20 سنة بلا "وصاية" سورية... لبنان بلد العقم والانتظارhttps://www.majalla.com/node/325315/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/20-%D8%B3%D9%86%D8%A9-%D8%A8%D9%84%D8%A7-%D9%88%D8%B5%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%84%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B8%D8%A7%D8%B1
مرّ اليوم 20 سنة على جلاء جيش النظام السوري وأجهزته الأمنية عن لبنان. وهو كان قبل 50 سنة قد أدخل وحدات منها إلى البقاع شرق لبنان، متذرعا بوقف حربه الأهلية والحفاظ على أمن سوريا. وفي الحقيقة والواقع حيازة موقع قوة في المعادلة الدموية اللبنانية بأصدائها وأبعادها الإقليمية والدولية، بسبب صلتها القوية بالمسألة الفلسطينية وبالهاجس الغربي حيال أمن إسرائيل.
وهذا- معطوفا على تحالف الأسد مع نظام الجمهورية الإسلامية في إيران- أدى إلى إطالة عمر النظام الأمني الديكتاتوري الأسدي، ومضاعفة استعباده الشعب السوري، ووزنه في النظام العربي الإقليمي، وتمكينه من استدراج القوى الدولية الغربية لاعتماده "واليا" مشرقيا تفاوضه على ضبط عمليات منظمات الفلسطينيين واللبنانيين المسلحة ضد إسرائيل.
نظام "الوصاية" والشِّقاق
ومنذ بدايات الحروب الملبننة وحتى نهايتها (1975-1990) ساهمت سياسات حافظ الأسد (1930-2000) اللبنانية مساهمة أساسية ومحورية في إذكائها وإدارتها إدارة لئيمة طوال 15 سنة، تخللها اجتياح الجيش الإسرائيلي لبنان وصولا إلى بيروت عام 1982، فطرد منها قوات "منظمة التحرير الفلسطينية" ووحدات الجيش السوري إلى البقاع.
وجددت السياسات الإسرائيلية والسورية الأسدية الحروب في لبنان، وجعلتها أشد دموية وفتكا وتدميرا للجماعات اللبنانية المسترسلة في عداواتها. وهذا مكّن الجيش السوري من العودة إلى بيروت عام 1987، فسيطر أولا على جزء من القرار السياسي والأمني في لبنان، قبل أن يصير "الوصي" الوحيد عليه، حتى اغتيال رفيق الحريري عام 2005. أما الجيش الإسرائيلي فظل 24 سنة يحتل شطرا حدوديا من جنوب لبنان (1976-2000).
أدت عمليات "حزب الله" إلى شن إسرائيل حربا مدمرة على الجنوب في عام 1996، سمتها "عناقيد الغضب". وهي أدت إلى ما سُمي "تفاهم أبريل" بين إسرائيل وحافظ الأسد
ومرت 35 سنة على توقّف الحروب الملبننة عام 1990، بعد إبرام اتفاق الطائف في عام 1989. لكن الاتفاق طُبِق مشوّها، وعلى مزاج الأسد. فلم تنشأ سلطات لبنانية مستقلة: فلا الجماعات اللبنانية- وهي خرجت من حروبها منهكة، ممزقة ومدمرة، وهوياتها مشحونة بالضغائن والثارات في ما بينها، وبالولاءات الخارجية- كانت لديها إرادة على التوافق لمباشرة حياة سياسية تخرجها من عداواتها وضغائنها، وتسمح بإنتاج سلطة لبنانية مستقلة. ولا النظام السوري كان في وارد مساعدة الجماعات اللبنانية على الوئام والتوافق. بل هو سلك على العكس من ذلك تماما:
- منذ عام 1982 استقدم إلى البقاع وحدات من الحرس الثوري الإيراني. فتولت إنشاء وتدريب الخلايا العسكرية والأمنية السرية الأولى لـ"حزب الله" الذي تولى النظامان السوري والإيراني- وفق مصالحهما الخاصة وخارج أي تفاهم لبناني ومصلحة لبنانية- إدارته وإدارة عملياته العسكرية ضد إسرائيل في جنوب لبنان. ومن ثم مكّناه من بناء مجتمع شيعي خاص ومنكفئ، فاقم الشقاق بين الجماعات اللبنانية وتهديدها.
