في المشهد الأدبي الفرنسي الراهن، كامي لورانس هي الروائية التي استكشفت موضوع الحب أكثر وأفضل من أي روائي معاصر لها. لكن هذه الحقيقة يجب ألا تنسينا أن دخول لورانس إلى معترك الكتابة لم يكن من هذا الباب. ففي رواياتها الأربع الأولى، التي تشكل رباعية تتبع فصولها الترتيب الأبجدي، تألقت هذه الكاتبة في نسجها دروب متاهة بورخيسية بامتياز، وفي لجوئها إلى فانتازيا تخيلية لسبر عمق العلاقة بين خرافة وواقع، وهم وحقيقة.
المنعطف في عمل لورانس الكتابي حدث عام 1994، بعد فقدانها طفلها، حين استبدلت الخيال وفق المعنى الكلاسيكي، بـ"التخيل السيرذاتي" (autofiction) الذي وفر لها الركيزة والإطار المناسبين لخوض تأمل استبطاني في موضوع الإنسان وعلاقته بنفسه ورغباته، وفي موضوع الحب على وجه الخصوص. تأمل مدوخ في نضجه وحركة تقدمه اللاهث، أثمر خمس روايات: "بين هذين الذراعين" (2000)، "الحب، رواية" (2003)، "لا أنت ولا أنا" (2006)، "علاقة عاطفية متوترة" (2010)، و"تلك التي تخالها" (2016).
في روايتها الجديدة التي صدرت حديثا عن دار "غاليمار" بعنوان "وعدك"، تتابع لورانس هذا التأمل باستكشافها معنى أن نحب، أن نُحَب، والأسباب التي تقف خلف فشل العلاقات العاطفية في غالب الأحيان، معرية في طريقها النرجسية المتفشية في زمننا الراهن وتداعياتها التي لا تقتصر على انحسار القدرة على التعاطف مع الآخر، رفيق الدرب، بل تشمل أحيانا التلاعب به، والكذب عليه. رواية تمسك بنا بطريقة بنائها الفريدة وإيقاع سردها المحموم، ومن خلال تفحصها البصير شعور الحب، وتعرية الأوهام الملازمة له، تدعونا إلى معانقته وعيشه، حين يطرق بابنا، لكن شرط الحذر من استيهاماته ووعوده الكاذبة.