هل دخلت الدولة الأردنية طور إعادة التشكيل؟

بين المادة 74... وما بعد منتصف أبريل

هل دخلت الدولة الأردنية طور إعادة التشكيل؟

استمع إلى المقال دقيقة

لم يكن مساء الخامس عشر من أبريل/نيسان 2025 يوما عاديا في روزنامة الدولة الأردنية، ولا يمكن بأي حال عزله عن التحولات السياسية العميقة التي بدأت تتشكّل بصمت في بنية النظام السياسي منذ نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في خريف 2024، والتي حملت "جبهة العمل الإسلامي" إلى واجهة البرلمان مجددا بعدد وازن من المقاعد.

في ذاك اليوم، أعلنت دائرة المخابرات العامة عن إحباط خلية أمنية كانت تصنّع صواريخ ومسيّرات داخل الأراضي الأردنية، وتتهيأ– بحسب بيان رسمي– لتنفيذ عمليات فوضوية تُهدد الأمن الوطني.

لم تكن الضربة الأمنية جديدة بحد ذاتها، لكنها اكتسبت بعدا استثنائيا مع تواتر المعلومات– في تسريبات محسوبة وربما مقصودة– عن صلات بين بعض أفراد الخلية وجماعة الإخوان المسلمين، التي لا تزال، رغم حظرها الرسمي، تُمارس السياسة من باب حزبها الشرعي "جبهة العمل الإسلامي".

الصدمة... وما بعدها

ما تبع الإعلان الأمني لم يكن أقل وقعا، فبهدوء أمني صارم، وبتكتيك سياسي محسوب، بدأت الأجهزة تفرز شبكة العلاقات والتمويل والتدريب، والتي امتدت إلى لبنان وتركيا وربما أكثر، وتم كشف مخازن محصنة في مدينتي عمّان والزرقاء، مزوّدة بغرف سرية لتخزين أسلحة وصواريخ، وتم الحديث عن تجنيد وتدريب وتخطيط وإنتاج فعلي.

ووسط كل هذه التفاصيل، بدأت التحليلات تتزاحم: ماذا لو ثبت الرابط المباشر بين الخلية و"جبهة العمل الإسلامي"؟ ماذا عن شرعية 31 نائبا من الحزب تحت قبة البرلمان أو 17 منهم على الأقل فازوا باسم الحزب؟ وماذا عن النص الدستوري الواضح في المادة 74؟

في حال تم حل البرلمان، فإن الحسابات لا تعود برلمانية فقط، بل حكومية أيضا. أي إننا سنكون أمام مرحلة انتقالية تتطلب وجها جديدا في رئاسة الحكومة، مع هندسة جديدة للمشهد الحزبي، وربما تعديلات في قوانين الانتخاب والأحزاب لضبط "ما بعد الإخوان"

المادة 74.. الدستور لا يتسامح

ينص الدستور الأردني، وبوضوح لا يقبل التأويل، في مادته الرابعة والسبعين، على أنه إذا حُل مجلس النواب، تستقيل الحكومة التي حُل في عهدها خلال أسبوع، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التالية.

بمعنى أوضح: إن كان ثمة قرار آتٍ بحل البرلمان، سواء بسبب تداعيات الخلية أو لاعتبارات إعادة تشكيل التوازنات، فإن حكومة الدكتور جعفر حسان تصبح لاغية بالضرورة الدستورية، ولا يحق تكليفه مجددا. هذا النص لا يترك مساحة للمناورة، ولا يحتمل قراءة سياسية مرنة. هو نص فصل، لا وصال.

وبين الإنكار والتجميد في أعقاب الكشف عن الخلية، اتخذ حزب "جبهة العمل الإسلامي" موقفا دفاعيا، إذ أعلن عن تجميد عضوية ثلاثة من أعضائه وردت أسماؤهم في لائحة الاتهام الصادرة عن النيابة العامة لمحكمة أمن الدولة في القضية المتعلقة بالخلية.

إعادة هيكلة سياسية؟

إذا مضت الدولة في ربط الخلية بحزب "جبهة العمل الإسلامي"، فإنها ستكون قد فتحت الباب على خيارين أحلاهما مرّ:

1. إما حل الحزب وتعطيل الكتلة البرلمانية الإسلامية، ما يخلق فراغا سياسيا كبيرا واحتقانا شعبيا.

2. وإما التغاضي عن الربط واحتواء الأزمة أمنيا فقط، ما يخلق انطباعا بالتسامح مع تهديدات أمنية حقيقية، وهو ما لا يتسق مع عقل الدولة البارد في التعامل مع الأزمات.

