تستعير رواية المناطيد للكاتبة البلجيكية إيميلي نوتومب (ترجمة إينانة صالح، 2025، عن دار الرافدين) من البالونات خفتها، ووتيرة حركتها، ورؤيتها البانورامية، ومجازية انتفاخها الآيل إلى انفجار، وهذا ما تنتهي به إلى ما هو غير متوقع، وإن بطريقة سريعة هي أقرب إلى التلفيق أكثر مما هي تكثيف منطقي، أو تقويض رصين.
تضطلع الآنسة آنج بأحادية السرد، ولا يتلطف انفرادها الكلي بالحكي، إلا بحيز لأصوات الشخصيات الأخرى، تحضر في المحاورات المتعاقبة، التي تنهجها الرواية كاستراتيجيا على طول الفصول.
مأزق عسر القراءة
تستأجر الآنسة آنج (19 سنة) وهي تدرس فقه اللغة، غرفة لدى الآنسة دونات (22 سنة) التي تدرس علم التغذية، وتتمرس في إهانة الأولى، إذ أن حساسيتها بالغة الدقة حد المرض، في ما يتعلق باستعمال أغراضها، مع فرض قوانين صارمة في الفضاء المشترك، كعدم نشر الغسيل في الشرفة، ولا طبخ ولا حمام بعد التاسعة ليلا، الى ما هناك من تعليمات تتقيد بها آنج مجبرة، حتى لا تعود إلى جحيم مبنى سكن جامعي مقرف، في أحد أحياء بلجيكا الشبيه بمستنقع.
الولع بالقراءة المستمرة هو عادة الآنسة آنج التي اختارت فقه اللغة لأن نيتشه كان فقيها لغويا قبل أن يكون فيلسوفا، وغير ذلك هي تهوى التسكع طويلا، الذي غالبا ما ينتهي بها في قاعة السينما، إلى أن يكسر هذا الاعتياد، طلبٌ من ثري سويسري يدعى غريغوار، كي تسعف ابنه (16 سنة) المدعو بي روسير، الذي يعاني عسرا مزمنا في القراءة، بمقابل مادي مُغْرٍ.
ولد بي روسير في أميركا، وأمضى دراسته في جزر كايمان، ومعظم اهتمامه هو مجال الأسلحة، فكيف تقنع يافعا مرفها لم يسبق له أن قرأ كتابا في حياته، أن يقرأ هذه المرة رواية "الأحمر والأسود" لستاندال على سبيل البدء؟
ينهي بي روسير قراءة الرواية في الموعد، دون أن يستحسنها، مفضلا في المقابل لو أهدر الوقت في الرياضيات، فتراهنه الآنسة آنج على قراءة "الإلياذة" كمقترح ثان ما دام يعشق مجال الأسلحة، وهذا كتاب مثير عن حكاية حرب.
يتم اليافع بي روسير قراءة "الإلياذة" في وقت وجيز، والمفاجأة أنها تحقق له متعة هائلة بفعل ذلك، الى درجة أن ذاكرته احتفظت بمجمل وقائعها، ومعظم شخصياتها المؤثرة، خاصة هيكتور، وكانت انطباعاته مباغتة، مثل المبالغة في وصف الأسطول اليوناني، والسبب وفق تفسير بي روسير اللافت أن كل العائلات اليونانية اللامعة طالبت بذكر أسمائها، كتاريخ للقدرة على التباهي: اقرأوا الإلياذة، تروا: حرب طروادة، زوجي شارك فيها". أما خلاصاته الحاذقة في شذرات متوقدة، فأن نحذر هدايا الإغريق على سبيل المثل، مشيرا إلى خدعة حصان طروادة، فيما يطابق بين المحارب أخيل ونمط المحارب الأميركي المغرور، منحازا إلى هيكتور الذي يراه نبيلا.