- وفي بقاع لبنان وشماله أدار النظام السوري الشِّقاق والاقتتال بين أجنحة "منظمة التحرير" والمنظمات الفلسطينية، فاستتبعها ضد القرار الفلسطيني المستقل بزعامة ياسر عرفات.
اعتصام للبنانيين رفعوا الأعلام الوطنية وطالبوا بتطبيق القرار 1559، أمام المتحف الوطني في بيروت في 19 نوفمبر 2004
- تحت شعارات "وحدة المسار والمصير بين سوريا ولبنان"، و"ما صنعه التاريخ والجغرافيا بينهما لا يغيره سوى الله"، و"لبنان وسوريا شعب واحد في دولتين"، تولى النظام السوري إدارة الشِّقاق بين الجماعات اللبنانية وإذكائه، ومنع زعمائها من توحيد مواقفهم، حتى الآنية. وذلك بالاغتيال تارة (كمال جنبلاط مثلا) وبالإقصاء والنفي طورا، وبالتهديد والاستتباع غالبا.
- وتسابق كثيرون من زعماء الجماعات اللبنانية على التمسُّح بالنظام السوري الحاكم في بلدهم وموالاته. فنشأت بين مقدمي النظام اللبناني وأولياء أمرهم السوريين شبكات مصالح سياسية واقتصادية ومالية شبه مافياوية، يتنافس فيها اللبنانيون على نيل حظوة السوريين. وهذا ما أعدم احتمال بناء مصالح لبنانية مشتركة، وجعل مؤسسات السلطة والحكم في لبنان نهبا لولاءات متضاربة ولا تستقر على حال.
ومنذ تولي رفيق الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية عام 1992، اعتمد النظام السوري سياسة لبنانية مزدوجة: إرساء الشِّقاق بين أقطاب الحكم والساسة اللبنانيين واستتباعهم. والسماح لـ"حزب الله" ببناء قوته التنظيمية والعسكرية داخل الجماعة الشيعية، بالتكافل مع إيران التي أدار حرسها الثوري تنظيم "الحزب"، وتمويله وتسليحه، وانفراده وحده بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب. وأدت عمليات "حزب الله" إلى شن إسرائيل حربا مدمرة على الجنوب في عام 1996، سمتها "عناقيد الغضب". وهي أدت إلى ما سُمي "تفاهم أبريل/نيسان" بين إسرائيل وحافظ الأسد.
لا يبدو اليوم أن لبنان وسوريا قد خرجا من تخبطهما الدامي في متاهة يتداخل فيها الاضطراب السياسي بالشقاق الأهلي المذهبي، بالمجازر الطائفية، وبحرب متقطعة تشنها عليهما إسرائيل بين يوم وآخر
ومضت اليوم 19 سنة على حرب يوليو/تموز 2006 الكبيرة بين "حزب الله" وإسرائيل بعد إنهاء احتلالها في الجنوب، وترسيم الحدود بينها وبين لبنان. وكان من أهداف "الحزب" ورعاته من تلك الحرب، تقويض أي ميل للحياة السياسية اللبنانية إلى أن تكون مستقلة، بعد اغتيال رفيق الحريري الذي أدى إلى إنهاء "وصاية" النظام السوري على لبنان.
وما إن انطلقت الاحتجاجات الشعبية ضد نظام بشار الأسد في سوريا عام 2011، حتى بادر "حزب الله" إلى إرسال جيش من مقاتليه لنجدة النظام الديكتاتوري الدموي ضد الشعب السوري الثائر عليه. ومكث جيش هذا "الحزب" المذهبي 12 سنة من ولوغه في دماء السوريين الثائرين، وتجويعهم واجتثاثهم من ديارهم وتشريدهم. ولم يسحب مقاتليه من الأراضي السورية إلا بعدما دمّرت إسرائيل قواته وتجهيزاته العسكرية، وقتلت/اغتالت قياداته العسكرية والأمنية وزعيمه حسن نصرالله قبل أشهر في لبنان. وكان هذا من عوامل انهيار نظام بشار الأسد وزواله في سوريا.
