"المجلة" تحاور العميد محمد الجاسم... أحداث الساحل والعلاقة مع الأكراد وحلم سوريا الجديدة

"المجلة" تحاور قائد لواء حماة العسكري المعروف بـ"أبو عمشة"

شيلي كيتلسون
شيلي كيتلسون
العميد محمد الجاسم وعدد من الضباط في شيخ الحديد بمنطقة عفرين شمال سوريا. 13 أبريل

"المجلة" تحاور العميد محمد الجاسم... أحداث الساحل والعلاقة مع الأكراد وحلم سوريا الجديدة

الشيخ الحديد [عفرين، سوريا]– أكد قائد لواء محافظة حماة العميد محمد الجاسم خلال مقابلة موسعة أجرتها "المجلة" معه في أبريل/نيسان، من قاعدته في شمال سوريا قرب الحدود التركية، أن رجاله لم يدخلوا بلدة جبلة الساحلية "على الإطلاق".

وقال العميد الجاسم، المعروف على نطاق واسع باسمه الحركي "أبو عمشة"، إنه كان في المستشفى في شمال سوريا عندما بدأت هجمات السادس من مارس/آذار، التي استهدفت أولا قوات الأمن ثم أدت إلى مقتل المئات. وبسبب خطورة حالته آنذاك، نُقل لاحقا إلى مستشفى في جنوب تركيا، بحسب روايته.

وعل الرغم من غيابه، أوضح الجاسم أنه أوفد مجموعة من رجاله الموثوقين إلى المنطقة الساحلية للمساعدة في فتح طريق وتقديم الدعم للقوات الأخرى على الأرض. وأضاف: "طلبوا منا ذلك [الحكومة] لأنهم يعلمون أن لدينا السلاح والرجال"، مشدّدا على أن قواته بقيت على مسافة عدة كيلومترات من جبلة نفسها.

ولم تكن جبلة، البلدة الساحلية السورية، سوى واحدة من عدة مناطق شهدت أعمال عنف دامية في أوائل مارس. بدأت أعمال العنف باستهداف عناصر من الشرطة، تبعته هجمات منسقة استهدفت قوات الأمن الناشئة في سوريا، نفذها موالون للنظام السابق وآخرون. تلا ذلك مجازر بحق المدنيين، ارتكبها في معظمهم مجهولون.

وفي 9 مارس، شكّلت الحكومة السورية الجديدة لجنة تحقيق من سبعة أعضاء كُلّفت بالنظر في أسباب الأحداث وسياقها وملابساتها، إلى جانب الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين وتحديد المسؤولين عنها. وفي 9 أبريل/نيسان، مُنحت اللجنة تمديدا غير قابل للتجديد مدته ثلاثة أشهر لاستكمال تقريرها.

ورغم غياب الأدلة المباشرة، سارع كثيرون إلى تحميل الجاسم ورجاله مسؤولية ما يُعتبر على نطاق واسع عمليات قتل طائفي، علما أن قواته كانت قد خضعت سابقا لعقوبات أميركية بتهمة ارتكاب انتهاكات بحق السكان المحليين في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية.

ولكن الجاسم والمقرّبين منه نفوا تلك الاتهامات، وأوضح قائلا: "زارني أبو عدي في المستشفى، خلال الأيام التي وقعت فيها المجزرة، وأوصيته بأن يضمن سلامة القرية [التي كانت قواته فيها]، وأن لا تقع أي تجاوزات من جانب رجالنا".

يُذكر أن أبو عدي من الضباط المنشقين عن النظام خلال السنوات الأولى للحرب، ويعمل الآن تحت إمرة الجاسم، الذي أضاف: "المختار وأهالي القرية طلبوا منا البقاء، لكن الحكومة في دمشق لم تُسند إليّ المسؤولية، لذلك انسحبنا". وأردف بنبرة ساخطة: "ليس لدينا وقت للرد على هذا الهراء. تُطلق علينا ادعاءات كاذبة كل يوم. أولئك الذين يختلقون هذه الأكاذيب لا عمل لديهم. أما نحن فلدينا ما يشغلنا".

