محمد الدايري لـ"المجلة": الفساد والانقسام اغتالا بناء الدولة الليبية

نقاط مشتركة بين النظام السابق والوضع القائم منذ 2011 أبرزها تفشي الفساد

أ.ف.ب
أ.ف.ب
وزير الخارجية الليبي الأسبق محمد الدايري

محمد الدايري لـ"المجلة": الفساد والانقسام اغتالا بناء الدولة الليبية

دبي - خمسة عشر عاما منذ أسقط الليبيون نظام القذافي، بحثاً عن التغيير. لكن الدولة التي حلموا بها تبددت في زحام الانقسامات، والصراعات، والتطرّف، والفساد، والتدخل الخارجي.

دولة مشلولة سياسيا، هشّة أمنيا، منهارة اقتصاديا، تفتقد القرار السياسي والمشروع الوطني، وتعيش على وقع سلطتين، وبرلمانين، وحكومتين.

في لقاء خاص مع "المجلة" يروي وزير الخارجية الليبي الأسبق محمد الدايري شهادته على التحولات الكبرى التي عصفت بالبلاد، ويصف الواقع الليبي بأنه لا يزال يرزح تحت زلازل متتالية من الفساد المستشري ودوائر النفوذ المتعددة.

يتحدث الدايري عن مكاسب التغيير، لكنه يسلّط الضوء أيضا على الفجوة الكبيرة بين الأمل والواقع، واستمرار أنماط السيطرة القديمة بصيغ جديدة.

وبرأيه، ورغم "المكاسب السياسية" التي حققها الليبيون بعد سقوط القذافي، كظهور الأحزاب والحياة العامة المفتوحة التي غابت منذ الاستقلال عام 1951، فإن تبدّل الوجوه لم يمنع استمرار مظاهر الفساد المالي والمعادلة الصفرية.

في هذا الحوار، يتطرق الدايري إلى كواليس وزارة الخارجية الليبية في واحدة من أكثر المراحل حساسية: التعيينات الميليشياوية، والضغوط السياسية، والتدخلات، والعجز عن فرض السيادة على المشهد الدبلوماسي.

كما يتناول ملف المهاجرين غير النظاميين والتوطين، ويحذّر من مخاطره وانعكاساته على الأمن القومي، والنسيج الاجتماعي والاقتصادي، في ظل مخاوف من استقرار جماعات إجرامية عابرة للحدود داخل البلاد.

ويعرض الدايري رؤيته للخروج من النفق، عبر عقد اجتماعي جديد قبل أية انتخابات نيابية رئاسية، يليه دستور دائم، يُعيد بناء ليبيا الجديدة على أسس سليمة.

وهنا نص الحوار الكامل الذي أُجري على مرحلتين، ضمن برنامج "حديث المجلة" في لقاء مصور عبر "زووم":

* تعيش ليبيا دورات متواصلة من العنف والإرهاب والشلل السياسي. كيف وصلت البلاد إلى هذا المستوى من التعقيد؟ ولماذا فشلت كل محاولات بناء سلطة مركزية بعد نحو عقد ونصف من سقوط نظام القذافي في عام 2011؟

- المشهد الليبي معقد بالفعل، وهناك غياب لمشروع سياسي. توجد أسباب عديدة للفشل في ليبيا، لكن السبب الأول والأساسي، الذي برز في السنوات الأولى بعد عام 2011، هو لجوء بعض الأطراف إلى المعادلة الصفرية.

على المدى القصير، يجب أن يكون هناك تركيز على وضع حد للانقسام المؤسسي والعسكري. بمعنى إنهاء وجود حكومتين، وما يصاحبه من انقسام أمني وعسكري في البلاد

وكما حدث في تونس ومصر وبعض الدول الأخرى، فإن الإسلام السياسي هو الذي جاء إلى المشهد ورُجّح عبر صندوق الاقتراع. لكن في ليبيا، كانت الغلبة في انتخابات 12 يوليو/تموز 2012 للتيار المدني الديمقراطي، الذي كان يقوده الراحل الدكتور محمود جبريل، تيار "تحالف القوى الوطنية"، وهو الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد في أول انتخابات ليبية، حيث نال 39 مقعدا ، بينما حصل حزب "العدالة والبناء"، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، على 17 مقعدا فقط.