لوحة قاتمة
ما الخيط المشترك الجامع بين هذه الحوادث والسنوات المريرة؟
هشاشة التركيب السياسي للدولة اللبنانية المعاصرة منذ نشأتها. والاختلافات التاريخية وعدم الانسجام بين هويات جماعاتها، وثقافاتها وأنماط عيشها. وتدافع وتعدد ولاءاتها الإقليمية والدولية في منطقة شديدة الاضطراب تتداخل فيها النزاعات الأهلية الداخلية بالإقليمية والدولية. وفاقم ذلك الاضطراب غرسُ كيان غريب (إسرائيل) احتلالي توسعي، استيطاني استعماري، في فلسطين، وقيام أنظمة عسكرية ديكتاتورية في مصر والمشرق العربي.
موقع الانفجار الذي أودى بحياة رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري في بيروت، لبنان في 14 فبراير 2005
وأدى تداخل هذه العوامل كلها إلى نشوب حرب لبنان الأهلية الإقليمية، ثم في سوريا وسواها من معظم بلدان "الربيع العربي" البادئ في نهاية عام 2010. ولا يبدو اليوم أن لبنان وسوريا قد خرجا من تخبطهما الدامي في متاهة يتداخل فيها الاضطراب السياسي بالشقاق الأهلي المذهبي، بالمجازر الطائفية، وبحرب متقطعة تشنها عليهما إسرائيل بين يوم وآخر، فيما هي تبيد سكان غزة الفلسطينيين.
وهذا من دون أن يتوارى احتمال انفجار صدامات حدودية بين جماعات لبنانية وسورية مسلحة على جهتي الحدود. وكذلك مواجهات أهلية داخلية في كل منهما. وقد تتداخل هذه الصدامات بين البلدين، فيما لا تتوقف الغارات الإسرائيلية عليهما.
وفي ضوء هذه اللوحة القاتمة من الحوادث الحربية المتداخلة، على أي وجه يمكن التفكير والنظر في ما حدث بلبنان بعد انسحاب جيش النظام السوري وأجهزته الأمنية منه قبل 20 سنة؟
استنزاف القوى المناوئة لـ"الوصاية"
في مرآة ما هي عليه حال لبنان اليوم، يصعب أن نلمح أثرا لما عاشه لبنانيو قوى 14 آذار من حيوية ونشاط سياسيين عقب اغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005، واتهامهم النظام السوري "الوصي" على بلدهم باغتياله. وسرعان ما أدى ذلك إلى إرغام نظام بشار الأسد على إنهاء "وصايته" على لبنان وإجلاء جيشه وأجهزته الأمنية عنه بين 26 و30 أبريل/نيسان من العام نفسه.
سياسات "حزب الله" وحليفه المسيحي القوي ميشال عون، تجاوزت سياسات "الوصاية" السورية التي غالبا ما كانت تملي إجراء الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها
وقد استمرت حيوية قوى 14 آذار المتفائلة بما أنجزته طوال 3-4 سنوات، شهدت فوزها بأكثرية نيابية في دورتين انتخابيتين (2005 و2009)، بلغت نسبة التصويت الشعبي فيهما أرقاما غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات النيابية. وهذا على الرغم من تعرّض تلك القوى، المناوئة لـ"الوصاية السورية" ولتحالف 8 آذار الذي يواليها بقيادة "حزب الله"، لانتكاسات عدة متتالية:
- تعرضها لموجة اغتيالات متلاحقة ومرعبة، طاولت وزراء ونوابا وإعلاميين وقادة رأي فيها، إضافة إلى قادة أمنيين وعسكريين في أجهزة الدولة، تعاونوا مع المحكمة الدولية التي كانت تحقق في اغتيال رفيق الحريري.
- انسحاب "التيار العوني" المسيحي الواسع بزعامة ميشال عون من قوى 14 آذار، وانضمامه إلى تحالف 8 آذار بقيادة "حزب الله"، وفوزه بأكثرية نيابية في الوسط المسيحي.
