نظرت السينما إلى شخصية البابا بوصفها تمثيلا لشبكة عريضة من السلطات والمصالح والحسابات المتعددة المصادر والمرجعيات التي تشكل شبكة متداخلة يحل فيها المقدس والرمزي والسياسي والاجتماعي والشخصي السيكولوجي في بنية واحدة.
وبذلك فإن كل من يحتل هذا المنصب يمثل مسارا معقدا من التحولات والصراعات والنزعات ويشكل بذلك شخصية جدلية ترتبط بالعالم وتقع فيه على الرغم من تمثيلها بنى رمزية علوية ومقدسة. هذا التقاطع كان دائم الحضور في تركيبة السلطة البابوية وخياراتها حيث يمثل وصول بابا جديد إلى سدة الكرسي الرسولي انتصارا لنهج ديني وسلطوي يتجاوز في مصادره وفي ما يعبر عنه حدود العالم السري والخفي للمؤسسة البابوية لينفتح على العالم وصراعاته.
وعليه، لم تكن المؤسسة البابوية مؤسسة واحدة تورث سلطة ثابتة ومناهج محددة ومتوارثة بل كانت دائما تتجدد مع كل بابا، ولا يشمل هذا التجديد الدائم منطق إدارة شؤون الدين والعقيدة ومراجعة ما يصلح وفرزه مما لم يعد صالحا، بل يشمل كذلك الموقف من طبيعة الإيمان نفسه والسياسات والتكنولوجيا وأسئلة المعنى والهوية واللغة، وكيفية الحفاظ على تماسك عقائدي ينتمي إلى سردية محكمة ومقدسة في زمن تشظي السرديات وتفككها.
التقطت السينما البابوية في سياق سيال وجدلي ومتحرك ورصدت مآزقها وعثراتها وأمجادها وسقطاتها الأخلاقية وحللت طبيعتها وصراعاتها بوصفها جزءا من سياق الأحداث العالمي وبالشراكة معه.
كان القاسم المشترك بين عدد كبير من الأفلام التي تناولت تلك الشخصية المفعمة بالتناقضات، أنها أبرزت تأثير العالم في صناعة تركيبة شخصية البابا والمؤسسة البابوية وقرأت دوره من ناحية أخرى في ما يفعله للتأثير في الأحداث وتحويل وجهتها للتلاؤم مع مشروع عالم أكثر إنسانية وعدالة، كما عرضت كيف وقعت المؤسسة البابوية في فخ الفساد والتعاون مع المافيا والصمت عن الجرائم الكبرى والتستر على الانتهاكات في قلب المؤسسة البابوية.