فلجأ، للأسف، قادة وجموع من الإسلام السياسي إلى استخدام القوة لتنفيذ غاياتهم السياسية، ومن ثم كان هناك صراع مسلح، خاصة بين عامي 2011 و2014 وتلته صراعات متعددة حالت دون قيام سلطة مركزية.

قبل عام 2011، كنا كليبيين نتمتع بالاستقرار، واستتباب الأمن العام. لكننا، في المقابل، كسبنا بعد 2011 وجود أحزاب سياسية كانت ليبيا تفتقدها منذ استقلالها في عام 1951. ويمكن القول إن هناك نقاطا مشتركة بين النظام السابق وما نحن عليه منذ 2011، أبرزها تفشي الفساد المالي، الذي كان موجودا تحت ظل النظام الجماهيري السابق، لكنه اليوم استشرى واستفحل أكثر من ذي قبل.

كما أن المعادلة الصفرية- التي كانت متمثلة في الحزب الواحد، حزب "اللجان الثورية"، والخطاب الواحد، خطاب "قائد الجماهيرية" الليبية- لا تزال مستمرة، على الأقل على مستوى المحاولات. وأعتقد أن هذه المعادلة ما زالت سائدة. ونتمنى أن نمضي إلى التوافق من خلال الخطوات التي يمكن أن نتوصل إليها في عقد اجتماعي، يشمل انتخابات نيابية ورئاسية، وفي إطار دستور دائم. عندها يمكننا أن نضع حدا لهذا الصراع القائم.

أ.ف.ب
مقاتلو المجلس الوطني الانتقالي الليبي يحتفلون في مدينة سرت الساحلية في 20 أكتوبر 2011، بعد سقوط آخر معقل لقوات معمر القذافي.

* تحدثت عن ضرورة بناء العملية السياسية على أسس جديدة بالكامل. ما هي برأيك الأسس التي يجب أن تقوم عليها ليبيا الجديدة للخروج من هذا الانقسام السياسي والمؤسسي؟

- نحن اليوم نفتقد وجود دولة حقيقية تتمتع بسلطتها على كافة أنحاء الوطن، كما نفتقر إلى رؤية موحدة، واستراتيجية واضحة تُحدد ما نريده من ليبيا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

على المدى القصير، يجب أن يكون هناك تركيز على وضع حد للانقسام المؤسسي والعسكري. بمعنى إنهاء وجود حكومتين، إحداهما في طرابلس والأخرى في الشرق، وما يصاحبه من انقسام أمني وعسكري في البلاد.

نحن في ليبيا نشعر بقلق كبير إزاء هذا التدفق الذي يجعل من ليبيا فعلا ساحة لاستقرار جماعات عديدة، بعضها إجرامي يُهدد الأمن القومي الليبي، ويهدد أيضا المهاجرين الآخرين

كذلك ينبغي وضع حد للمركزية الفاحشة، التي هي أحد أسباب الصراع الحالي. لذلك، أنا أنادي في هذا الإطار الزمني القصير بتفعيل القانون 59 لعام 2012 المتعلق بالحكم المحلي، بحيث لا تحتفظ الحكومة المركزية في العاصمة بكل الوسائل المالية والسياسية والاجتماعية التي توجد لديها، بل تعطي للبلديات صلاحياتها في ممارسة الحكم المحلي.

أما على المدى المتوسط، فينبغي الشروع في مصالحة سياسية جادة. فما تم، وما سُمِّي بالمصالحة الوطنية في فبراير/شباط الماضي في أديس أبابا، كما نعلم، لم يحظَ بقبول كافة الأطراف. حيث إن المصالحة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا اجتمعت الأطراف السياسية حول مائدة واحدة للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة.كما أنه من الأهمية بمكان أن يتم التوصل إلى عقد اجتماعي قبل أية انتخابات نيابية ورئاسية ويسبقها دستور يعيد بناء ليبيا الجديدة على أسس سليمة.

أما على المدى البعيد، فيقع لزاما علينا في ليبيا صياغة مشروع نهضوي يؤكد على إعادة بناء دولة القانون والمؤسسات، وتنويع مصادر الدخل القومي بدلاً من الاعتماد على النفط كمصدر أساسي ووحيد بما يسهم في بناء ليبيا جديدة يطمح لها الليبيون.

