يقدم تسجيل صوتي نُشر مؤخرا لاجتماع بين الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي رؤى قيّمة بشأن التحولات التي طرأت على تفكير عبد الناصر في تلك المرحلة.
يسلط التسجيل، الذي سُجّل في الثالث من أغسطس/آب عام 1970، الضوء أيضا على السياسات المصرية الراهنة تجاه ما يُعد تقليديا القضية المركزية في الشرق الأوسط: الصراع العربي-الإسرائيلي.
في ذلك الحين، كان القذافي، الذي لم يتجاوز الثامنة والعشرين من عمره، وافدا جديدا إلى الساحة السياسية الإقليمية، بعدما استولى على السلطة قبل عام واحد بإطاحته نظام الملك إدريس السنوسي المدعوم من الغرب في ليبيا. وقد جاءت حركته انعكاسا مباشرا لحركة "الضباط الأحرار" التي أنهت الحكم الملكي في مصر عام 1952 وأوصلت عبد الناصر إلى السلطة عام 1954.
آنذاك، بدا القذافي مفتونا بعبد الناصر إلى درجة اعتباره مثله الأعلى، مؤمنا بعمق بخطابه القومي العربي. وربما يفسر هذا سبب استحواذ ناصر على معظم الحديث خلال التسجيل، الذي امتد لسبع عشرة دقيقة. أما القذافي، فبدا عندما تحدث ساذجا إلى حد لافت، بما يناسب رئيس دولة عديم الخبرة. مثال ذلك عندما اقترح، في إحدى اللحظات، أن تحشد الدول العربية قوتها العسكرية لمواجهة إسرائيل وحلفائها– الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وغيرها– لاستعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عامي 1948 و1967، دفعة واحدة وإلى الأبد، قائلا بحماسة: "إما أن نزيل العدوان، أو أن العدوان سيزيلنا... فإذا أزالنا العدوان، فهذا يعني أننا غير لائقين بالبقاء".
عبد الناصر جديد
لكن الرجل الجالس أمام الزعيم الليبي الشاب كان يكبره بنحو ضعف عمره؛ رجلًا أنهكته الحروب وأثقل كاهله عبء الهزيمة في حرب عام 1967 أمام إسرائيل. فقد حطّمت حرب الأيام الستة بوضوح شعور عبد الناصر بالقوة العسكرية، وأجبرته على مواجهة حقائق الواقع الصعبة. وتجلّى هذا التحول في الطريقة التي تناول بها حل الصراع مع إسرائيل والسبل التي يمكن للعرب من خلالها استعادة الأراضي التي فقدوها في عامي 1948 و1967.