استنزاف القدرات البشرية والمادية
واجهت روسيا وأوكرانيا خلال ثلاث سنوات من الحرب خسائر كبيرة على صعيد القوة البشرية والمعدات العسكرية والذخائر وتوفير استمرار الدعم اللوجستي والإنفاق الدفاعي. حيث خسرت روسيا عددا كبيرا من الدبابات والعربات المصفحة والطائرات والمروحيات وقطع المدفعية. ولا يقتصر هذا على تدمير المعدات، بل أيضا على استهلاكها بشكل كبير. وتجعل العقوبات الغربية على روسيا من الصعب على روسيا تجديد أو استبدال الكثير من الأسلحة والمعدات الحديثة، مما يعوق إمكانية أن تحافظ قواتها على قدرة قتالية عالية.
بالإضافة إلى أن استهلاك الذخائر والصواريخ وقذائف المدفعية كان مرتفعا، مما يتطلب أن تستمر روسيا في تصنيع أو شراء المزيد منها. لكن العقوبات على القطاع الصناعي الروسي، وتقييد الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة، جعلت من الصعب أن تحافظ الصناعات العسكرية الروسية على وتيرة عالية في الإنتاج من الأسلحة الدقيقة تكفي للاستمرار في اعتماد الجيش الروسي على تكتيك الاستهلاك المفرط للقذائف والذخائر على الجبهات. ورغم ما سبق فإن "عسكرة" الاقتصاد الروسي مكنتها من إنتاج أربعة أضعاف ما تنتجه البلدان الأوروبية مجتمعة، حسب تقارير أوروبية.
ووفقا لما صرح به الجنرال ألكسندر سيرسكي، القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، في مقابلة مع القناة الأوكرانية "TSN"، في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، سُجِّل في الشهور الأخيرة من العام الماضي انخفاض في معدل استهلاك الجيش الروسي لذخيرة المدفعية إلى النصف تقريبا. فبينما كان الرقم سابقا يصل إلى 40 ألف قذيفة يوميا، أصبح 20 ألف قذيفة فقط، مقابل ارتفاع عدد القذائف التي يطلقها الجيش الأوكراني إلى 15 ألف قذيفة.
جندي يطلق قذيفة من منظومة صواريخ "غراد" التابعة للجيش الأوكراني، في اتجاه مواقع روسية بالقرب من باخموت، منطقة دونتسيك، أوكرانيا، الخميس 24 نوفمبر 2022.
وفي الوقت ذاته، فإن الخسائر البشرية الكبيرة لا تعتبر مشكلة عسكرية كبيرة بالنسبة لروسيا، على المدى المنظور، لأنها ما زالت تستطيع تجنيد ما يكفي من جنود جدد والزج بهم إلى جبهات القتال بسبب الميزان الديموغرافي الراجح لصالحها. بالإضافة إلى حصولها على دعم من كوريا الشمالية بالجنود في مقاطعة كورسك. وعلى المدى الطويل من المتوقع أن يشكّل ما سبق معضلة شائكة بالنسبة لروسيا، لأن قواتها تخسر مع مرور الوقت جزءا كبيرا من خبراتها وكوادرها العسكرية عالية التدريب، ناهيك عن ردود الفعل المجتمعية السلبية على الخسائر الفادحة بالأرواح.
وفي المقابل، أصبحت أوكرانيا أيضا منهكة بعد ثلاث سنوات من القتال، وتعاني نقصا كبيرا في الأسلحة والذخائر، وصعوبات متزايدة في تعبئة الجنود. وتخسر البلاد المزيد من الأراضي على الجبهات، في عملية قضم تدريجي فرغم الدعم الغربي الكبير والمكثف لحقت بأوكرانيا خسائر فادحة في المعدات العسكرية، بما في ذلك دبابات ومدافع وطائرات مسيرة. ويبدو اليوم أن أوكرانيا لا يمكنها المراهنة على استمرار الدعم الغربي بالوتيرة السابقة، فالبلدان الأوروبية ليست قادرة على تعويض أوكرانيا عن توقف، أو تراجع الدعم العسكري الأميركي.
