كانت هذه البرقية هي الاتصال الأول بين الأسد وعرفات منذ أشهر، وقد استغرب الأسد مضمونها وعدها محاولة للي ذراع سوريا وإحراجها من قبل الزعيم الفلسطيني. وجهت سوريا توضيحا لحلفائها الفلسطينيين، مثل جورج حبش ونايف حواتمة، قالت فيه إن المقاتلين يجب أن يظلوا حيث هم في مواجهة إسرائيل، نافية كل ما ورد في رسالة عرفات. ولكنها تساءلت: ما هو حجم المقاتلين الذين سيغادرون بيروت؟ ما هو حجم الذين ليست لهم جهات يتوجهون إليها وما هي جنسيات هؤلاء المقاتلين؟ ومع رفضها لمضمون رسالة عرفات، أبقت القيادة السورية الباب مفتوحا لمناقشة احتمال استقبال المقاتلين الفلسطينيين، شرط عدم القيام بأي عملية عسكرية من سوريا وعدم إقامة أي معسكر تدريب إلى بموافقة وعلم القيادة السورية.
بعدها بأيام، قرر الأسد الاستجابة إلى الطلب الفلسطيني، بما يرضي الأميركيين والفرنسيين ويقطع الطريق على المزيد من التوغل الإسرائيلي في لبنان. بين ليلة وضحاها، تغيرت لغة الإعلام الرسمي السوري وباتت الصحف الحكومية ترحب بانتقال الفلسطينيين إلى سوريا، وبأنهم سيجدون فيها، "كما كانوا في الماضي الملاذ والسند".
استدعى الأسد قادة الفصائل الفلسطينية بدمشق وأبلغهم القرار وشروطه، مؤكدا على ضرورة الانضباط: "أنا لست الرئيس سركيس، ولا الملك حسين"، في إشارة إلى تدخل عرفات في الشأن الأردني وأحداث "أيلول الأسود" في 1970 ثم تدخله في لبنان بعد ذلك.
رحّب عرفات بقرار الرئيس السوري وفي 11 اغسطس أرسل رسالة ثانية للأسد: "فقد تسلمت وإخواني قراركم وقرار القيادة القطرية بانتقال جميع إخوانكم المجاهدين في بيروت المحاصرة لمن يرغبون في الذهاب إلى دمشق، بتقدير وارتياح كبيرين، وخاصة أن هذه العلاقات الخاصة بين الثورة الفلسطينية وسوريا تحديدا في هذه الظروف المصيرية الصعبة التي تواجه فيها هذا العدوان الإسرائيلي والمدعوم هذا الدعم اللا محدود من الولايات المتحدة الأميركية والتي تمده بأسباب جبروته وقوة عدوانه، وتحميه وتغطيه. إنني يا سيادة الرئيس أكتب إليك من بيروت الصامدة المحاصرة والتي تُصب عليها حمم القذائف جوا وبرا وبحرا، ليلا ونهارا. وإنني لأتوجه إليك يا سيادة الرئيس لتبذل جهدك مع إخوانك القادة العرب لتجمع أمر هذه الأمة أمام هذا الخطر المحدق بها من كل جهة. أشكركم باسمي وباسم إخواني المجاهدين وباسم منظمة التحرير الفلسطينية وباسم الشعب الفلسطيني على هذه اللفتة الطيبة التي تعودناها منك ومن سوريا الشقيقة. وإنها لثورة حتى النصر".
ياسر عرفات يسير وإلى يساره القيادي الفلسطيني سعد صايل يسير مع مقاتلين فلسطينيين في بيروت، 26 يونيو 1982
برنامج الانسحاب
وضع برنامج محدد لتأمين مغادرة المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، مهلته ما بين 15 يوما إلى شهر على أقصى تعديل. وتقرر أن يسلم الفلسطينيون للإسرائيليين قبل خروحهم بواسطة الصليب الأحمر الدولي كل السجناء الموجودين لديهم، مع معلومات كاملة عن السجناء الذين ماتوا في المعتقلات الفلسطينية. وفيما يلي نص اللائحة التي أصدرتها وزارة الخارجية الأميركية حول خطة رحيل "منظمة التحرير الفلسطينية" عن لبنان:
١- ستغادر قيادة ومكاتب ومقاتلو "منظمة التحرير الفلسطينية" لبنان إلى أماكن في بلدان أخرى تم ترتيبها مسبقا وفق جداول وترتيبات الرحيل المحددة في الخطة، والفكرة الأساسية في هذه الخطة تتماشى مع هدف حكومة لبنان بأن تنسحب جميع القوات العسكرية الأجنبية من لبنان.
٢- يحترم الجميع في لبنان وقفا لإطلاق النار احتراما تاما.
٣- سوف تسير مجموعة مراقبي الأمم المتحدة بين أعمالها في تلك المنطقة.
٤- إن القوات العسكرية الموجودة في لبنان سواء كانت لبنانية أو إسرائيلية أو سورية أو فلسطينية أو سواها لن تتدخل بأي حال من الأحوال في رحيل قيادة "منظمة التحرير" ومكاتبها ومقاتليها رحيلا آمنا ومضمونا وفي الوقت المحدد. كما أن غير المقاتلين من الفلسطينيين والذين ينصاعون للقانون والباقين في بيروت بمن فيهم أسر أولئك الذي سيخضعون للقوانين والأنظمة اللبنانية. وتقدم حكومتا لبنان والولايات المتحدة ضمانة السـلامة الملائمة على النحو التالي:
أ. تقدم الحكومة اللبنانية ضماناتها بناء على التأكيدات التي تكون قد حصلت عليها الفئات المسلحة والتي تكون على اتصال بها.
ب. تقدم الولايات المتحدة ضماناتها استنادا إلى تأكيدات حصلت عليها من حكومة إسرائيل ومن زعامة بعض الفئات اللبنانية التي هي على اتصال بها.
ت. يوم الرحيل هو اليوم الذي تنتشر فيه العناصر المتقدمة (طلائع القوة المتعددة الجنسيات في منطقة بيروت) وفقا لترتيبات أعدت مسبقا بين جميع الأطراف المعنية، وهو اليوم الذي تبدأ فيه المجموعة أو المجموعات الأولية من عناصر "منظمة التحرير الفلسطينية" بالرحيل من بيروت وفقا للجدول المحدد (المرفق).
ث. يكون قد تم تشكيل قوة متعددة الجنسيات مؤقتة من وحدات من فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، بناء على طلب من الحكومة اللبنانية، لمساعدة القوات المسلحة اللبنانية في تنفيذ مسؤولياتها في هذه العملية، وتضمن القوات المسلحة اللبنانية رحيل قيادة ومكاتب ومقاتلي "منظمة التحرير الفلسطينية" من أي تنظيم في بيروت على نحو:
- يضمن سلامة أفراد "منظمة التحرير" الذين سيرحلون.
- يضمن سلامة الأشخاص الآخرين في منطقة بيروت.
- تعزيز إعادة سيادة وسلطة الحكومة اللبنانية على منطقة بيروت.