* "ليبيا الجديدة" التي تطمحون إليهاتواجه تحديات جسيمة، من أبرزها تدفق عشرات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين، في ظل تنافس بين سلطتي الشرق والغرب على ملاحقتهم، وما يُشاع عن ضغوط أوروبية لتوطينهم داخل الأراضي الليبية. كيف ترون هذا الملف وتأثيره على أمن البلاد؟

- تدفق المهاجرين كان موجودا حتى في عهد النظام الجماهيري السابق، من كل من النيجر والسودان. لكنه اليوم في ازدياد مستمر، خاصة بعد إقرار النظام العسكري الجديد في النيجر، الذي جاء إلى سدة الحكم في يوليو/تموز 2023، وكان قد ألغى قرارا يجرم الهجرة غير الشرعية.

نحن في ليبيا نشعر بقلق كبير إزاء هذا التدفق الذي يجعل من ليبيا فعلا ساحة لاستقرار جماعات عديدة، بعضها إجرامي يُهدد الأمن القومي الليبي، ويهدد أيضا المهاجرين الآخرين. ونسعى إلى وضع حد لهذه الظاهرة من خلال بلورة استراتيجية واضحة، والانخراط في عمل وطني جاد لمراقبة الحدود الليبية، سواء من جهة تشاد أو النيجر أو السودان، من أجل الحد من هذه الظاهرة أو القضاء عليها لأنها تمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي.

* شهدنا جولات متعددة من المحادثات السياسية، من الصخيرات إلى جنيف وبرلين، مرورا بروما وغيرها. لماذا فشلت هذه المحادثات، برأيكم؟ وهل ساهمت في تعميق الأزمة الليبية بدلا من حلها؟

- هذه المحادثات كانت برعاية أممية، ولم تكن محادثات ليبية–ليبية، سواء التي أجريت في جنيف، أو في الصخيرات، أو في أي مدينة أو عاصمة عربية أخرى. لقد جرت تحت الإطار الدولي، والإطار الدولي الذي قاد العملية السياسية بعد 2011 لم يكن حريصا على الوصول إلى مقررات وتفاهمات ليبية جديدة.

الروس، حتى في أيام العقيد معمر القذافي، كانوا يسعون إلى إنشاء قاعدة عسكرية، وحتى هذه اللحظة، أعتقد أن لديهم رغبة في ذلك. لكنّ هناك رفضا واضحا

كان هناك اتفاق سياسي تم توقيعه في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015 في الصخيرات، ثم لاحقا في جنيف في فبراير 2020.

كل هذه الاجتماعات قادت إلى تقاسم السلطة، ولم تسعَ هذه المسارات، ولا الليبيون المشاركون فيها، إلى تثبيت سلطة الدولة، أو إلى إعادة بناء الدولة التي كانت منهارة.

* لعبت أطراف دولية وأوروبية أدوارا بارزة في الملف الليبي، وتوالى المبعوثون الأمميون دون نتائج حاسمة. من كان اللاعب الأساسي في تلك المرحلة؟ ولماذا فشلوا في التوصل إلى توافق بين الفرقاء الليبيين؟ وما الذي يُنتظر من المبعوثة الأممية الجديدة، هانا تيتيه، التي قالت إن جميع المؤسسات الليبية تجاوزت ولايتها الشرعية؟

- الدور الأممي انحصر في بداياته بين أطراف الدول الأوروبية. وكما نعلم، المبعوث الأممي الدكتور غسان سلامة كان يتحرك بين المطرقة والسندان.

في عامي 2017 و2018، مع توليه مهامه، كانت هناك رغبة قوية من كل من فرنسا وإيطاليا لقيادة العملية السياسية.

فدعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى اجتماع في 29 مايو/أيار 2018 في قصر الإليزيه، وسارعت إيطاليا إلى عقد مؤتمر موازٍ في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2018. وكان الإيطاليون يقولون حينها: "الريادة في ليبيا ليست لفرنسا، بل لنا".

ثم جاءت قمة برلين في 2018، بدعم حكيم من أطراف ليبية عديدة، تلت مؤتمر باريس لمجموعة الدول السبع، وأعلنت أنها تريد قيادة مسار دولي جديد.

مبادرة المستشارة الألمانية السابقة، أنغيلا ميركل، ومسار برلين، أثمرا نتائج إيجابية. وفي عام 2019، عُقد مؤتمر برلين، وأُطلق فيه مسار اقتصادي، ومسار أمني، وتم التوصل إلى وقف إطلاق النار الذي وقّع لاحقا في جنيف، يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، برعاية السيدة ستيفاني ويليامز، المبعوثة الأممية. وكان ذلك مسارا جديا وفعالا.