- نشوب حرب تموز/يوليو 2006 بين "حزب الله" وإسرائيل، ونتائجها المدمّرة على لبنان، والتي كان من أهدافها تغيير المناخ السياسي والأولويات السياسية الداخلية والإقليمية والدولية التي كانت متبلورة لصالح قوى 14 آذار.
- قيام تحالف 8 آذار بحركة احتجاجية واسعة لإسقاط حكومة فؤاد السنيورة المنبثقة عن تحالف 14 آذار، واعتصام/احتلال المحتجين بقيادة "حزب الله" وسط بيروت طوال 18 شهرا بين عامي 2006 و2008. ولم ينتهِ ذاك الاعتصام/الاحتلال إلا بعد قيام ميليشيات 8 آذار بحملة عسكرية دموية أدت إلى احتلالها بيروت، وهجومها على الشوف معقل الحزب "التقدمي الاشتراكي" الدرزي بزعامة وليد جنبلاط، قطب 14 آذار. وأدى ذلك إلى إبرام "اتفاق الدوحة" في 21 مايو/أيار 2008، والذي أرسى نظام تقاسم السلطة والحكم بالمحاصصة بين المعسكرين المتنازعين.
- أدت هذه العوامل مجتمعة إلى استمرار استنزاف قوى 14 آذار وتفككها، والإمعان في مبدأ إرساء الحياة السياسية والحكم على الهويات الطائفية وعصبويات أجهزة الطوائف ومنظماتها المتنازعة. وهذا ظل حاضرا في المشاهد الشعبية الكرنفالية السنوية لقوى 14 آذار، التي ظهرت جلية في ممارسات ومناكفات زعمائها المتنافسين على تحاصص الحكم ومناصب السلطة ومنافعها. وكان أول غيث تلك الممارسات، خروج الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من التحالف "الاستقلالي السيادي" وتموضعه في الوسط بينه وبين قوى 8 آذار المتحالفة مع النظام السوري.
تظاهرة مناهضة للوصاية السورية على لبنان، رفعت فيها صورة لرفيق الحريري والعلم اللبناني في وسط بيروت، 1 مارس 2005
- تغيّر السياسات الإقليمية والدولية (الفرنسية خصوصا) حيال بشار الأسد ونظامه. فبعد صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، داعيا إلى تحرير لبنان من جميع الجيوش الأجنبية، فعّل اغتيال الحريري ذاك القرار وجعله حازما لإنهاء نظام "الوصاية" السورية وخروج جيشها سريعا من الديار اللبنانية. لكن السياسات الدولية والإقليمية سرعان ما مالت إلى مهادنة نظام الأسد. بل أرغمت كلا من سعد الحريري ووليد جنبلاط على زيارة دمشق، في محاولة للتقليل من شروره، ولوقف الاغتيالات في لبنان.
سياسة التعطيل والمجازر والاستئصال
في المقابل كان تحالف 8 آذار بقيادة "حزب الله" يستشرس في استقوائه المسلح، وفي تعطيل الاستحقاقات السياسية الدستورية: عرقلة تشكيل الحكومة. تعطيل البرلمان. منع انتخاب رئيس للجمهورية. وصولا إلى سيطرته على القرار السياسي والأمني في مؤسسات الحكم المتصدعة، نسجا على منوال نظام "الوصاية" السوري.
لكن سياسات "حزب الله" وحليفه المسيحي القوي ميشال عون، تجاوزت سياسات "الوصاية" السورية التي غالبا ما كانت تملي إجراء الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها. فاتبع ذاك التحالف سياسة التعطيل القصوى قاعدة دائمة بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان. وهذا ما جعل "الوصاية" الإيرانية عليه أقسى بأشواط من السورية السابقة.
وقد استمر الشغور في منصب رئاسة الجمهورية 180 يوما، بعد انتهاء رئاسة إميل لحود في عام 2007. وكان بشار الأسد هو من اختار لحود رئيسا للجمهورية عام 1988، وأرغم رفيق الحريري على التجديد له في عام 2004، بعدما استدعاه إلى دمشق وقال له بحضور ضباطه الأمنيين: "رح كسر لبنان ع راسك وراس وليد جنبلاط".