وأقر الرئيس الأوكراني في مقابلة له مع قناة "إن بي سي نيوز"، يوم الجمعة 16 فبراير/شباط الجاري، بأن فرصة أوكرانيا ستكون ضئيلة للبقاء على قيد الحياة دون دعم الولايات المتحدة.
الخسائر بالأرقام
يحجم الجانبان عن كشف الخسائر، ووفقا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، خسرت روسيا منذ بداية العدوان في فبراير/شباط 2022 وحتى مطلع 2025، ما لا يقل عن 783 ألف جندي وضابط، ويشمل ذلك 172 ألف قتيل و611 ألف جريح، من بينهم 376 ألفا أصيبوا بجروح خطيرة أدت إلى إعاقة وعدم القدرة على مواصلة الخدمة العسكرية، أما الآخرون فقد أصيبوا بجروح يمكن الشفاء منها وعادوا إلى الخدمة.
وفيما يتعلق بخسائر المركبات المدرعة، يقدر محللو المركز أن قوات الدفاع الأوكرانية قد عطلت ما يقرب من 1400 دبابة قتال رئيسة وأكثر من 3700 مركبة مشاة قتالية وناقلات جنود مدرعة تابعة للجيش الروسي. وإجمالا، منذ 24 فبراير 2022 وحتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2024، بلغت خسائر روسيا من المركبات المدرعة حوالي 14 ألف مركبة قتالية.
وبالنسبة لخسائر الجانب الأوكراني تختلف التقديرات حول الخسائر البشرية التي لحقت بالقوات المسلحة الأوكرانية. غير أنه وفقا لصحيفة "بوليتكو" الأميركية، كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في 9 ديسمبر 2024، عن مقتل 43 ألف جندي أوكراني، وجرح 370 ألفا آخرين، منذ بداية الحرب 2022. وتؤكد الكثير من المصادر أن عدد القتلى أعلى بكثير من الرقم الذي قدمه زيلينسكي، فهذا الرقم يتعلق بالمراحل الأولى من الحرب.
وحدة دفاع جوي تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية، والمعروفة باسم صائدي الطائرات بدون طيار، تضيء السماء بكشاف ضوئي قوي في الليل في موقع في منطقة كييف في أوكرانيا
وإلى جانب أعداد القتلى العسكريين، قالت مصادر في الأمم المتحدة، في يناير/كانون الثاني الماضي، إن حوالي 12300 ألف مدني أوكراني قتلوا خلال ثلاث سنوات من الحرب.
ولا توجد تقديرات مؤكدة حول حجم الأسلحة والمعدات التي خسرتها أوكرانيا منذ بداية الحرب. لكن بعض التقارير، استنادا إلى بيانات مفتوحة، تشير إلى أن أوكرانيا فقدت 700 دبابة، و800 ناقلة جنود، و900 عربة قتال مدرعة، وما يقارب 80 طائرة مقاتلة.
تحديات اليوم التالي إذا توقفت الحرب
يرى خبراء غربيون أن أحد شروط نجاح إيجاد تسوية سياسية للحرب الأوكرانية يتطلب تغيرات داخلية في روسيا وأوكرانيا. ويحذر الخبراء من أن التحديات التي من المرجح أن تواجه موسكو وكييف بعد وقف الحرب قد تدفع نحو مواصلة الحرب، في مسعى سيبذله كل طرف لتقريب شروط التسوية ومخرجاتها من مطالبه.
على الرغم من أن 79 في المئة من الروس يدعمون توقيع معاهدة سلام مع أوكرانيا، بحسب دراسة أجرتها مجموعة الأبحاث "راشان فيلد" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وتأييد 52 في المئة من الأوكرانيين إجراء مفاوضات مع روسيا لإنهاء القتال، وفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" في الشهر نفسه.