السيدة ميركل ذهبت إلى موسكو قبل قمة برلين في يناير/كانون الثاني 2020 بأسبوع كامل، وطلبت من الرئيس فلاديمير بوتين شخصيا الحضور، وكان ذلك أعلى تمثيل روسي في هذا  المسار، إلى جانب رؤساء دول عربية حضروا هذا الاجتماع.

أ.ف.ب
القائد العسكري الليبي خليفة حفتر يحضر مؤتمرًا لتنمية وإعادة إعمار البلاد، في مدينة سبها جنوب ليبيا، 5 سبتمبر 2024

* عقب اتفاق الصخيرات، حصلت حكومة الوفاق الوطني على اعتراف دولي، لكن سرعان ما ظهرت انقسامات جديدة، من بينها الموقف الروسي. هل لعبت روسيا دورا معطلا في تلك المرحلة؟ وهل كان هذا الموقف محاولة لتصحيح انسحابها السابق من الملف الليبي عام 2011؟

- الروس تواصلوا مع الطرفين: معنا، ومع حكومة الوفاق الوطني بقيادة السيد فايز السراج. كان هذا نهجهم، وقد فضّلوا في نهاية المطاف التعامل مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.

ومثلما يحدث اليوم، هناك تواصل مع حكومة الوحدة الوطنية، بالرغم من وجود علاقات قوية مع قيادة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر منذ عامي 2017–2018.

* اليوم، يشهد الوضع الليبي تعزيزا للوجود العسكري الروسي، في مقابل حضور متزايد للولايات المتحدة. برأيكم، كيف يخدم هذا التجاذب الدولي حول ليبيا أجندات الدول المتنافسة؟

- الروس، حتى في أيام العقيد معمر القذافي، كانوا يسعون إلى إنشاء قاعدة عسكرية، وحتى هذه اللحظة، أعتقد أن لديهم رغبة في ذلك. لكنّ هناك رفضا واضحا، سواء من قيادة الجيش الوطني أو من غالبية الليبيين، لوجود أي قاعدة عسكرية.

في بعض الملفات الأخرى، مثل غزة، هناك تنسيق فعّال ومحمود بين القادة العرب ووزراء الخارجية، لكننا نأمل أن يكون هناك جهد مشابه بخصوص ليبيا، تقوده دول عربية فاعلة

أما "أفريكوم" (قيادة القوات الأميركية في أفريقيا) فقبل وصول الرئيس دونالد ترمب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية، كانت وزارة الدفاع الأميركية تنشط في العمل مع مختلف الأطراف من أجل توحيد المؤسسة العسكرية، وإنشاء جيش وطني موحد.

لا نخفي أن الولايات المتحدة، تتخذ موقفا صارما وتعارض بشدة أي وجود عسكري في شرق ليبيا.

* هل أدى تأخر الدعم الروسي والأميركي للجيش والحكومة الليبيين إلى ترك فراغ استغلته تركيا وإيطاليا في غرب ليبيا؟

- في البداية، كانت الغلبة لتركيا، خصوصا بعد توقيع مذكرة التفاهم عام 2019. لكن اليوم، هناك وجود عسكري كبير لكل من تركيا وروسيا في ليبيا، وهذا أمر لا غبار عليه.

بالنسبة إلى روسيا، المعلومات المؤكدة تشير إلى أن معدات عسكرية وأسلحة قد نُقلت من سوريا إلى ليبيا في ديسمبر/كانون الأول 2023. وهذا صحيح.

لكن الوضع الروسي في سوريا يحظى بقبول النظام الحاكم هناك، وهناك تفاهمات مستمرة تتيح استمرار الوجود العسكري الروسي. ولا أعتقد أن هذا الوجود مهدد في الوقت الراهن.

أ.ف.ب
ميناء البريقة النفطي في مرسى البريقة، على بُعد حوالي 270 كيلومترا غرب مدينة بنغازي شرقي ليبيا، في 24 سبتمبر 2020

في المقابل، زيارة بارجة حربية من الأسطول السادس إلى طرابلس وبنغازي كانت رسالة واضحة تؤكد أن الولايات المتحدة، حتى في عهد الرئيس ترمب، لا تزال مهتمة بليبيا، وتسعى للحد من النفوذ الروسي فيها.