التضليل

لم تكن سوريا، على مدار أكثر من عقد، ساحة للدمار الهائل وسفك الدماء فحسب، بل كانت أيضا ميدانا لحرب شرسة من التضليل الإعلامي، خاضتها أطراف حكومية وغير حكومية على حد سواء. وفي ظل الغياب شبه التام للصحافة المهنية خلال القسم الأكبر من سنوات النزاع والاستهداف المنهجي للعاملين في الحقل الإعلامي، أصبحت الحقيقة أولى ضحايا الحرب. وقد زاد المشهد التباسا رؤية النظام السابق للصحافة باعتبارها أداة دعائية في خدمة الدولة، لا مهنة مستقلة تضع الحقيقة نصب عينيها.

تُعد المنطقة ذات الغالبية الكردية الخاضعة لسيطرة الجاسم بؤرة توتر رئيسة في النزاع القائم حول وجود حزب "العمال الكردستاني"(PKK) والفصائل المسلحة المرتبطة به، علما أن تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تصنّف الحزب منظمة إرهابية.

وتحدث سكان من عفرين إلى "المجلة" شريطة عدم الكشف عن هوياتهم بشكل قاطع، بصيغ مبهمة عن انتهاكات يُزعم أن قوات أبو عمشة ارتكبتها بحق الأهالي. وتفاوتت أقوالهم بشأن إتاوات قيل إنها فُرضت كـ"ضرائب" أو جُمعت بأساليب ابتزاز، دون تقديم معلومات دقيقة أو وقائع قابلة للتحقق.

المختار وأهالي القرية طلبوا منا البقاء، لكن الحكومة في دمشق لم تُسند إليّ المسؤولية، لذلك انسحبنا

وفي حين يصرّ البعض على أن "الجميع يعلم" أن الجاسم ورجاله ارتكبوا انتهاكات ممنهجة دون مساءلة، ولا سيما بحق المدنيين من أصول كردية، يرى آخرون أنه مستهدف بسبب كونه أحد القلائل من قادة الجيش السوري الحر الذين نجوا من التصفية أو الإقصاء وظلوا يحتفظون بمواقع نفوذ على مدى عقد مضى.

وفي أغسطس/آب 2023، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية عقوبات على الرجل، بتهمة إصدار أوامر إلى عناصر "لواء السلطان سليمان شاه" الذي يأتمر بأمره بتهجير سكان كرد قسرا، والاستيلاء على ممتلكاتهم، واحتجاز بعضهم مقابل فدية مالية.

ولم تتمكن "المجلة" من التحقق بشكل مستقل من صحة الادعاءات التي أدلى بها الجاسم، أو تلك التي وُجّهت ضده.

وزارة الدفاع والماضي الثوري

في مطلع شهر فبراير/شباط، عيّنت الحكومة الجديدة المتمركزة في دمشق العميد الجاسم قائدًا للواء محافظة حماة، التي ينحدر منها، ولا يزال معظم أفراد أسرته يقيمون فيها، علما أن نواة الحكومة الجديدة تتكوّن من أفراد كانوا، في مراحل سابقة، ينتمون إلى تشكيلات مسلحة خاضت معارك ضد العميد أو ضد الفصائل المتحالفة معه.

شيلي كيتلسون
النفوذ التركي حاضر في قاعدة العميد محمد الجاسم في شيخ الحديد بمنطقة عفرين شمال سوريا. 13 أبريل

وقد أقرّ الجاسم بأن لواءه لم يُفعّل بعد، مصرحا: "اللواء غير جاهز في الوقت الراهن، ولا يمكنني الجزم بموعد جاهزيته"، ولكنه أشار إلى أن العمل جارٍ على تجهيز العتاد العسكري واللوجستيات المطلوبة. وقال: "لقد ورثنا من النظام السابق مؤسسة عسكرية خاوية من الداخل. لم يبنِ أو يطوّر أي شيء ذي قيمة حقيقية، بل انشغل المسؤولون فيه بنهب موارد الدولة لمصالحهم الشخصية. ولم يكتفوا بذلك، بل لجأوا إلى تزوير التقارير لإيهام الآخرين بأن الجيش قوي ومجهّز. كانوا يضخّمون أعداد الجنود والمركبات والأسلحة على الورق، في حين أن الكثير من العتاد كان قد بيع أو سُرق أو تُرك بلا صيانة. هذا الفساد العميق والتضليل الممنهج أضعف الجيش بشكل بالغ، وجعله هشّا".