تصعب تبرئة الجماعات اللبنانية من مسؤوليتها الأساسية عن استرسالها في إرساء السياسة والحكم والسلطة على العصبيات الأهلية والغلبة، وعلى دخولها في محاور إقليمية متنازعة ومتنافرة
أما التعطيل الأكبر والأشد وطأة على تداعي الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان، فتجلى في إصرار حلف 8 آذار على انتخاب قطبه المسيحي ميشال عون رئيسا للجمهورية خلفا للرئيس ميشال سليمان المنتهية ولايته عام 2014. واستمر ذلك الإصرار-التعطيل أكثر من سنتين. وهذا ما أرغم قطبي 14 آذار المتصدّعة (أي زعيم "القوات اللبنانية" سمير جعجع والزعيم السني سعد الحريري) على التسابق على إعلانهما انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية في عام 2016. وهكذا أحكم تحالف 8 آذار- الموالي للنظام الإيراني، والسوري الذي بدأ يتصدّع منذ عام 2011- سيطرته على الحكم والقرار السياسي والأمني في لبنان. وهذا فيما كانت قوات "حزب الله" العسكرية تجتاز الحدود اللبنانية منذ عام 2012، وتساعد نظام بشار الأسد في ارتكاب المجازر بحق الشعب السوري الثائر على نظامه الديكتاتوري.
وبلغ غلو القوة وصلفها لدى "حزب الله" حدوده القصوى ما بين 2012 و2024: أزال الحدود تماما بين لبنان وسوريا. اتخذ لبنان قاعدة عسكرية خلفية لقواته المقاتلة في سوريا التي اتبع فيها مع نظام الأسد سياسة المجازر وقصف السكان ببراميل متفجرة يرميها عليهم من طائرات مروحية. وذلك لتهجيرهم أو استئصالهم مذهبيا، ولتغيير تركيب سوريا الديموغرافي.
جنود سوريون يقفون في موقع في بعلبك، في سهل البقاع، في 31 مارس 2005، خلال عملية انسحاب القوات السورية من لبنان
ووحد حلف "المقاومة" أو "الممانعة" بقيادة إيران بين لبنان "حزب الله" وسوريا نظام بشار الأسد المتصدع. وتجلت هذه الوحدة بتعرّض شعبي البلدين لأزمة اقتصادية ماحقة: بلغت حد الجوع في سوريا، والإفلاس المالي والإدقاع الاقتصادي في لبنان، حيث دعا "حزب الله" إلى ما سمّاه "الجهاد الزراعي" و"التوجّه شرقا"، فيما كان يقمع انتفاضة 17 أكتوبر 2019 ضد منظومته الحاكمة في بيروت.
ألا تشير هذه المعطيات إلى أنه لا وجود للبنان في سياسات "حزب الله"، سوى باعتباره جغرافيا بشرية لدولة يسعى في تصديعها وتجويفها واستدخالها والسيطرة على مؤسساتها واستباحة حدودها، لإرساء سلطان إيران المذهبي في البلدان العربية، واتخاذ مقاومة إسرائيل ذريعة لذلك؟
غفلة ملاك أو أحمق
في نهاية هذا العرض، تصعب تبرئة الجماعات اللبنانية من مسؤوليتها الأساسية عن استرسالها في إرساء السياسة والحكم والسلطة على العصبيات الأهلية والغلبة، وعلى دخولها في محاور إقليمية متنازعة ومتنافرة، تحوّل لبنان "ساحة" لصراعاتها، وتجعل جماعاته مستتبعة في خدمة ولاتها الخارجيين، طمعا بالحظوة وتحصيل مكاسب تكيد بها الجماعات الأخرى وتغلبها.
وربما علينا أخيرا أن نستعير من الكاتب المتشائم إميل سيوران قوله: "ينبغي أن نكون غافلين غفلة ملاك أو أحمق عما يحدث، كي نظن أن الرحلة البشرية (أي رحلة الجماعات اللبنانية في هذا السياق) يمكن أن تنتهي على خير".