* في ظل تقاسم النفوذ الأجنبي على الأرض الليبية، هل كان القرار السياسي في طبرق وطرابلس خالصا؟

- لم يكن القرار السياسي في ليبيا قرارا خالصا، ولا يزال كذلك.

صناعة القرار، للأسف، بنسبة تتراوح بين 80 إلى 90 في المئة، تقع تحت تأثير أطراف إقليمية ودولية.

* في ظل الحديث عن تحوّل ليبيا إلى ساحة لصراع دولي، هل تسبب غياب دور عربي فاعل في السنوات الماضية في دخول أطراف لا تعرف خصوصية المشهد الليبي وتوازناته؟

- أشكركم على هذا السؤال. بالفعل، كان للجامعة العربية دور مميز في عام 2011، لكن هذا الدور بدأ يتراجع سنة بعد أخرى، وهو الآن شبه غائب.

عندما نتحدث عن "الدور العربي"، فإننا نعني تنسيقا عربيا فعليا، لكن للأسف، لا يوجد تنسيق عربي حقيقي بشأن ليبيا.

في بعض الملفات الأخرى، مثل غزة، هناك تنسيق فعّال ومحمود بين القادة العرب ووزراء الخارجية، لكننا نأمل أن يكون هناك جهد مشابه بخصوص ليبيا، تقوده دول عربية فاعلة، بالتنسيق مع القوى الإقليمية والدولية، وخاصة تركيا.

* في ظل الفوضى المستمرة، وتحول ليبيا إلى ساحة للغنائم في كل المجالات- النفط بشكل أساسي- من هي الجهة المستفيدة من بقاء الحقول النفطية خارج سيطرة الدولة الليبية؟

- الاستفادة تعود، للأسف، إلى أصحاب الأطماع الشخصية الذين يسعون إلى استمرار السيطرة على الحقول النفطية.

في عام 2014، عندما تشكّلت نواة للجيش الوطني الليبي كانت هناك مواجهة مباشرة للمجموعات المتطرفة. وفي 2017 و2018، تم تحرير بنغازي ودرنة، في إنجاز أمني وعسكري كبير

الحل يكمن في تأسيس حكومة مركزية موحدة، تشارك فيها كل الأطراف السياسية والاجتماعية، ومن دون هذه المشاركة، لا يمكن بناء سلطة حقيقية.

 وأعتقد أن هناك توجها غربيا حاليا يدفع بهذا الاتجاه، ونأمل أن تتوفر الظروف السياسية لتحقيقه.

* هل فشلت حكومتكم في حشد الدعم الدولي اللازم لبسط السيطرة على المؤسسات السيادية؟ ولو عاد بك الزمن، ما الخطأ الذي كنت ستتفاداه في إدارة الملف الخارجي؟

- كان يمكن لوزارة الخارجية أن تلعب دورا أكبر في ذلك المسار.

ففي تلك المرحلة، قاد السيد برناردينو ليون مسعى دوليا لإجراء حوار بين مجلس النواب المنتخب والمؤتمر الوطني العام، دون إشراك فعلي لوزارة الخارجية.

وأنا أعتقد أن وزارة الخارجية، في كل تجارب ما بعد النزاعات، تلعب دورا أساسيا. لكنني اكتفيت حينها بدعم القوى الممثلة لمجلس النواب، التي أُعطيت صلاحيات التفاوض مع الطرف الآخر تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة. وربما كان هذا خطأ من جانبي.

الحقيقة أنه كان يمكن أن يكون لنا دور أكبر كوزارة خارجية ليبية بالانخراط في هذا المسار.

أ.ف.ب
مقاتلو المجلس الوطني الانتقالي الليبي يحتفلون بسقوط آخر معقل لنظام القذافي في مدينة سرت الساحلية في 20 أكتوبر 2011

* في ظل الانقسام بين الشرق والغرب، كيف تعاملتم مع تنازع القرار الدبلوماسي؟ وهل أثرت خلافاتكم مع رئيس الحكومة عبد الله الثني على فاعلية وزارة الخارجية في تلك المرحلة الحساسة؟

- كانت فترة شديدة الصعوبة. على مقربة من مدينة البيضاء، حيث مقر الحكومة، كانت درنة تحت سيطرة قوى متطرفة، وأعلنت "داعش" تمركزها هناك بعد أقل من شهر على حلفنا اليمين في 28 سبتمبر/أيلول 2014.

