اعتاد جمهور السينما أن يبدأ عامه الحقيقي من مهرجان كان، ليس لأنه الأهم بالضرورة، بل لأنه الحدث الذي يفتح المشهد على اتساعه، تتقاطع فيه الموجات والتيارات، وتبدأ الروايات الجديدة لأفلام قد تصنع موسمها من هنا.
لكن الدورة الثامنة والسبعين، التي تنطلق اليوم، الثلاثاء، 13 مايو/أيار وتستمر حتى 24 منه، لم تحمل ذلك الإيقاع الواثق الذي يميز عادة افتتاحيات كان. هناك شيء مرتبك في الجو العام، تحديدا في الطريقة التي جرى بها الإعلان عنها، وفي التوقيتات المضطربة، وفي التعديلات التي طرأت على البرنامج في اللحظة الأخيرة، وكأن المهرجان العريق بات يلهث خلف سينما متقلبة وصناعة مأزومة أكثر من كونه يسبقها بخطوة كما اعتدنا.
جاءت الدفعة الأولى من الأفلام المعلنة محدودة وباهتة إلى حدّ ما، قبل أن تتبعها لاحقا دفعتان أضيفتا تباعا، أنقذتا القائمة جزئيا، إحداهما لم تُعلن إلا قبل أيام من افتتاح المهرجان. أسماء غابت، وأخرى وصلت في اللحظات الأخيرة، وبعض الأفلام فُرضت فرضا رغم تجاوزها مواعيد التسليم، في مشهد يعكس هشاشة غير معتادة في التنظيم، رغم كل التصريحات التي تؤكد العكس.
بدا مهرجان "كان" هذا العام، الذي اشتهر طويلا بدقته التنظيمية الصارمة، راضخا لضرورات اللحظة السينمائية، يتراجع خطوة كي لا تفوته قاطرة الإبداع، فيقبل بالتأخير والإضافة والارتباك، مقابل أن يكون حاضرا في الزمن الحقيقي للسينما. ثمة أفلام، حتى وإن تجاوزت الشروط الإدارية، تُفتح لها الأبواب، والحقيقة أن هذا ما يجب أن يقوم به أي مهرجان يسعى بصدق إلى احتضان الحاضر وصوغ ملامح المشهد المقبل، لا إلى تكريسه فحسب.