كان رفض حركة "حماس" نزع سلاحها، وهو المطلب الذي طُرح في إحدى الجولات الأخيرة من المحادثات غير المباشرة مع إسرائيل بشأن وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الأسرى، متوقعا ومنطقيا. وقد أثار هذا المطلب، الذي نُسب إلى وسطاء مصريين وفقا لبعض المزاعم، جدلا واسعا، وفتح بابا من التساؤلات حول مستقبل السلطة الحاكمة في غزة، مما أثار غضب المؤيدين للمقاومة منذ أن طرحه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في وقت سابق من هذا الشهر.
لو وافقت "حماس" على هذا المطلب، فإنها بذلك تعرّض وجودها كحركة مقاومة لخطر الانهيار، إذ يشكل السلاح أحد الأعمدة الأساسية التي تستند إليها في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والوعد بتحريرها، وهو ما شكّل جوهر خطابها منذ تأسيسها عام 1987.وقد وظفت الحركة هذا الخطاب لتبرير ممارساتها، بما في ذلك سياساتها الداخلية تجاه سكان غزة، ولحشد الدعم داخليًا وخارجيًا على مر السنوات.
فتجريد"حماس" من سلاحها اليوم سيؤدي إلى إضعافها وتقويض مكامن قوتها، رغم اعتقاد البعض أن هذا السلاح لم يجلب للفلسطينيين سوى الويلات، كما تؤكد هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على الكيبوتسات جنوب إسرائيل، دون الحاجة إلى التذكير بسلسلة العمليات السابقة ضد إسرائيل والردود المدمرة التي جلبتها على سكان القطاع.
وقد أسفرت هذه الردود حتى الآن عن مقتل أكثر من 60 ألف شخص من سكان غزة، فضلا عن عشرات الآلاف من الجرحى والمشوهين، فيما تعرّض أكثر من 80 في المئة من القطاع الساحلي للدمار.
ويبقى مستقبل غزة قاتما في أحسن الأحوال، وقد يبلغ حد الخسارة الكاملة في أسوأ السيناريوهات، في ظل تمسك الرئيس الأميركي دونالد ترمب بمخططه للسيطرة عليها وتحويلها إلى مشروع عقاري وسياحي ضخم، مستغلًا موقعها الجغرافي الفريد، بالتوازي مع إجراءات إسرائيلية تهدف إلى دفع السكان للمغادرة.
ومع ذلك، نفت القاهرة تقديم هذا المطلب أو طرحه خلال الجولة الأخيرة من المحادثات غير المباشرة التي استضافتها، مشيرة إلى أن مصدره هو الجانب الإسرائيلي.وستكون موافقة "حماس" على نزع سلاحها وتخليها عن السلطة ستكون تبنيا للرؤية المصرية لمستقبل غزة، وهي رؤية تقوم على اعتبارات سياسية وأمنية وأيديولوجية متشابكة.
إنهاء الانقسامات
من المفارقات أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يكون آخر من يرغب في نزع سلاح "حماس"، إذ يتلاقى في هذا الموقف مع قادة الحركة الرافضين للاستسلام.وطالما استغل نتنياهو، وهو رئيس الوزراء الأطول خدمة في تاريخ إسرائيل، وجود "حماس" لتأجيج الانقسامات بين الفلسطينيين. فقد دعمها بشكل غير مباشر عبر تسهيل تدفق الأموال إليها، والتي استخدمتها في إحكام قبضتها على غزة، إلى جانب تعزيز قدراتها العسكرية.
وبإقامة كيان سياسي منفصل في غزة، ساهمت "حماس" في تحقيق هدف إسرائيلي استراتيجي يتمثل في تعميق الانقسام الفلسطيني، مما عزز مزاعم تل أبيب بعدم وجود شريك فلسطيني موحد يمكن التفاوض معه، بما في ذلك في إطار اتفاقيات أوسلو التي وُقعت في سبتمبر/أيلول 1993.
ويستغل نتنياهو وجود الجناح العسكري لـ"حماس" في غزة لتبرير عملياته العسكرية المتواصلة، والتي دمرت المدارس والمستشفيات ومراكز الأمم المتحدة والمساجد والكنائس، بزعم أن عناصر "حماس" يختبئون داخلها أو يستخدمونها لتخزين الأسلحة والصواريخ.
وفي حال تخلت "حماس" عن سلاحها وتنحت عن السلطة، فإن إسرائيل ستفقد هذا الذريعة، ما قد يفتح المجال أمام السلطة الفلسطينية لتولي المسؤوليات الإدارية والأمنية في غزة.