الشيخ الحديد [عفرين، سوريا]– أكد قائد لواء محافظة حماة العميد محمد الجاسم خلال مقابلة موسعة أجرتها "المجلة" معه في أبريل/نيسان، من قاعدته في شمال سوريا قرب الحدود التركية، أن رجاله لم يدخلوا بلدة جبلة الساحلية "على الإطلاق".
وقال العميد الجاسم، المعروف على نطاق واسع باسمه الحركي "أبو عمشة"، إنه كان في المستشفى في شمال سوريا عندما بدأت هجمات السادس من مارس/آذار، التي استهدفت أولا قوات الأمن ثم أدت إلى مقتل المئات. وبسبب خطورة حالته آنذاك، نُقل لاحقا إلى مستشفى في جنوب تركيا، بحسب روايته.
وعل الرغم من غيابه، أوضح الجاسم أنه أوفد مجموعة من رجاله الموثوقين إلى المنطقة الساحلية للمساعدة في فتح طريق وتقديم الدعم للقوات الأخرى على الأرض. وأضاف: "طلبوا منا ذلك [الحكومة] لأنهم يعلمون أن لدينا السلاح والرجال"، مشدّدا على أن قواته بقيت على مسافة عدة كيلومترات من جبلة نفسها.
ولم تكن جبلة، البلدة الساحلية السورية، سوى واحدة من عدة مناطق شهدت أعمال عنف دامية في أوائل مارس. بدأت أعمال العنف باستهداف عناصر من الشرطة، تبعته هجمات منسقة استهدفت قوات الأمن الناشئة في سوريا، نفذها موالون للنظام السابق وآخرون. تلا ذلك مجازر بحق المدنيين، ارتكبها في معظمهم مجهولون.
وفي 9 مارس، شكّلت الحكومة السورية الجديدة لجنة تحقيق من سبعة أعضاء كُلّفت بالنظر في أسباب الأحداث وسياقها وملابساتها، إلى جانب الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين وتحديد المسؤولين عنها. وفي 9 أبريل/نيسان، مُنحت اللجنة تمديدا غير قابل للتجديد مدته ثلاثة أشهر لاستكمال تقريرها.
ورغم غياب الأدلة المباشرة، سارع كثيرون إلى تحميل الجاسم ورجاله مسؤولية ما يُعتبر على نطاق واسع عمليات قتل طائفي، علما أن قواته كانت قد خضعت سابقا لعقوبات أميركية بتهمة ارتكاب انتهاكات بحق السكان المحليين في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية.
ولكن الجاسم والمقرّبين منه نفوا تلك الاتهامات، وأوضح قائلا: "زارني أبو عدي في المستشفى، خلال الأيام التي وقعت فيها المجزرة، وأوصيته بأن يضمن سلامة القرية [التي كانت قواته فيها]، وأن لا تقع أي تجاوزات من جانب رجالنا".
يُذكر أن أبو عدي من الضباط المنشقين عن النظام خلال السنوات الأولى للحرب، ويعمل الآن تحت إمرة الجاسم، الذي أضاف: "المختار وأهالي القرية طلبوا منا البقاء، لكن الحكومة في دمشق لم تُسند إليّ المسؤولية، لذلك انسحبنا". وأردف بنبرة ساخطة: "ليس لدينا وقت للرد على هذا الهراء. تُطلق علينا ادعاءات كاذبة كل يوم. أولئك الذين يختلقون هذه الأكاذيب لا عمل لديهم. أما نحن فلدينا ما يشغلنا".
التضليل
لم تكن سوريا، على مدار أكثر من عقد، ساحة للدمار الهائل وسفك الدماء فحسب، بل كانت أيضا ميدانا لحرب شرسة من التضليل الإعلامي، خاضتها أطراف حكومية وغير حكومية على حد سواء. وفي ظل الغياب شبه التام للصحافة المهنية خلال القسم الأكبر من سنوات النزاع والاستهداف المنهجي للعاملين في الحقل الإعلامي، أصبحت الحقيقة أولى ضحايا الحرب. وقد زاد المشهد التباسا رؤية النظام السابق للصحافة باعتبارها أداة دعائية في خدمة الدولة، لا مهنة مستقلة تضع الحقيقة نصب عينيها.
تُعد المنطقة ذات الغالبية الكردية الخاضعة لسيطرة الجاسم بؤرة توتر رئيسة في النزاع القائم حول وجود حزب "العمال الكردستاني"(PKK) والفصائل المسلحة المرتبطة به، علما أن تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تصنّف الحزب منظمة إرهابية.
وتحدث سكان من عفرين إلى "المجلة" شريطة عدم الكشف عن هوياتهم بشكل قاطع، بصيغ مبهمة عن انتهاكات يُزعم أن قوات أبو عمشة ارتكبتها بحق الأهالي. وتفاوتت أقوالهم بشأن إتاوات قيل إنها فُرضت كـ"ضرائب" أو جُمعت بأساليب ابتزاز، دون تقديم معلومات دقيقة أو وقائع قابلة للتحقق.