كانت هناك محاولات تفجير البرلمان، وتعرضنا كمجلس وزراء لمحاولات اغتيال وتفجيرات.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014، حضر المبعوث الأممي برناردينو ليون اجتماعا في مطار، وقُبيل الاجتماع تم رصد سيارتين مفخختين على بُعد نحو 400 متر.

* إلى جانب الفوضى السياسية، عانت ليبيا من فوضى أمنية وسلاح منفلت. لماذا أخفقت جهود السيطرة على السلاح في الشارع الليبي؟

- في عام 2014، عندما تشكّلت نواة للجيش الوطني الليبي كانت هناك مواجهة مباشرة للمجموعات المتطرفة. وفي 2017 و2018، تم تحرير بنغازي ودرنة، في إنجاز أمني وعسكري كبير. لكن في المقابل، كان الإسلام السياسي يحاول أن يفرض نفوذه في طرابلس، ويحاول إنشاء حكومة موازية، لم تتمتع بالشرعية الدولية ولكنها أفلحت في السيطرة المالية على عوائد النفط.

المحاصصة كانت منتشرة في كل مفاصل الدولة، بما فيها وزارة الخارجية. كانت هناك ضغوط من قوى اجتماعية، خصوصا في الجنوب والشرق، لتعيين أبناء مناطقها، بحجة التهميش

السلطة الفعلية كانت هناك، بينما كنا نحن نعمل من موقع الشرعية، لكن بتحديات مالية وسياسية جسيمة.

* فيما يخص المؤسسة العسكرية في ليبيا، من المسؤول عن عرقلة تسليح الجيش الليبي رغم مطالبتكم المتكررة؟

- المجتمع الدولي رفض تسليح الجيش، مستندا إلى قرار مجلس الأمن رقم 1970 لعام 2011. كما كان هناك تخوف من بعض الدول العربية من دعم الجيش الوطني المرتبط بالبرلمان، على حساب قوى الإسلام السياسي في الغرب.

وكانت هناك تنافسات إقليمية، وحظر مفروض على تسليح أي طرف ليبي، مما منع حصولنا على المعدات الضرورية.

REUTERS
أفراد من "الجيش الوطني الليبي" بقيادة خليفة حفتر، أثناء خروجهم من بنغازي لتعزيز القوات المتقدمة إلى طرابلس، ليبيا، 7 أبريل 2019.

* في ظل الانقسام ووجود حكومة موازية في طرابلس، تحولت وزارة الخارجية إلى وزارتين، وكانت شبه منقسمة ومخترقة، كيف واجهتم هذا الوضع؟

- في البداية، ظهرت ما سميت "حكومة الخلاص الوطني"، وهي حكومة كانت معروفة بأنها حكومة الإسلام السياسي، وتحديدا الإخوان المسلمين وبعض القوى الإسلامية الأخرى. كانت تسيطر على العائدات النفطية، وتحوّلها عبر المصرف المركزي في طرابلس.

بالتالي، كانت بعض السفارات تتعامل معها لتأمين التمويل.

لكننا نجحنا في تثبيت وجودنا في عدد من السفارات الأساسية، مثل نيويورك وباريس وواشنطن، حيث كانت لدينا عناصر ذات كفاءة دعمت الشرعية، وساهمت في تسيير أمور الوزارة والتواصل الدولي.

* تُتهم وزارة الخارجية الليبية أيضا، بأنها كانت بوابة من بوابات الفساد، خصوصا في ملف التعيينات. من يتحمل المسؤولية؟ وكيف تعاملتم مع هذا الملف؟

- المحاصصة كانت منتشرة في كل مفاصل الدولة، بما فيها وزارة الخارجية. كانت هناك ضغوط من قوى اجتماعية، خصوصا في الجنوب والشرق، لتعيين أبناء مناطقها، بحجة التهميش. وتعرضت شخصيا، وكذلك رئيس الحكومة، لضغوط مباشرة لتعيين بعض الأسماء.

لكن ما حدث لاحقا، خصوصا في ظل حكومة الدبيبة، بلغ مستوى غير مسبوق من الفساد، مع تعيين أقارب لقادة تشكيلات مسلحة. والأمر بات فعلا تعيسا وكارثيا.

font change