مع دعوة زعيم الحركة القومية التركية دولت بهجلي إلى إقرار دستور جديد في تركيا، تبدو الحياة السياسية في تركيا وكأنها ستدخل استقطابا و"دوامة" جديدة، أساسها انقسام مختلف الأحزاب الرئيسة في البلاد حول هذا المشروع، وتباين أشكال تقاطعاتها، بسبب اختلاف مطالبها ورؤاها حول الدستور، وطبيعة أزماتها الداخلية التنظيمية، وتطلعاتها المستقبلية لدورها.
تأتي دعوة بهجلي، والذي يُعتبر شريكا للرئيس أردوغان في التحالف الحاكم، ومُعبرا تقليديا عن "الدولة العميقة" في تركيا، في ظل أزمة سياسية وأمنية حادة في البلاد. فالمظاهرات شبه اليومية ما تزال قائمة في مختلف المدن الرئيسة من البلاد، تنديدا باعتقال رئيس بلدية إسطنبول ومُرشح أكبر أحزاب المعارضة للانتخابات الرئاسية القادمة أكرم إمام أوغلو. وعقب النداء الاستثنائي الذي وجهه زعيم حزب "العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان لمقاتلي حزبه، طالبا منهم وضع السلاح وتفكيك الحزب، حيث ما تزال الخطوات العملية لتنفيذ مثل تلك العملية في بداياتها.
أغلب آراء المحللين المتابعين للشأن التركي، تقول إن إمكانية إقرار دستور جديد لتركيا، مرتبط بقدرة هذا الدستور على تلبية حاجات القوى السياسية الرئيسة في البلاد، حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، وحزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" المؤيد لحقوق الأكراد، وإلى جانبهم حزبا المعارضة الرئيسان، "الشعب الجمهوري" (الأتاتوركي)، وحزب "الخير" القومي.
فحسب السياق التاريخي، سيكون هذا الدستور الجديد، لو أُقر، أول دستور بهوية مدنية تم إقراره عبر البرلمان. فمختلف الدساتير التركية السابقة أُقرت عقب انقلابات عسكرية، وحسب إرادة وتطلعات الانقلابيين ومؤسستهم العسكرية. الدستور الأول وضعه مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك عام 1924، عقب الانتصار في الحرب مع اليونان وإعلان النظام الجمهوري. أما دستور عام 1961 فقد أقرته "لجنة الوحدة الوطنية"، المؤلفة من 38 شخصا، بقيادة الجنرال جمال غورسيل، الذي قاد انقلابا على الحُكم الديمقراطي قبل سنة واحدة فحسب، وأعدم رئيس الوزراء المنتخب عدنان مندريس بعد شهور قليلة. والدستور الحالي بدوره أُقر عام 1982، بإرادة تامة من الجنرال كنعان أفرين، قائد انقلاب عام 1980، ورئيس الجمهورية فيما بعد.