وفي حال تم حل البرلمان، فإن الحسابات لا تعود برلمانية فقط، بل حكومية أيضا. أي إننا سنكون أمام مرحلة انتقالية تتطلب وجها جديدا في رئاسة الحكومة، مع هندسة جديدة للمشهد الحزبي، وربما تعديلات في قوانين الانتخاب والأحزاب لضبط "ما بعد الإخوان".

جعفر حسان... مرحلة أم محطة؟

دكتور جعفر حسان، الذي وصل إلى رئاسة الحكومة بترشيح سيادي بعد نتائج انتخابات لم تكن مرضية للمراكز العميقة، ليس رئيسا طارئا أو ضعيفا، بل هو رجل المرحلة بامتياز. لكنه لن يكون، وفق النص الدستوري، رجل ما بعد هذه المرحلة إن تم حل المجلس.

مصادر مقربة من رئيس الوزراء أكدت ارتياحه الكامل في مكتبه على الدوار الرابع في العاصمة عمان، والحسابات في قصر الحسينية- "حيث كان جعفر حسان قبل الحكومة مديرا لمكتب الملك"- مرتاحة لأداء حكومة حسان، بالإضافة إلى علاقات متينة وصحية خالية من المناكفات بناها حسان بينه وبين دائرة المخابرات العامة ومجلس النواب (المناكفات الحالية أقل تأثيرا ومصدرها سياسيون خرجوا من الخدمة).

لا أحد بمنأى عما يجري الآن، وهو فصل جديد في إدارة الصراع بين الدولة العميقة وما تبقى من الجماعة. لكن المختلف هذه المرة أن أدوات الجماعة لم تعد فقط الشعارات، بل مصانع أسلحة وطائرات مسيّرة

أداء حكومة حسان– حسب استطلاع أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية- هو الأفضل منذ عام 2011، وهو ما يجعل الدكتور حسان، حسب مقربين منه، مستمرا في تفعيل العقل البارد حتى في أي تعديل على حكومته، والتي دخلت مرحلة الاستحقاق في موسم الإشاعات الدوري في الأردن.

مصادر قريبة من الرئيس تؤكد أن لا تعديل على المدى المنظور– بعيدا عن الأحداث الأخيرة وتفاعلاتها- وأن الرئيس قد يجري تعديلاته الوزارية بناء على أداء الوزراء ورضاه عن عملهم، أو رغبة البعض بمغادرة الطائرة الحكومية عند أول محطة تعديل. ويضيف المقربون ممن يعرفون الرئيس "الكتوم بطبعه" أن احتمالات التعديل ستكون على ضفاف السنة الأولى من الحكومة. وقد يكون ذلك في محيط سبتمبر/أيلول القادم، مع تفكير الرئيس– حسب المقربين أنفسهم- بتعديل ثانٍ بعد السنة الثانية مبني على دفع عملية الإصلاح السياسي و"حقن" الحكومة بجرعات حزبية في وزارات خدماتية إذا استطاعت أي أحزاب تقديم برامج وازنة للحكومة.

هذه الافتراضات مبنية على أن المسار الأمني المتمثل في التحقيقات لن يفجر مفاجآت جديدة في المشهد السياسي، لكن في حال ثبوت ضلوع "جبهة العمل الإسلامي" أو تورطها ولو من بعيد في الخطوط الحمراء الأمنية– وهذا احتمال ليس قويا كما يبدو الآن- فإن المعادلة ستختلف كما أسلفنا حسب النص الدستوري، وهو ما يعني رحيل حكومة الدكتور حسان في حال حل البرلمان، وسيكون عليه أن يسلّم الحكومة خلال أسبوع من قرار الحل، ولن يعود إلا إذا غُيّر الدستور، وهذا حديث آخر.

وحسب سياسيين ضالعين في الشأن التشريعي، فإن أحد الحلول الممكنة في حال حل البرلمان وتفعيل النص الدستوري برحيل حكومة حسان، أن يتم تسليم الحكومة إلى شخصية سياسية تعمل على تسيير مرحلة الانتخابات والتعديلات القانونية– في حال لزم الأمر- ثم استقالتها ليكلف الملك جعفر حسان بتشكيل الحكومة من جديد.

محصلة القول، إنه لا أحد بمنأى عما يجري الآن، وهو فصل جديد في إدارة الصراع بين الدولة العميقة وما تبقى من الجماعة. لكن المختلف هذه المرة أن أدوات الجماعة لم تعد فقط الشعارات، بل مصانع أسلحة وطائرات مسيّرة. والمختلف أيضا أن الدولة لا تواجهها في الشارع... بل تحت القبة. وفي لحظة كهذه، كل الخيارات مفتوحة، لكن الدستور مغلق بإحكام.

font change