اللواء غير جاهز في الوقت الراهن، ولا يمكنني الجزم بموعد جاهزيته

كان الجاسم قد انتمى في السابق إلى عدد من فصائل الجيش السوري الحر، ومنها جبهة ثوار سوريا بقيادة جمال معروف، والتي خاضت مواجهات دامية مع جبهة النصرة، امتد بعضها لأشهر في عام 2014.ويقول في معرض استذكاره لبداية انخراطه في الحراك الثوري: "عندما شاركت في الثورة، لم يكن ذلك بدافع شخصي. فعلت ذلك لأن الأطفال كانوا يتعرضون للقمع"،وأردف أنه اعتُقل على يد النظام في يونيو/حزيران 2012، وظلّ في السجن لمدة ثمانية أشهر.وقد تنقّل– كما يروي– بين عدة معتقلات، قبل أن يُحتجز في سجن مطار حماة، حيث "بدأ الضرب الوحشي. عندها دفعت عائلتي المال لإطلاق سراحي".

وأضاف: "بعد خروجي، بدأنا بالاستيلاء على أسلحة من قوات النظام، وشرعنا بالتعاون مع مختلف فصائل المعارضة".

وقال عن تلك المرحلة: "كانت فترة عظيمة. كنت أقود لواء تابعًا للجبهة الثورية السورية. قاتلنا تنظيم الدولة (داعش) وطردناه من إدلب. لكن لاحقا نشبت خلافات مع (جبهة النصرة). بعض مقاتلي الجبهة فرّوا إلى تركيا، أما رجالي وأنا، فانسحبنا إلى هذه المنطقة في الشمال السوري".

وأشار إلى أنه أُصيب مرتين خلال المواجهات مع تنظيم "داعش"، قبل أن يختم بالقول: "لم نكن نسعى لقتال (جبهة النصرة)، هم من بدأوا العدوان. هاجموا جنودنا. لم تكن بيننا وبينهم أية مشكلة إلى أن طعنونا في الظهر".

وبعد مرور عقد من الزمن، ها هم كثيرون ممن وقفوا ذات يوم على طرفي النقيض، يعملون اليوم ضمن صفوف القوات الرسمية الموحدة. فمهما كانت الانقسامات والدماء التي فرّقتهم، فإن عدوهم المشترك قد أصبح من الماضي.

بساتين الزيتون

تتوزع التلال المتماوجة وبساتين الزيتون الممتدة حول مقر قيادة العميد الجاسم، الذي تشكّل ممراته النظيفة اللامعة، ومكاتبه المرتبة والمصقولة، وأثاثه المذهب، وزخارفه التي تحتفي بالتعاون التركي–السوري، مشهدا داخليا متأنقا يتناقض بحدة مع وعورة الجغرافيا المحيطة بها.

يقول الجاسم: "لدينا 15 ألف جندي"، موضحا أن تركيا لا تزال تتكفل برواتب بعضهم، لكنها لا تغطي الجميع.ونفي بشكل قاطع الاتهامات التي تصف قواته بأنهم مجرد مرتزقة أتراك"، معتبرا أن مطلقي هذه الأوصاف إما يفتقرون إلى فهم الواقع، أو يروجون لدعاية تخدم مصالح حزب "العمال الكردستاني" أو النظام السابق.

ويشرح أن الراتب الشهري للجندي يبلغ "نحو 95 دولارا، ولكننا نضطرّ إلى إضافة 100 أو 150 دولارا، إذ لا يمكن للجندي أن يعمل بأقل من 300 دولار شهريا".

أما مصادر التمويل فتأتي– وفق الجاسم– من "مشاريع إنتاجية" إلى جانب "أصدقاء في أوروبا والخليج وسائر أنحاء العالم يقدمون لنا الدعم"، ولكنه يمتنع عن الإفصاح عن هوياتهم.وعلّل ذلك بقوله: "لا أستطيع ذكر أسمائهم حتى لا تُلحق بهم أية أضرار".

ويتابع: "تعاونّا في السابق مع الجيش التركي لأننا كنّا نعمل في نفس المنطقة، لكن أنقرة لم تقدّم لنا دعما يُذكر، بينما حصلنا على دعم كبير من أصدقائنا الذين يكنّون لنا المودّة".

