"أعتقد أن الكتب، ما إن تكتب، لا تحتاج إلى مؤلفيها أبدا. وإن كان لديها ما ترويه، فستجد قراءها عاجلا أم آجلا، وإلا فلا"، هكذا عبرت الروائية الإيطالية المجهولة الهوية إيلينا فيرانتي (اسم مستعار)، في رسالة إلى ناشرتها، عن موقفها الذي لم يتزحزح مذاك، معللة رفضها "فعل أي شيء في خصوص ’الحب المقلق’ (روايتها الأولى)، أي شيء يفرض على شخصي التزاما علنيا... لن أشارك في منتديات أو مؤتمرات، إن دعوني إليها. لن أذهب لاستلام جوائز، إن أرادوا منحي جائزة. لن أروج الكتاب أبدا، لا سيما من طريق التلفزيون، لا في إيطاليا ولا في الخارج. لن أقدم مداخلاتي إلا من طريق الكتابة، وسأسعى إلى تقليص هذا أيضا إلى حده الأدنى".
هذه الرسالة هي افتتاحية "فرانتوماليا"، الكتاب الذي جمعت فيه صاحبة رباعية "صديقتي المذهلة"، مقابلات مكتوبة، ورسائل إلى ناشرتها، وإجابات عن أسئلة قرائها، كتبت على امتداد خمسة وعشرين عاما، بين 1991 و2016. وقد صدر الكتاب أخيرا عن "دار الآداب" بترجمة معاوية عبد المجيد.
الرفض القاطع للظهور العلني
في هذا الكتاب، تتناول فيرانتي مواضيع شتى، من الطفولة والأمومة والنسوية، إلى التحليل النفسي ومدينة نابولي وطقوس الكتابة، غير أن الموضوع الذي لا ينفك يعود كل بضع صفحات، تحت إلحاح أسئلة الصحافيين والقراء، هو رفضها القاطع للظهور العلني والإفصاح عن هويتها الحقيقية.
ولهذا الرفض أسباب عدة تتقاطع في ما بينها. ثمة، أولا، نوع من الخجل، أو ما تصفه فيرانتي بـ"رغبة عصابية بعض الشيء في عدم التعرض للمس". تقول: "تمس الكتابة بمتاعبها ومتعها كل نقطة من الجسد. وعندما ينجز الكتاب، يتكون لدي انطباع بأني خضعت لتفتيش يتمادى في حميميته، وعندئذ لا أرغب إلا باستعادة مسافتي وسويتي".
ثمة، أيضا، رغبة في حماية خصوصية أسرتها والمقربين منها، ذاك أنها، من أجل خلق عوالمها الروائية، لا تستطيع إلا أن تستحوذ على تفاصيل من حيوات الأشخاص الذين تعرفهم.