتيجية السعودية نحو عالم أشباه الموصلات والصناعات التقنية والذكاء الاصطناعي، على غرار ما حدث في تايوان في ثمانينات القرن الماضي

توطين قطاعات استراتيجية

ولدى السعودية خطة طموحة لتوطين 12 قطاعا من بينها صناعات الطيران والسيارات والطاقة المتجددة، إلى جانب الكيميائيات والأدوية والغذاء، فضلا عن الصناعات العسكرية، حيث تهدف إلى توفير 50 في المئة من الإنفاق على الدفاع لتمول بها الصناعات المحلية بدلا من الاستيراد.

وتعد الرقائق الإلكترونية مادة أساسية في الصناعات العسكرية، لا سيما المتطورة منها كالطائرات المقاتلة والدرون وبعض المركبات الذكية. وتشكل حالة روسيا اليوم بعد الحرب على أوكرانيا، نموذجا على أهمية الرقائق الإلكترونية في عملية التصنيع العسكري، إذ إن انتاجها الحربي تأثر بشكل واضح عقب العقوبات الغربية المفروضة عليها. 

ويعد نقل الخبرات في مجال تصميم أشباه الموصلات أمرا صعبا للغاية، ولا سيما وسط التنافس المحموم الحالي بين الولايات المتحدة الأميركية والصين. إلا أن السعودية تستغل مكانتها السياسية والاقتصادية لنقل الخبرات سواء بشكل مباشر أو من خلال الشركات في "وادي السيليكون"، لتصميم أشباه الموصلات وتصنع الرقائق الإلكترونية في السعودية.

... البداية

يبدو أن عام 2024 سيعرف لاحقا بأنه بداية الانطلاقة الاستراتيجية السعودية نحو عالم أشباه الموصلات والصناعات التقنية والذكاء الاصطناعي، على غرار ما حدث في تايوان في ثمانينات القرن الماضي، وكانت تايبه سبَّاقة في هذا المجال طبعا. كذلك الأمر بالنسبة الى السعودية، التي، شأنها شأن الدول الأوروبية، بل ويمكن أن تتفوق عليها إذ أن بعض هذه الدول لم يعلن استثمارات كافية لإنتاج الرقائق الإلكترونية محليا، معتمدا على استيرادها بشكل كامل.

font change

مقالات ذات صلة