كان الشعور المشترك بالمظلومية عند الحوثيين في اليمن والشيعة في لبنان بمثابة البذرة الأولى التي أدركتها إيران، وأخذت تعمل على تغذيتها بوسائل مختلفة، فكانت البداية من الجنوب اللبناني حيث أولت إيران لشيعته رعاية خاصة ودعما ماديا متزايدا إلى أن أصبح "حزب الله" جسما سياسيا واقتصاديا وذراعا عسكريا وازنا.
ومع الفارق في تاريخ اتصال إيران بـ"الحزب" والجماعة، فإن القصة تكررت بعد ذلك في اليمن من خلال إيران وبواسطة "حزب الله"، إلى الحد الذي تولت فيه إيران دعم الحوثيين بالسلاح، فيما دفع "حزب الله" بخبرائه ومدربيه إلى مناطق الحوثيين حيث شارك هؤلاء في القتال إلى جانب الحوثيين وقتل وأصيب بعضهم كما تتحدث بعض المصادر.
الظهور إلى الواجهة وطبيعته
بداية كان أول ظهور للحوثيين كجماعة مسلحة خلال حروبهم الست مع نظام الرئيس صالح، لكن ظهورهم الأكبر كان عندما انقلبوا على "الدولة اليمنية" ليجعلوا من أنفسهم "الدولة" ذات الطابع الطائفي، وبذلك فقد "ازدردوا لقمة أكبر من قدرتهم على الهضم" حسب تعبير مسؤول بريطاني سابق، بينما برز "حزب الله" إلى الواجهة من خلال "حروب المقاومة" التي خاضها مع إسرائيل، وتنامت معها قوته وتجاوزت قدرات الجيش اللبناني، واتسع نفوذه السياسي ليصبح دولة موازية وربما أكثر، لكن الفارق أن "حزب الله" أبقى على "شكل" ما للدولة اللبنانية ليبدو أنه بات جزءا منها، وإن أصبح بعد ذلك بمثابة "الثلث المعطل" لقرارات البرلمان والحكومة كما هو معروف.
وإذا أردنا أن نقارب أكثر بين "الجماعة" و"الحزب" فإن ذلك ممكن من جهة التركيبة التنظيمية لهما، مع فارق أن الأولى معقدة، والثاني كان أكثر تنظيما، ولكن تجمعهما الدرجة نفسها من الالتزام بالعقيدة والانضباط في تطبيق أهدافها من منظورهم الخاص والمشترك بالطبع.
أنصار الحوثيين في اليمن خلال تجمع لإحياء ذكرى يوم القدس العالمي في صنعاء، في 28 مارس
صعوبات المقارنة
قد يبدو الجانبان "سجادة فارسية" واحدة، أو نسختين- إذا جاز التعبير- كلاهما مكتوبٌ بذات الحبر والقلم "الإيرانيين" أي إنهما نسختان متشابهتان كثيرا، ولكن ليستا بالضرورة متطابقتين تماما كما سيتضح في السطور التالية.
مذهبيا، يعد شيعة لبنان من الأقليات، عاش وتعلم أغلب رموزهم في الحوزة العلمية بالنجف في العراق وفي "قم" بإيران، كما تكشف عن ذلك السير الذاتية لأمناء "حزب الله" الأربعة االسابقين، صبحي الطفيلي، وعباس الموسوي، وحسن نصرالله، وهاشم صفي الدين، ولا يختلف كثيرا عنهم الأمين العام الحالي، نعيم قاسم، الذي استهل زعامته لـ"الحزب" ببيان جدد فيه البيعة والولاء لـ"إمام آخر الزمان" و"الولي الفقيه" علي خامنئي.
أما الحوثيون فكانوا في الأساس تعبيرا عن مكون مجتمعي "زيدي" المذهب لكن الكثير من رموزهم الهاشمية تحديدا تحول بحكم تطور العلاقة مع إيران إلى الاثنى عشرية الجعفرية، فيما لم يتلقوا تعليما أو توجيها في إيران والضاحية الجنوبية لبيروت إلا بعد سنوات من بروزهم كجماعة مذهبية مسلحة، وبفعل ممارساتهم أصبحوا شبه أقلية رغم ادعاءاتهم بمناصرة غالبية السكان لهم في مناطق سيطرتهم.
المكان والحاضنة
ربما تبدو كبيرة بالنسبة للبنان تلك المساحة الجغرافية التي بنى عليها "حزب الله" وجوده المذهبي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، في الهضاب والتلال والسهول والمزارع والأحراش الواقعة في جنوب لبنان.
لكن هذه المساحة أصغر بكثير من تلك التي يهيمن عليها الحوثيون في اليمن، كما أن تضاريس الأرض في كلا البلدين مختلفة، ففي مناطق سيطرة الحوثيين جبال شاهقة جرداء قاحلة وسهول رملية شحيحة المطر ومحدودة الأراضي الصالحة للزراعة، خصوصا في محافظة "صعدة" معقل الحوثيين في شمال اليمن لدرجة تكاد معها الجغرافيا تبدو كأنها تحصينات طبيعية تقاتل في كل الحروب إلى جانب الحوثيين وقبائل المنطقة.
التركيبة الديموغرافية
يبدو لبنان أكثر تنوعا في مكوناته السكانية الطائفية والاجتماعية، حيث يبلغ عدد المسلمين في لبنان حوالي 60 في المئة (السنة 27.65 في المئة والشيعة 27.35 في المئة، إضافة إلى مذاهب إسلامية أخرى)، بينما تبلغ نسبة المسيحيين 39 في المئة باختلاف مذاهبهم.
شكلت الضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان "الحاضنة الرئيسة" لـ"حزب الله" اللبناني، وربما مع امتدادات لها هنا أو هناك وحتى داخل بعض المناطق في سوريا، كما تمثل تجربة "الحزب" مصدر إلهام لـ"حزب الله في العراق".