يواصل الروائي المغربي عبد الكريم جويطي ماراثون تخييله الروائي، بإصداره الجزء الثاني من الرباعية الملحمية الموعودة، تحت عنوان لافت "من يكمل وجه الجنرال؟"، عن "المركز الثقافي العربي" (2025)، وقد أطل جزؤها الأول تحت عنوان "ثورة الأيام الأربعة" في 2021، حينما أعلن الروائي الأكثر حفاوة مغربيا من بين أقرانه الكتاب الأحقاق، في أكثر من حوار، بأن عمله الروائي الجديد محض مشروع سردي ضخم سيستغرق محكيه الجسور أربعة أجزاء بالتمام والكمال على مقاس الأيام الأربعة التي استغرقتها الثورة الغريبة الأطوار.
تذكير بما سبق
حمل الجزء الأول من الملحمة عنوان "ثورة الأيام الأربعة"، وهو يقرأ على مهل بمتعة حافلة كأنما تواطؤا أو تماهيا مع السلحفاة/ الغيلم "سرمد"، إذ أن إيقاع الرواية نهري أو ماراثوني، وتحتاج قارئا يحترف سباق المسافات الطويلة، لكي يتحقق له بلوغ مناطق وعرة، ذات منعرجات حادة، تحرضه على اكتشاف المزيد من الكنوز المدسوسة في غابة الأربعة أيام، بعناية الحذاقة السردية وفن التدبير الحكائي القدير، يفصحان عن خبرة وعمق صاحبها، كيف لا، والأمر يتعلق بجبل/ طود يتعمم الغيوم، وواد يؤوي القرى الطاعنة في النسيان.
هنا الجبل سامق، يباغتك بنديف حكايات مريبة، غير معتادة، وهنا الوادي يموج بالهائل من صدى تقاطع المصائر الإنسانية، من أهله وغربائه على حد سواء.
كيف نكتب ما لم يقله التاريخ عن ثورة منسية في تخوم الأطلس المتوسط؟ كيف نعيد ترتيب ما حدث في حيز الأربعة أيام على نحو تخييلي؟ "بحسب التقويم الزمني الغريغوري هي محض أربعة أيام، ولكنها أبدية بحسب تقويم الزمن الروائي..."، ليس من منظور قادتها ومهندسيها وزعمائها الأماميين، ولكن من منظور من أقحم فيها مصادفة، وهو يرصدها كيفما اتفق، من الخلف.
في هذه المغامرة التخييلية غير المسبوقة في تاريخ السرد المغربي، تتفرد ثلاث خصيصات في الرواية، تضاعف قوتها وشعريتها وإبهارها:
- السخرية السوداء الممتدة على طول النص.
- بلاغة التوصيفات المسنونة والجارحة.
- الشذرات التي تفخخ المتن، وهي جديرة بأن تجمع كمنتخبات شذرية في ملحق أو كتيب مستقل، على نحو:
"لا تنظر إلى الوجه، أنظر إلى اليد فهي شريك ما يدور في الداخل"/"إن لم يكن لك سكين في قلبك، فلا فائدة منه تحت وسادتك"/"حروب نابليون بالنسبة إلى تاريخ الأرض والحياة فيها، بأهمية حروب بين قبيلتي نمل في غابات السافانا بالنسبة إلينا...".
أبدعت "ثورة الأيام الأربعة" في ابتكار شخصية السلحفاة سرمد، الغيلم الذي يتتبع القارئ حكايته، ويتقصى مآلاته، ولعل توصيف "السرمديون" سيغدو علامة مسجلة للرواية، ملازمة لهذا الصنف البشري، إذا ما أردنا أن نوجز القول في باب فصيلة أهل الذبل.
وغير ذلك، فما إن يشعر القارئ بملل أو ثقل حتى تفاجئه الرواية بنفس جديد، يتجدد معها، فيستعيد لياقته منهوبا بنزوع التشويق مع إشراق حكايات مثيرة، وبزوغ شخصيات فاتنة: تودا وسيدات الربوة وحكاية ديغول واليوناني والفرنسية و...
أما شرارة الرواية فتبدأ من هذا المنعطف: "من بإمكانه أن يصدق أنني في قلب ثورة مسلحة على الحكم بسبب أغنية عاطفية!".