ويردّ باستخفاف على السؤال المتعلق بفرض "ضرائب" على المدنيين، مؤكدًا: "نحن لا نأخذ أموالا من الناس، بل نساعدهم"، وإن أقرّ بأنه "في بعض المناطق، حصلنا على مبالغ من حزب العمال الكردستاني".

وحول ذلك أوضح: "إذا كانت الأرض مملوكة لحزب (العمال)، فإننا نستعين بأكراد من أبناء المنطقة لزراعتها، عبر المختار الذي يتولى اختيارهم– فهم خبراء في زراعة الزيتون، ونحن لا نمتلك هذه الخبرة". ويؤكد أن الأرباح تُوزع لاحقا بالشراكة.

أما في حال "كانت ملكية الأرض تعود لأفراد، فإننا بطبيعة الحال لا نتدخل. وإذا عاد صاحب الأرض، فليس لدينا أي مانع في إعادتها إليه. وإذا زعم أحد أن أرضه لم تُرد إليه، فيمكننا تزويدكم بتسجيلات مصوّرة تُكذّب روايته. بوسعكم التحدث إلى المختار مباشرة. وإن رافقتمونا، قد يقول البعض إنه خائف، لذلك الأفضل أن تذهبوا بمفردكم. ليس لدينا ما نخفيه، تحدثوا إلى من شئتم".

إذا كانت الأرض مملوكة لحزب (العمال)، فإننا نستعين بأكراد من أبناء المنطقة لزراعتها، عبر المختار الذي يتولى اختيارهم– فهم خبراء في زراعة الزيتون

وبدا الغضب واضحا على وجه الجاسم وهو يقول إنه تعرّض لكثير من الظلم في أمور تافهة لا تستحق". وتساءل بلهجة ممتعضة: "يأتون إلينا ويشتكون من الزيتون. هل تظنون أن بيع الطعام هو ما موّل هذه القاعدة؟ هل يُعقل أن تكون هذه الرقعة الصغيرة من عفرين مصدرا لهذه الموارد؟ هذا ضربٌ من العبث".

ثم يتابع: "نحن لا نتدخل في تقاليد الناس أو أعرافهم. نتعامل مع وجهاء المنطقة فقط، ولا نحتك بالمدنيين".

وخلال المقابلة، استدعى الجاسم أحد قادته، وهو ضابط كردي تعود أصول أسرته إلى القامشلي، لكنه نشأ في حماة ويتقن اللغة الكردية، ثم أضاف: "نقيم أيضا دورات في حقوق الإنسان مخصصة لعناصرنا، ويشرف على هذه الدورات مدير مسيحي. كما يضم مكتبي الأمني عناصر من الطائفتين الدرزية والمسيحية"، وفوق ذلك، "نحن نزور المجتمع الإيزيدي من حين لآخر، رغم أن منطقتهم لا تخضع لسيطرتنا". وأوضح قائلا: "إننا نتمتع بعلاقات طيبة مع الإيزيديين، وشاركنا في عدد من مناسباتهم"، ثم طلب من أحد مرافقيه إحضار تسجيلات لنساء يعملن ضمن فرقهم في حملات مكافحة المخدرات وغيرها من المهام الميدانية.

أصول "متواضعة" أم نجل رجل ثري؟

كثيرا ما يصفه منتقدوه بأنه ينحدر من "أصول متواضعة"، إلا أن الجاسم قدم رواية مختلفة عن خلفيته خلال مقابلته مع مجلة "المجلة"، قائلا إن والده "كان من أكبر المقاولين في سوريا". ثم أردف: "ليس عليكم أن تصدقوني، اسألوا الناس من منطقتي. اسألوا عن منزلي، عن المكان الذي أعيش فيه". وذكر: "كان لدينا الكثير من المشاريع في جميع أنحاء سوريا قبل الانتفاضة".

وتساءل: "هل تعلمون لماذا تمكنا من الاستجابة بسرعة كبيرة بعد زلزال 6 فبراير 2023؟ لأن هذا هو مجال عملنا– تلك كانت آلات الحفر الخاصة بنا".

شيلي كيتلسون
جندي في قاعدة العميد محمد الجاسم في شيخ الحديد بمنطقة عفرين شمال سوريا. 13 أبريل

وعن عائلاته، قال إن لديه أربع بنات، "قُتلت إحداهن في الزلزال". وخلال التحضير للمقابلة، أجرى مكالمة فيديو مع إحدى بناته وطفل صغير، وكانا يتكلمان من حماة.

ورداً على اتهام بالاغتصاب يعود إلى عام 2019، أصر الجاسم على أن الادعاء ملفق، زاعما أنه كان خارج البلاد في ذلك الوقت، واتهم رجلا يدعى فادي جبرائيل، بأنه دبر له المكيدة وأنه "عرض على المرأة [التي اتهمته] وزوجها 4000 دولار" لتقديم ما وصفه بادعاءات كاذبة.

وفيما يتعلق بتقارير تفيد بأن الجاسم نشر مقاتلين سوريين في الخارج، أقرّ مقرب منه بأنه فعل ذلك، ولكن العدد كان "بضع مئات" فقط متمركزين في "توغو ودولة أفريقية أخرى"، مؤكدا أنهم خدموا كحراس فقط ولم يشاركوا في القتال. ولكنه أضاف أن قائدا آخر في الجيش الوطني السوري نشر عددا أكبر من المقاتلين في الخارج. وعندما سألت "المجلة" العميد الجاسم مباشرة عن الأمر، امتنع عن الخوض في التفاصيل. وقال: "سأحتفظ بهذا الأمر لنفسي"، رافضا التعليق أكثر.

عندما كان الفرار خيارا

وعن الروايات التي تنتشر حول الجاسم، قال أحد مرؤوسيه في محادثة جرت في أبريل: "لا أعرف ما إذا كانت جميع الاتهامات صحيحة أم لا، ولكن الطريقة التي تُعرض بها الأمور ليست دقيقة، فهو– على الأقل– بقي وفعل شيئا. لقد عمل بجد هنا في سوريا عندما ذهب الكثيرون إلى تركيا أو أوروبا يكتفون بالتشكي والعيش على حساب الآخرين".

يشير الكثير من السوريين إلى أنه لولا وجود الجاسم وغيره ممن بقوا على الأرض وخاطروا بحياتهم لسنوات في ظروف قاسية، لربما ظل نظام الأسد راسخا في السلطة، ولما أتيحت الفرصة للناس لكي يعودوا الآن. ويجادل البعض بأن "العمل القذر" كان لا بد أن يقع على عاتق شخص ما، وأنه "لا يخرج أحد من الحرب بأيد نظيفة".

وعلى النقيض من ذلك، يرى آخرون أن حلم سوريا الجديدة لا يمكن تحقيقه إذا ظل الأفراد المتهمون بمثل هذه الانتهاكات دون مساءلة.

وأشار الجاسم: "نحن أيضًا من الساحل"، في إشارة إلى سهول الغاب في حماة، التي تمتد نحو المنطقة المعروفة على نطاق أوسع باسم الساحل، والتي تشمل محافظتي طرطوس واللاذقية. "نحن نعرف تلك المناطق، والناس هناك يعرفوننا".

واستذكر الجاسم اعتقاله المبكر عقب انتفاضة عام 2011، قائلاً إن والده كانت لديه علاقات طويلة الأمد مع شيوخ القبائل العلوية البارزين في الجبال الساحلية، وقد ساعد ذلك في نهاية المطاف على تأمين إطلاق سراحه. وذكر عدة أسماء: "الشيخ حيدر عبود، والشيخ علي عباس– الذي توفي منذ بعض الوقت– وشعبان منصور".

وأضاف: "عندما أُطلق سراحي، رأى الناس في منطقتي الندوب على جسدي. لم أكن بحاجة حتى إلى قول أي شيء. ومع ذلك، سأل البعض: 'هل الدولة حقًا هكذا؟' وقلت نعم. ها أنتم ترون ذلك بأعينكم الآن".

واختتم الجاسم حديثه بدعوة: "أتمنى لو يأتي المزيد من الصحافيين الأجانب إلى هنا ليستمعوا إلينا وإلى الآخرين، ليكتشفوا ما هي الحقيقة حقا. يمكنهم التحدث إلى أي شخص دون خوف. هذه منطقة آمنة. يمكنكم الذهاب إلى أي مكان. كل شيء تحت السيطرة وتتم مراقبته بواسطة كاميرات المراقبة".

font change